Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-65)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في بلية عظيمة من قومه ومحنة شديدة ، أراد أن يبين أن جميع الأنبياء كانوا كذلك ، حتى أن هذه عادة قديمة ، سنها إبليس اللعين ، وأيضاً لما ذكر أن الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ذكر ها هنا ما يحقق ذلك فقال { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } هذه القصة قد ذكرها الله سبحانه في سبعة مواضع في البقرة ، والأعراف ، والحجر ، وهذه السورة ، والكهف ، وطه ، وصۤ ، وقد تقدّم تفسيرها مبسوطاً فلنقتصر ها هنا على تفسير ما لم يتقدّم ذكره من الألفاظ ، فقوله { طِينًا } منتصب بنزع الخافض ، أي من طين ، أو على الحال . قال الزجاج المعنى لمن خلقته طيناً ، وهو منصوب على الحال . { أَرَءيْتَكَ } أي أخبرني عن هذا الذي فضلته عليّ لم فضلته ؟ وقد { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } الاعراف 12 فحذف هذا للعلم به { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } أي لأستولينّ عليهم بالإغواء والإضلال . قال الواحدي أصله من احتناك الجراد الزرع ، وهو أن تستأصله بأحناكها وتفسده ، هذا هو الأصل ، ثم سمي الاستيلاء على الشيء وأخذه كله احتناكاً وقيل معناه لأسوقنّهم حيث شئت ، وأقودنّهم حيث أردت ، من قولهم حنكت الفرس أحنكه حنكاً إذا جعلت في فيه الرسن ، والمعنى الأوّل أنسب بمعنى هذه الآية ، ومنه قول الشاعر @ أشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا وأضعفت واحتنكت أموالنا واختلفت @@ أي استأصلت أموالنا ، واللام في { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ } هي الموطئة ، وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه ، أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم ، وأنه يجري منهم في مجاري الدم ، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده وتنفق لديهم وسوسته إلاّ من عصم الله ، وهم المرادون بقوله { إِلاَّ قَلِيلاً } وفي معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } سبأ 20 . فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتماداً على الظن ، وقيل إنه استنبط ذلك من قول الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } البقرة 30 ، وقيل علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات ، أو ظنّ ذلك لأنه وسوس لآدم ، فقبل منه ذلك ولم يجد له عزماً ، كما روي عن الحسن . { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } أي أطاعك { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } أي إبليس ومن أطاعه { جَزَاء مَّوفُورًا } أي وافراً مكملاً ، يقال وفرته أفره وفراً ، ووفر المال بنفسه يفر وفوراً ، فهو وافر ، فهو مصدر ، ومنه قول زهير @ ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتّقي الشتم يشتم @@ ثم كرّر سبحانه الإمهال لإبليس اللعين فقال { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } أي استزعج واستخف من استطعت من بني آدم ، يقال أفزه واستفزه أي أزعجه واستخفه ، والمعنى أستخفهم بصوتك داعياً لهم إلى معصية الله ، وقيل هو الغناء واللهو واللعب والمزامير { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } قال الفراء وأبو عبيدة أجلب من الجلبة والصياح ، أي صح عليهم . وقال الزجاج أي أجمع عليهم كل ما تقدر من مكايدك . فالإجلاب الجمع . والباء في { بخيلك } زائدة . وقال ابن السكيت الإجلاب الإعانة ، والخيل تقع على الفرسان كقوله صلى الله عليه وسلم « يا خيل الله اركبي » ، وتقع على الأفراس ، والرجل بسكون الجيم جمع رجل كتاجر وتجر ، وصاحب وصحب . وقرأ حفص بكسر الجيم على أنه صفة . قال أبو زيد يقال رجل ورجل ، بمعنى راجل ، فالخيل والرجل كناية عن جميع مكايد الشيطان ، أو المراد كل راكب وراجل في معصية الله . { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأمْوٰلِ وَٱلأوْلَـٰدِ } أما المشاركة في الأموال ، فهي كل تصرف فيها يخالف وجه الشرع سواء كان أخذاً من غير حق ، أو وضعاً في غير حق كالغصب والسرقة والربا ، ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام وجعلها بحيرة وسائبة ، والمشاركة في الأولاد دعوى الولد بغير سبب شرعي ، وتحصيله بالزنا وتسميتهم بعبد اللات وعبد العزى ، والإساءة في تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر وأفعال السوء ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق ، ووأد البنات وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التي هم عليها ، ومن ذلك مشاركة الشيطان للمجامع إذا لم يسم ، ثم قال { وعدهُمْ } قال الفراء قل لهم لا جنة ولا نار . وقال الزجاج وعدهم بأنهم لا يبعثون { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } أي باطلاً ، وأصل الغرور تزيين الخطأ بما يوهم الصواب وقيل معناه وعدهم النصرة على من خالفهم ، وهذه الأوامر للشيطان من باب التهديد والوعيد الشديد ، وقيل هي على طريقة الاستخفاف به وبمن تبعه . { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } يعني عباده المؤمنين كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز من أن إضافة العباد إليه يراد بها المؤمنون لما في الإضافة من التشريف ، وقيل المراد جميع العباد بدليل الاستثناء بقوله في غير هذا الموضع { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } الحجر 42 والمراد بالسلطان التسلط { وَكَفَىٰ بِرَبّكَ وَكِيلاً } يتوكلون عليه ، فهو الذي يدفع عنهم كيد الشيطان ويعصمهم من إغوائه . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين ، خلق ضعيفاً وإني خلقت من نار ، والنار تحرق كل شيء { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } فصدق ظنّه عليهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } قال لأستولينّ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } قال لأحتوينّهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال لأضلنّهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد { مَّوفُورًا } قال وافراً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } قال صوته كل داع دعا إلى معصية الله { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ } قال كل راكب في معصية الله { وَرَجِلِكَ } قال كل راجل في معصية الله { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأمْوٰلِ } قال كل مال في معصية الله { وَٱلأوْلـٰدِ } قال كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام . وأخرج الفريابي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه في الآية قال كل خيل تسير في معصية الله ، وكل مال أخذ بغير حقه ، وكل ولد زنا . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال { ٱلأمَوَالِ } ما كانوا يحرّمون من أنعامهم { وَٱلأوْلـٰدِ } أولاد الزنا . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال { ٱلأمَوَالِ } البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله { وَٱلأوْلـٰدِ } سموا عبد الحارث وعبد شمس .