Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 110-111)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أراد سبحانه أن يعلم عباده كيفية الدعاء والخشوع فقال { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } ومعناه أنهما مستويان في جواز الإطلاق وحسن الدعاء بهما ، ولهذا قال { أَيَّا ما تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلاْسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } التنوين في " أيا " عوض عن المضاف إليه ، و " ما " مزيدة لتوكيد الإبهام في " أيا " والضمير في " له " راجع إلى المسمى ، وكان أصل الكلام أيا ما تدعوا فهو حسن ، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة ، وللدلالة على أنها إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الإسمان ، ومعنى حسن الأسماء استقلالها بنعوت الجلال والإكرام ، ذكر معنى هذا النيسابوري وتبعه أبو السعود . قال الزجاج أعلمهم الله أن دعاءهم الله ودعاءهم الرحمٰن يرجعان إلى قول واحد ، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية ، وبه يتضح المراد منها ، ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } أي بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت ، لا من نعوت أفعال الصلاة ، فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، يقال خفت صوته خفوتاً إذا انقطع كلامه وضعف وسكن ، وخفت الزرع إذا ذبل ، وخافت الرجل بقراءته إذا لم يرفع بها صوته ، وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها ، والأوّل أولى { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي الجهر والمخافتة المدلول عليها بالفعلين { سَبِيلاً } أي طريقاً متوسطاً بين الأمرين فلا تكن مجهورة ولا مخافتاً بها ، وعلى التفسير الثاني يكون معنى ذلك النهي عن الجهر بقراءة الصلوات كلها ، والنهي عن المخافتة بقراءة الصلوات كلها ، والأمر بجعل البعض منها مجهوراً به ، وهو صلاة الليل والمخافتة بصلاة النهار ، وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } الأعراف 55 . ولما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلاّ بأسمائه الحسنى نبه على كيفية الحمد له فقال { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } كما تقوله اليهود والنصارى ، ومن قال من المشركين إن الملائكة بنات الله ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } أي مشارك له في ملكه وربوبيته كما تزعمه الثنوية ونحوهم من الفرق القائلين بتعدد الآلهة { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلّ } أي لم يحتج إلى موالاة أحد لذل يلحقه فهو مستغنٍ عن الوليّ والنصير . قال الزجاج أي لم يحتج أن ينتصر بغيره ، وفي التعرّض في أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من له هذه الصفات ، لأنه القادر على الإيجاد وإفاضة النعم لكون الولد مجبنة ومبخلة ، ولأنه أيضاً يستلزم حدوث الأب لأنه متولد من جزء من أجزائه ، والمحدث غير قادر على كمال الإنعام ، والشركة في الملك إنما تتصور لمن لا يقدر على الاستقلال به ، ومن لا يقدر على الاستقلال عاجز فضلاً عن تمام ما هو له ، فضلاً عن نظام ما هو عليه ، وأيضاً الشركة موجبة للتنازع بين الشريكين ، فقد يمنعه الشريك من إفاضة الخير إلى أوليائه ومؤدية إلى الفساد { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } الأنبياء 22 . والمحتاج إلى وليّ يمنعه من الذلّ وينصره على من أراد إذلاله ، ضعيف لا يقدر على ما يقدر عليه من هو مستغني بنفسه { وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا } أي عظمه تعظيماً وصفه بأنه أعظم من كل شيء . وقد أخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس قال « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فقال في دعائه " يا ألله يا رحمٰن " فقال المشركون انظروا إلى هذا الصابىء ينهانا أن ندعو إلهين ، وهو يدعو إلهين ، فأنزل الله { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرحمٰن ، وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه الرحمٰن ، فنزلت الآية . وهو مرسل . وأخرج ابن جرير عن مكحول أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده " يا رحمٰن يا رحيم " فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه إن ابن أبي كبشة يدعو الليلة الرحمٰن الذي باليمن ، وكان رجل باليمن يقال له رحمٰن ، فنزلت . وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك ، عن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيَّا ما تَدْعُواْ } إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو أمان من السرق " وإن رجلاً من المهاجرين من أصحاب رسول الله تلاها حيث أخذ مضجعه ، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردوداً ، فوضع الكارة ، ففعل ذلك ثلاث مرات ، فضحك صاحب الدار ثم قال إني حصنت بيتي . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } الآية قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله لنبيه { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } أي بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } عن أصحابك ، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } يقول بين الجهر والمخافتة . وأخرج ابن مردويه عنه قال كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة بمكة فيؤذى ، فأنزل الله { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } . وأخرج ابن أبي شيبة عنه أيضاً نحوه . وأخرج أبو داود في ناسخه عنه نحوه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنه أيضاً قال كان مسيلمة الكذاب قد سمي الرحمٰن ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى فجهر ببسم الله الرحمٰن الرحيم قال المشركون يذكر إله اليمامة ، فأنزل الله { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في الشعب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن أبا بكر كان إذا قرأ خفض ، وكان عمر إذا قرأ جهر ، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا ؟ قال أنا أناجي ربي ، وقد عرف حاجتي ، وقيل لعمر لم تصنع هذا ؟ قال أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ، فلما نزل { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } قيل لأبي بكر ارفع شيئاً ، وقيل لعمر اخفض شيئاً . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم وغيرهم عن عائشة قالت إنما نزلت هذه الآية { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } في الدعاء . وأخرج ابن جرير ، والحاكم عنها قالت نزلت في التشهد . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن منيع ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن عباس مثل حديث عائشة الأوّل . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال إن اليهود والنصارى قالوا اتخذ الله ولداً ، وقالت العرب لبيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، وقال الصابئون والمجوس لولا أولياء الله لذلّ . فأنزل الله هذه الآية { وقل ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } إلى آخرها . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلّ } قال لم يحالف أحداً ولم يبتغ نصر أحد . وأخرج أحمد ، والطبراني عن معاذ بن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « آية العزّ { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } » الآية كلها . وأخرج أبو يعلى وابن السني عن أبي هريرة قال « خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي ، فأتى عليّ رجل رثّ الهيئة فقال " أي فلان ما بلغ بك ما أرى " ؟ قال السقم والضرّ ، قال " ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضرّ ؟ توكلت على الحي الذي لا يموت ، ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا " إلى آخر الآية ، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حسنت حاله فقال " ممّ " ؟ قال لم أزل أقول الكلمات التي علمتني . وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أبا هريرة . قال ابن كثير وإسناده ضعيف وفي متنه نكارة . وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } إلى آخرها الصغير من أهله والكبير . وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } إلى آخر السورة . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف من طريق عبد الكريم ، عن عمرو بن شعيب فذكره . وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه .