Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 47-52)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مُخْلِفَ } منتصب على أنه مفعول { تحسبنّ } ، وانتصاب { رسله } على أنه مفعول { وعده } ، قيل وذلك على الاتساع ، والمعنى مخلف رسله وعده . قال القتيبي هو من المقدّم الذي يوضحه التأخير . والمؤخر الذي يوضحه التقديم ، وسواء في ذلك مخلف وعده رسله ، ومخلف رسله وعده ، ومثل ما في الآية قول الشاعر @ ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع @@ وقال الزمخشري قدّم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } آل عمران 9 . ثم قال { رسله } ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته . والمراد بالوعد هنا هو ما وعدهم سبحانه بقوله { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } غافر 51 و { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } المجادلة 21 . وقرىء " مخلف وعدهَ رسِله " بجرّ { رسله } ونصب { وعده } . قال الزمخشري وهذه القراءة في الضعف كمن قرأ { قتل أولادهم شركائهم } الأنعام 137 . { إنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالب لا يغالبه أحد { ذُو ٱنتِقَامٍ } ينتقم من أعدائه لأوليائه والجملة تعليل للنهي ، وقد مرّ تفسيره في أوّل آل عمران . { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قال الزجاج انتصاب { يوم } على البدل من { يوم يأتيهم } ، أو على الظرف للانتقام . انتهى . ويجوز أن ينتصب بمقدّر يدل عليه الكلام ، أي واذكر ، أو وارتقب ، والتبديل قد يكون في الذات ، كما في بدّلت الدراهم دنانير ، وقد يكون في الصفات كما في بدّلت الحلقة خاتماً . والآية تحتمل الأمرين . وقد قيل المراد تغير صفاتها . وبه قال الأكثر ، وقيل تغير ذاتها ، ومعنى { * والسمٰوات } أي وتبدّل السمٰوات غير السمٰوات على الاختلاف الذي مرّ { وَٱلسَّمَـٰوٰتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي برز العباد لله ، أو الظالمون كما يفيده السياق ، أي ظهروا من قبورهم ، أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه . والتعبير على المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقق وقوعه كما في قوله { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } يس 51 ، الزمر 68 ، ق 20 و { الواحد القهار } المتفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده . { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلأَصْفَادِ } معطوف على { برزوا } أو على { تبدّل } ، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ، والمجرمون هم المشركون ، و { يومئذٍ } يعني يوم القيامة ، و { مُقْرِنِينَ } أي مشدودين إما بجعل بعضهم مقروناً مع بعض ، أو قرنوا مع الشياطين ، كما في قوله { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } الزخرف 36 . أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم ، والأصفاد الأغلال ، والقيود . والجار والمجرور متعلق بمقرّنين ، أو حال من ضميره . يقال صفدته صفداً ، أي قيدته ، والاسم الصفد ، فإذا أردت التكثير ، قلت صَفَّدته . قال عمرو بن كلثوم @ فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا @@ وقال حسان بن ثابت @ من بين مأسور يشدّ صفاده صقر إذا لاقى الكريهة حامي @@ ويقال صفدته وأصفدته إذا أعطيته . ومنه قول النابغة @ ولم أعرّض أبيت اللعن بالصفد @@ { سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ } السرابيل القُمص ، واحدها سربال . ومنه قول كعب بن مالك @ تلقاكم عصب حول النبيّ لهم من نسج داود في الهيجا سرابيل @@ والقطران هو قطران الإبل الذي تهنأ ، به أي قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم ، حتى يعود ذلك الطلاء كالسرابيل . وخصّ القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته . وقال جماعة هو النحاس ، أي قمصانهم من نحاس . وقرأ عيسى بن عمر " من قطران " بفتح القاف ، وتسكين الطاء . وقرىء بكسر القاف وسكون الطاء . وقرىء بفتح القاف والطاء . رويت هذه القراءة عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ويعقوب وهذه الجملة في محل نصب على الحال { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } أي تعلو وجوههم وتضر بها وخص الوجوه لأنها أشرف ما في البدن ، وفيها الحواس المدركة ، والجملة في محل نصب على الحال أيضاً ، و { لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ } متعلق بمحذوف ، أي يفعل ذلك بهم ليجزي { كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } من المعاصي ، أي جزاء موافقاً لما كسبت من خير أو شرّ { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } لا يشغله عنه شيء . وقد تقدّم تفسيره . { هَـٰذَا بَلَـٰغٌ } أي هذا الذي أنزل إليك بلاغ ، أي تبليغ وكفاية في الموعظة والتذكير . قيل إن الإشارة إلى ما ذكره سبحانه هنا من قوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً } إلى { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي هذا فيه كفاية من غير ما انطوت عليه السورة . وقيل الإشارة إلى جميع السورة . وقيل إلى القرآن . ومعنى { لِلنَّاسِ } للكفار ، أو لجميع الناس على ما قيل في قوله { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ } ، { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } معطوف على محذوف ، أي لينصحوا ولينذروا به ، والمعنى وليخوفوا به ، وقرىء ولينذروا بفتح الياء التحتية والذال المعجمة . يقال نذرت بالشيء أنذر إذا علمت به فاستعددت له . { وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي ليعلموا بالأدلة التكوينية المذكورة سابقاً وحدانية الله سبحانه ، وأنه لا شريك له { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } أي وليتعظ أصحاب العقول . وهذه اللامات متعلقة بمحذوف ، والتقدير وكذلك أنزلنا ، أو متعلقة بالبلاغ المذكور ، أي كفاية لهم في أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما أقام الله من الحجج والبراهين وحدانيته سبحانه ، وأنه لا شريك له ، وليتعظ بذلك أصحاب العقول التي تعقل وتدرك . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } قال عزيز والله في أمره ، يملي وكيده متين ، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة . وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان ، قال « جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في " الظلمة دون الجسر " . وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة ، قالت أنا أوّل من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قالت أين الناس يومئذٍ ؟ قال " على الصراط " وأخرج البزار ، وابن المنذر ، والطبراني في الأوسط ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، وابن عساكر عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قال " أرض بيضاء ، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يعمل بها خطيئة " وأخرجه عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه ، قال البيهقي والموقوف أصح . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال " جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قال أرض بيضاء كالفضة ، فسألهم فقالوا أرض بيضاء كالنقيّ " وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن عليّ نحو ما تقدّم عن ابن مسعود . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه ، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي " وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده … " الحديث . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلأَصْفَادِ } قال الكبول . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير عن قتادة في { الأصفاد } قال القيود والأغلال . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال في السلاسل . وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فِى ٱلأَصْفَادِ } يقول في وثاق . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي { سَرَابِيلُهُم } قال قمصهم . وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { مّن قَطِرَانٍ } قال قطران الإبل . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هو النحاس المذاب . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ { مّن قَطِرَانٍ } فقال القطر الصفر ، والآن الحارّ . وأخرج أبو عبيد ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر عن عكرمة نحوه . وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { هَـٰذَا بَلَـٰغٌ لّلنَّاسِ } قال القرآن ، { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } قال القرآن .