Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 18-24)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ } هذا تأكيد لما سلف من جملة { كل إنسان ألزمناه } ، ومن جملة { من اهتدى } ، والمراد بالعاجلة المنفعة العاجلة ، أو الدار العاجلة . والمعنى من كان يريد بأعمال البرّ أو بأعمال الآخرة ذلك ، فيدخل تحته الكفرة والفسقة والمراءون والمنافقون { عَجَّلْنَا لَهُ } أي عجلنا لذلك المريد { فِيهَا } أي في تلك العاجلة ، ثم قيد المعجل بقيدين الأوّل قوله { مَا نَشَاء } أي ما يشاء الله سبحانه تعجيله له منها ، لا ما يشاؤه ذلك المريد ، ولهذا ترى كثيراً من هؤلاء المريدين للعاجلة يريدون من الدنيا ما لا ينالون ، ويتمنون ما لا يصلون إليه ، والقيد الثاني قوله { لِمَن نُّرِيدُ } أي لمن نريد التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا ، وجملة { لمن نريد } بدل من الضمير في " له " بإعادة الجار بدل البعض من الكل . لأن الضمير يرجع إلى " من " وهو للعموم ، وهذه الآية تقيد الآيات المطلقة كقوله سبحانه { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } الشورى 20 . وقوله { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } هود 15 . وقد قيل إنه قرىء ما يشاء بالياء التحتية ، ولا ندري من قرأ بذلك من أهل الشواذ ، وعلى هذه القراءة فقيل الضمير لله سبحانه ، أي ما يشاؤه الله ، فيكون معناها معنى القراءة بالنون ، وفيه بعد لمخالفته لما قبله ، وهو { عجلنا } وما بعده وهو { لمن نريد } . وقيل الضمير راجع إلى { من } في قوله { مَن كَانَ يُرِيدُ } فيكون ذلك مقيداً بقوله { لمن نريد } أي عجلنا له ما يشاؤه ، لكن بحسب إرادتنا فلا يحصل لمن أراد العاجلة ما يشاؤه إلاّ إذا أراد الله له ذلك . ثم بعد هذا كله فمن وراء هذه الطلبة الفارغة التي لا تأثير لها إلاّ بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم ، ولهذا قال { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ } أي جعلنا له بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة وإخلاصه عن الشوائب عذاب جهنم على اختلاف أنواعه { يَصْلَـٰهَا } في محل نصب على الحال أي يدخلها { مَذْمُومًا مَّدْحُورًا } أي مطروداً من رحمة الله مبعداً عنها ، فهذه عقوبته في الآخرة ، مع أنه لا ينال من الدنيا إلاّ ما قدره الله سبحانه له ، فأين حال هذا الشقيّ من حال المؤمن التقيّ ؟ فإنه ينال من الدنيا ما قدّره الله له وأراده بلا هلع منه ولا جزع ، مع سكون نفسه واطمئنان قلبه وثقته بربه ، وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه ، وهو الجنة ، ولهذا قال { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ } أي أراد بأعماله الدار الآخرة { وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } أي السعي الحقيق بها اللائق بطالبها ، وهو الإتيان بما أمر به ، وترك ما نهى عنه خالصاً لله غير مشوب ، وكان الإتيان به على القانون الشرعي من دون ابتداع ولا هوى { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله إيماناً صحيحاً ، لأن العمل الصالح لا يستحق صاحبه الجزاء عليه إلاّ إذا كان من المؤمنين { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } المائدة 27 ، والجملة في محل نصب على الحال ، والإشارة بقوله { فَأُوْلَـئِكَ } إلى المريدين للآخرة الساعين لها سعيها وخبره { كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا } عند الله ، أي مقبولاً غير مردود ، وقيل مضاعفاً إلى أضعاف كثيرة ، فقد اعتبر سبحانه في كون السعي مشكوراً أموراً ثلاثة الأول إرادة الآخرة ، الثاني أن يسعى لها السعي الذي يحق لها ، والثالث أن يكون مؤمناً . ثم بين سبحانه كمال رأفته وشمول رحمته فقال { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ } التنوين في « كلاً » عوض عن المضاف إليه ، والتقدير كل واحد من الفريقين نمدّ ، أي نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع ، نرزق المؤمنين والكفار ، وأهل الطاعة وأهل المعصية ، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه ، وما به الإمداد هو ما عجله لمن يريد الدنيا ، وما أنعم به في الأولى والأخرى على من يريد الآخرة ، وفي قوله { مِنْ عَطَاء رَبّكَ } إشارة إلى أن ذلك بمحض التفضل وهو متعلق بـ { نمد } ، { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا } أي ممنوعاً ، يقال حظره يحظره حظراً منعه ، وكل ما حال بينك وبين شيء ، فقد حظره عليك ، و { هؤلاء } بدل من « كلا » وهؤلاء معطوف على البدل . قال الزجاج أعلم الله سبحانه أنه يعطي المسلم الكافر وأنه يرزقهما جميعاً الفريقين فقال { هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ } . { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والاعتبار ، وهذه الجملة مقرّرة لما مرّ من الإمداد وموضحة له ، والمعنى انظر كيف فضلنا في العطايا العاجلة بعض العباد على بعض ، فمن غني وفقير ، وقوي وضعيف ، وصحيح ومريض ، وعاقل وأحمق ، وذلك لحكمة بالغة تقصر العقول عن إدراكها . { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } وذلك لأن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا ، وليس للدنيا بالنسبة إلى الآخرة مقدار ، فلهذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً ، وقيل المراد أن المؤمنين يدخلون الجنة ، والكافرين يدخلون النار ، فتظهر فضيلة المؤمنين على الكافرين . وحاصل المعنى أن التفاضل في الآخرة ودرجاتها فوق التفاضل في الدنيا ومراتب أهلها فيها من بسط وقبض ونحوهما . ثم لما أجمل سبحانه أعمال البرّ في قوله { وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أخذ في تفصيل ذلك مبتدئاً بأشرفها الذي هو التوحيد فقال { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته ، تهييجاً وإلهاباً ، أو لكل متأهل له صالح لتوجيهه إليه ، وقيل هو على إضمار القول ، والتقدير قل لكل مكلف لا تجعل ، وانتصاب { تقعد } على جواب النهي ، والتقدير لا يكون منك جعل فقعود ومعنى { تقعد } تصير ، من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها خربة ، وليس المراد حقيقة القعود المقابل للقيام وقيل هو كناية عن عدم القدرة على تحصيل الخيرات ، فإن السعي فيه إنما يتأتى بالقيام ، والعجز عنه يلزمه أن يكون قاعداً عن الطلب وقيل إن من شأن المذموم المخذول أن يقعد نادماً مفكراً على ما فرط منه ، فالقعود على هذا حقيقة ، وانتصاب { مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } على خبرية تقعد أو على الحال أي فتصير جامعاً بين الأمرين الذم لك من الله ومن ملائكته ، ومن صالحي عباده ، والخذلان لك منه سبحانه ، أو حال كونك جامعاً بين الأمرين . ثم لما ذكر ما هو الركن الأعظم وهو التوحيد ، أتبعه سائر الشعائر والشرائع فقال { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } أي أمر أمراً جزماً ، وحكماً قطعاً ، وحتماً مبرماً { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ } أي بأن لا تعبدوا ، فتكون « أن » ناصبة ، ويجوز أن تكون مفسرة ، و " لا " نهي . وقرىء ووصى ربك أي وصى عباده بعبادته وحده ، ثم أردفه بالأمر ببرّ الوالدين فقال { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } أي وقضى بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا ، أو وأحسنوا بهما إحساناً ، ولا يجوز أن يتعلق بالوالدين بـ { إحسانا } ، لأن المصدر لا يتقدّم عليه ما هو متعلق به . قيل ووجه ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله سبحانه أنهما السبب الظاهر في وجود المتولد بينهما ، وفي جعل الإحسان إلى الأبوين قريناً لتوحيد الله وعبادته من الإعلان بتأكد حقهما والعناية بشأنهما ما لا يخفى ، وهكذا جعل سبحانه في آية أخرى شكرهما مقترناً بشكره فقال { أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ } لقمان 14 . ثم خص سبحانه حالة الكبر بالذكر ، لكونها إلى البر من الولد أحوج من غيرها ، فقال { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } " إما " مركبة من " إن " الشرطية و " ما " الإبهامية لتأكيد معنى الشرط ، ثم أدخلت نون التوكيد في الفعل لزيادة التقرير ، كأنه قيل إن هذا الشرط مما سيقع ألبتة عادة . قال النحويون إن الشرط يشبه النهي من حيث الجزم وعدم الثبوت ، فلهذا صح دخول النون المؤكدة عليه . وقرأ حمزة والكسائي يبلغان . قال الفراء ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبله ، فصار الفعل على عددهما ، ثم قال { أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } على الاستئناف ، وأما على قراءة { يبلغن } فأحدهما فاعل بالاستقلال . وقوله { أَوْ كِلاَهُمَا } فاعل أيضاً ، لكن لا بالاستقلال ، بل بتبعية العطف ، والأولى أن يكون أحدهما على قراءة يبلغان بدل من الضمير الراجع إلى الوالدين في الفعل ، ويكون { كلاهما } عطفاً على البدل ، ولا يصحّ جعل { كلاهما } تأكيداً للضمير ، لاستلزام العطف المشاركة ، ومعنى { عندك } في كنفك وكفالتك ، وتوحيد الضمير في { عندك } و { لا تقل } وما بعدهما للإشعار بأن كل فرد من الأفراد منهيّ بما فيه النهي ، ومأمور بما فيه الأمر ، ومعنى { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ } لا تقل لواحد منهما في حالتي الاجتماع والانفراد ، وليس المراد حالة الاجتماع فقط . وفي { أف } لغات ضم الهمزة مع الحركات الثلاث في الفاء ، وبالتنوين وعدمه ، وبكسر الهمز والفاء بلا تنوين ، وأفى ممالاً ، وأفه بالهاء . قال الفراء تقول العرب فلان يتأفف من ريح وجدها ، أي يقول أف أف . وقال الأصمعي الأف وسخ الأذن ، والثف وسخ الأظفار ، يقال ذلك عند استقذار الشيء ، ثم كثر حتى استعملوه في كل ما يتأذون به . وروى ثعلب عن ابن الأعرابيّ أن الأفف الضجر ، وقال القتيبي أصله أنه إذا سقط عليه تراب ونحوه نفخ فيه ليزيله ، فالصوت الحاصل عند تلك النفخة هو قول القائل أفّ ، ثم توسعوا فذكروه عند كل مكروه يصل إليهم . وقال الزجاج معناه النتن . وقال أبو عمرو بن العلاء الأف وسخ بين الأظفار ، والثف قلامتها . والحاصل أنه اسم فعل ينبىء عن التضجر والاستثقال ، أو صوت ينبىء عن ذلك ، فنهى الولد عن أن يظهر منه ما يدل على التضجر من أبويه أو الاستثقال لهما ، وبهذا النهي يفهم النهي عن سائر ما يؤذيهما بفحوى الخطاب أو بلحنه كما هو متقرر في الأصول . { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } النهر الزجر والغلظة ، يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره . قال الزجاج معناه لا تكلمهما ضجراً صائحاً في وجوههما . { وَقُل لَّهُمَا } بدل التأفيف والنهر { قَوْلاً كَرِيمًا } أي ليناً لطيفاً أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته مع التأدب والحياء والاحتشام { وَٱخْفِضْ لهما جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين الأول أن الطائر إذا أراد ضم فراخه إليه للتربية خفض لها جناحه ، فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير ، فكأنه قال للولد أكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك . والثاني أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد النزول خفض جناحه ، فصار خفض الجناح كناية عن التواضع وترك الارتفاع وفي إضافة الجناح إلى الذلّ وجهان الأوّل أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك حاتم الجود ، فالأصل فيه الجناح الذليل ، والثاني سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذلّ جناحاً ، ثم أثبت لذلك الجناح خفضاً . وقرأ الجمهور الذلّ بضم الذال من ذلّ يذل ذلاً وذلة ومذلة فهو ذليل . وقرأ سعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير بكسر الذال ، وروي ذلك عن ابن عباس وعاصم ، من قولهم دابة ذلول ، بنية الذل ، أي منقادة سهلة لا صعوبة فيها ، و { من الرحمة } فيه معنى التعليل ، أي من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم لمن كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ، ثم كأنه قال له سبحانه ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها ولكن { قُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا } والكاف في محل نصب على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي رحمة مثل تربيتهما لي ، أو مثل رحمتهما لي ، وقيل ليس المراد رحمة مثل الرحمة ، بل الكاف لاقترانهما في الوجود ، فلتقع هذه كما وقعت تلك . والتربية التنمية ، ويجوز أن يكون الكاف للتعليل ، أي لأجل تربيتهما ، لي كقوله { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } البقرة 198 . ولقد بالغ سبحانه في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ لها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ } قال من كان يريد بعمله الدنيا ، { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ } ذاك به . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله { كُلاًّ نُّمِدُّ } الآية ، قال كل يرزق الله في الدنيا البرّ والفاجر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال يرزق الله من أراد الدنيا ، ويرزق من أراد الآخرة . وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال { مَحْظُورًا } ممنوعاً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة ، فارتفع بها إلاّ وضعه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول ، ثم قرأ { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } " ، وهو من رواية زاذان عن سلمان . وثبت في الصحيحين " أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مَذْمُومًا } يقول ملوماً . وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ ووصى ربك ، مكان { وقضى } ، وقال التزقت الواو والصاد ، وأنتم تقرءونها وقضى ربك . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله . وأخرج أبو عبيد ، وابن منيع ، وابن المنذر ، وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله ، وزاد " ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد " . وأقول إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر ، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء ، كما في قوله { قُضِىَ ٱلاْمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } يوسف 41 . وقوله { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ } البقرة 200 . { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ } النساء 103 . ولكنه ها هنا بمعنى الأمر ، وهو أحد معاني القضاء ، والأمر لا يستلزم ذلك ، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه ، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده ، وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين ، ومن معاني مطلق القضاء معانٍ أخر غير هذين المعنيين ، كالقضاء بمعنى الخلق ، ومنه { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } فصلت 12 . وبمعنى الإرادة كقوله { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } آل عمران 47 . وبمعنى العهد كقوله { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِىّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى ٱلأمْرَ } القصص 44 . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } قال أمر . وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال عهد ربك . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } يقول برّاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ } لما تميط عنهما من الأذى الخلاء ، والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول . وأخرج الديلمي عن الحسين بن عليّ مرفوعاً لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } قال إذا دعواك فقل لبيكما وسعديكما . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية ، قال قولاً ليناً سهلاً . وأخرج البخاري في الأدب ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عروة في قوله { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ } قال يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحبّاه . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية ، قال اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا } ثم أنزل الله بعد هذا { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَىٰ } التوبة 113 . وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر من طرق عنه نحوه ، وقد ورد في برّ الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما ، وهي معروفة في كتب الحديث .