Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 1-5)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { الر } قد تقدم الكلام في أمثال هذا ، وبيان قول من قال إنه غير متشابه ، وهو إما مبتدأ خبره كتاب ، أو خبر مبتدأ محذوف ، ويكون { كِتَابٌ } خبراً لمحذوف مقدّر ، أو خبراً ثانياً لهذا المبتدأ ، أو يكون { الر } مسروداً على نمط التعديد فلا محلّ له ، و { أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ } صفة لكتاب أي أنزلنا الكتاب إليك يا محمد ، ومعنى { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية . جعل الكفر بمنزلة الظلمات ، والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة ، واللام في { لتخرج } للغرض والغاية ، والتعريف في الناس للجنس ، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يخرج بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور . وقيل إن الظلمة مستعارة للبدعة ، والنور مستعار للسنّة . وقيل من الشك إلى اليقين . ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور ، والباء في { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } متعلقة بـ " تخرج " ، وأسند الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الداعي والهادي والمنذر . قال الزجاج بما أذن لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } هو بدل من { إلى النور } بتكرير العامل كما يقع مثله كثيراً ، أي لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد ، وهو طريقة الله الواضحة التي شرعها لعباده ، وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها ، ويجوز أن يكون مستأنفاً بتقدير سؤال ، كأنه قيل ما هذا النور الذي أخرجهم إليه ؟ فقيل صراط العزيز الحميد ، والعزيز هو القادر الغالب ، والحميد هو الكامل في استحقاق الحمد . { ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } قرأ نافع وابن عامر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الله المتصف بملك ما في السمٰوات وما في الأرض ، وقرأ الجمهور بالجرّ على أنه عطف بيان لكونه من الأعلام الغالبة ، فلا يصح وصف ما قبله به لأن العلم لا يوصف به . وقيل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى . وقال أبو عمر إن قراءة الجرّ محمولة على التقديم والتأخير ، والتقدير إلى صراط الله العزيز الحميد . وكان يعقوب إذا وقف على { الحميد } رفع ، وإذا وصل خفض . قال ابن الأنباري من خفض وقف على وما في الأرض . ثم توعد من لا يعترف بربوبيته فقال { وَوَيْلٌ لّلْكَـٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } قد تقدم بيان معنى الويل ، وأصله النصب . كسائر المصادر ، ثم رفع للدلالة على الثبات . قال الزجاج هي كلمة تقال للعذاب والهلكة ، فدعا سبحانه وتعالى بذلك على من لم يخرج من الكفار بهداية رسول الله صلى الله عليه وسلم له بما أنزله الله عليه من العذاب الشديد الذي صاروا فيه . ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } أي يؤثرونها لمحبتهم لها { عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ } الدائمة والنعيم الأبدي . وقيل إن الموصول في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي هم الذين . وقيل الموصول مبتدأ وخبره أولئك ، وجملة { وَيَصُدُّونَ } وكذلك { ويبغون } معطوفتان على { يستحبون } ، ومعنى الصدّ { عن سبيل الله } صرف الناس عنه ومنعهم منه ، وسبيل الله دينه الذي شرعه لعباده { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي يطلبون لها زيغاً وميلاً لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم ، والعوج بكسر العين في المعاني وبفتح العين في الأعيان ، وقد سبق تحقيقه . والأصل يبغون لها . فحذف الحرف وأوصل الفعل إلى الضمير ، واجتماع هذه الخصال نهاية الضلال ، ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق فقال { أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } والإشارة إلى الموصوفين بتلك الصفات القبيحة والبعد وإن كان من صفة الضال لكنه يجوز وصف الضلال به مجازاً لقصد المبالغة . ثم لمّا منّ على المكلفين بإنزال الكتاب وإرسال الرسل ذكر من كمال تلك النعمة أن ذلك المرسل بلسان قومه فقال { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } أي متلبساً بلسانهم ، متكلماً بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ، ولا يفهمون ما يخاطبهم به ، حتى يتعلموا ذلك اللسان دهراً طويلاً ، ومع ذلك فلا بدّ أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة ولهذا علل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله { لِيُبَيّنَ لَهُمُ } أي ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التي شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها اللغة . وقد قيل في هذه الآية إشكال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس جميعاً ، بل إلى الجنّ والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة . وأجيب بأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم مرسلاً إلى الثقلين كما مرّ لكن لما كان قومه العرب ، وكانوا أخصّ به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم ، وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ، ويوضحونه حتى يصير فإهماً له كفهمهم إياه ، ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم ، وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحاً لباب التنازع لأن كل أمة قد تدّعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها ، وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التي يقع فيها المتعصبون . وجملة { فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء } مستأنفة أي يضلّ من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته . قال الفراء إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم يكن النسق مشاكلاً للأوّل فالرفع على الاستئناف هو الوجه ، فيكون معنى هذه الآية وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها وفهموها ، ومع ذلك فإن المضلّ والهادي هو ، الله عزّ وجلّ ، والبيان لا يوجب حصول الهداية إلاّ إذا جعله الله سبحانه واسطة وسبباً ، وتقديم الإضلال على الهداية لأنه متقدّم عليها ، إذ هو إبقاء على الأصل ، والهداية إنشاء ما لم يكن { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي لا يغالبه مغالب { ٱلْحَكِيمُ } الذي يجري أفعاله على مقتضى الحكمة . ثم لما بيّن أن المقصود من بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلاّ ذلك ، وخصّ موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدّمة على هذه الأمة المحمدية فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } أي متلبساً بها ، والمراد بالآيات المعجزات التي لموسىٰ ، ومعنى { أَنْ أَخْرِجْ } أي أخرج ، لأن الإرسال فيه معنى القول ، ويجوز أن يكون التقدير بأن أخرج ، والمراد بقومه بنو إسرائيل بعد ملك فرعون . { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ } من الكفر أو من الجهل الذي قالوا بسببه { ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } الأعراف 138 . { إِلَى ٱلنُّورِ } إلى الإيمان ، أو إلى العلم { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } أي بوقائعه . قال ابن السكيت العرب تقول الأيام ، في معنى الوقائع ، يقال فلان عالم بأيام العرب ، أي بوقائعها . وقال الزجاج أي ذكرهم بنعم الله عليهم وبنقم أيام الله التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود ، والمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي في التذكير بأيام الله ، أو في نفس أيام الله { لآيَاتٍ } لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة { لّكُلّ صَبَّارٍ } أي كثير الصبر على المحن والمنح { شَكُورٍ } كثير الشكر للنعم التي أنعم الله بها عليه . وقيل المراد بذلك كل مؤمن ، وعبَّر عنه بالوصفين المذكورين لأنهما ملاك الإيمان ، وقدّم الصبار على الشكور لكون الشكر عاقبة الصبر . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } قال من الضلالة إلى الهدى . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { يَسْتَحِبُّونَ } قال يختارون . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال إن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء ، قيل ما فضله على أهل السماء ؟ قال إن الله قال لأهل السماء { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } الأنبياء 29 وقال لمحمد { لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 . فكتب له براءة من النار . قيل فما فضله على الأنبياء ؟ قال إن الله يقول { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } ، وقال لمحمد { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ } سبأ 28 فأرسله إلى الإنس والجنّ . وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان { إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } قال نزل القرآن بلسان قريش . وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير في قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } قال بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } قال من الضلالة إلى الهدى . وأخرج النسائي ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } قال " بنعم الله وآلائه " وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر عن ابن عباس { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } قال نعم الله . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } قال وعظهم . وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال بوقائع الله في القرون الأولى . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } قال نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر ، وإذا أعطي شكر .