Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 66-70)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { رَّبُّكُمُ ٱلَّذِى يُزْجِى لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِى ٱلْبَحْرِ } الإزجاء السوق والإجراء والتسيير ، ومنه قوله سبحانه { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً } النور 43 . وقول الشاعر @ يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصور @@ وقول الآخر @ عوذا تزجي خلفها أطفالها @@ والمعنى أن الله سبحانه يسيّر الفلك في البحر بالريح ، والفلك ها هنا جمع ، وقد تقدّم ، والبحر هو الماء الكثير عذباً كان أو مالحاً ، وقد غلب هذا الاسم على المشهور { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي من رزقه الذي تفضل به على عباده ، أو من الربح بالتجارة ، و " من " زائدة أو للتبعيض ، وفي هذه الآية تذكير لهم بنعم الله سبحانه عليهم حتى لا يعبدوا غيره ولا يشركوا به أحداً ، وجملة { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } تعليل لما تقدّم أي كان بكم رحيماً فهداكم إلى مصالح دنياكم . { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ } يعني خوف الغرق { فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ } من الآلهة وذهب عن خواطركم ، ولم يوجد لإغاثتكم ما كنتم تدعون من دونه من صنم ، أو جنّ ، أو ملك ، أو بشر { إِلاَّ إِيَّاهُ } وحده فإنكم تعقدون رجاءكم برحمته وإغاثته ، والاستثناء منقطع ، ومعنى الآية أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم وسائر معبوداتهم أنها نافعة لهم في غير هذه الحالة ، فأما في هذه الحالة فإن كل واحد منهم يعلم بالفطرة علماً لا يقدر على مدافعته أن الأصنام ونحوها لا فعل لها { فَلَمَّا نَجَّـٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرّ أَعْرَضْتُمْ } عن الإخلاص لله وتوحيده ورجعتم إلى دعاء أصنامكم والاستغاثة بها { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ كَفُورًا } أي كثير الكفران لنعمة الله ، وهو تعليل لما تقدّمه ، والمعنى أنهم عند الشدائد يتمسكون برحمة الله ، وفي الرخاء يعرضون عنه . ثم أنكر سبحانه عليهم سوء معاملتهم قائلاً { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرّ } الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض ، فبين لهم أنه قادر على هلاكهم في البرّ وإن سلموا من البحر . والخسف أن تنهار الأرض بالشيء ، يقال بئر خسيف إذا انهدم أصلها ، وعين خاسف أي . غائرة حدقتها في الرأس ، وخسفت عين الماء إذا غار ماؤها ، وخسفت الشمس إذا غابت عن الأرض ، و { جانب البرّ } ناحية الأرض ، وسماه جانباً ، لأنه يصير بعد الخسف جانباً ، وأيضاً فإن البحر جانب من الأرض والبرّ جانب وقيل إنهم كانوا على ساحل البحر ، وساحله جانب البرّ فكانوا فيه آمنين من مخاوف البحر ، فحذرهم ما أمنوه من البرّ كما حذرهم ما خافوه من البحر { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } قال أبو عبيدة والقتيبي الحصب الرمي أي ريحاً شديدة حاصبة ، وهي التي ترمي بالحصى الصغار . وقال الزجاج الحاصب التراب الذي فيه حصباء ، فالحاصب ذو الحصباء كاللابن ، والتامر وقيل الحاصب حجارة من السماء تحصبهم كما فعل بقوم لوط ، ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد حاصب ، ومنه قول الفرزدق @ مستقبلين جبال الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور @@ { ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } أي حافظاً ونصيراً يمنعكم من بأس الله . { أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ } أي في البحر مرة أخرى بأن يقوي دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى ركوبه ، وجاء بفي ولم يقل إلى البحر ، للدلالة على استقرارهم فيه { فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ ٱلرّيحِ } القاصف الريح الشديدة التي تكسر بشدّة ، من قصف الشيء يقصفه أي كسره بشدّة ، والقصف الكسر ، أو هو الريح التي لها قصيف أي صوت شديد من قولهم رعد قاصف أي شديد الصوت { فَيُغْرِقَكُم } قرأ أبو جعفر ، وشيبة ، ورويس ، ومجاهد فتغرقكم بالتاء الفوقية على أن فاعله الريح . وقرأ الحسن وقتادة ، وابن وردان فيغرقكم بالتحتية والتشديد في الراء . وقرأ أبو جعفر أيضاً الرياح . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون في جميع هذه الأفعال . وقرأ الباقون بالياء التحتية في جميعها أيضاً ، والباء في { بما كفرتم } للسببية أي بسبب كفركم { ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } أي ثائراً يطالبنا بما فعلنا . قال الزجاج لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم . قال النحاس وهو من الثأر ، وكذا يقال لكل من طلب بثأر أو غيره تبيع وتابع . { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } هذا إجمال لذكر النعمة التي أنعم الله بها على بني آدم أي كرّمناهم جميعاً ، وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله . وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم ، وسائر الحيوانات تأكل بالفم ، وكذا حكاه النحاس . وقيل ميزهم بالنطق والعقل والتمييز ، وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب . وقال ابن جرير أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم ، وقيل بالكلام والخط والفهم ، ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء . وأعظم خصال التكريم العقل ، فإن به تسلطوا على سائر الحيوانات ، وميزوا بين الحسن والقبيح ، وتوسعوا في المطاعم والمشارب ، وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان ، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون ، وعلى تحصيل الأكسية التي تقيهم الحرّ والبرد ، وقيل تكريمهم هو أن جعل محمداً صلى الله عليه وسلم منهم { وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } هذا تخصيص لبعض أنواع التكريم ، حملهم سبحانه في البرّ على الدواب ، وفي البحر على السفن ، وقيل حملناهم فيهما حيث لم نخسف بهم ولم نغرقهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } أي لذيذ المطاعم والمشارب وسائر ما يستلذونه وينتفعون به { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته . وقد جعل بعض أهل العلم الكثير هنا بمعنى الجميع وهو تعسف لا حاجة إليه . وقد شغل كثير من أهل العلم بما لم تكن إليه حاجة ولا تتعلق به فائدة ، وهو مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء أو الأنبياء على الملائكة ، ومن جملة ما تمسك به مفضلو الأنبياء على الملائكة هذه الآية ، ولا دلالة لها على المطلوب لما عرفت من إجمال الكثير وعدم تبيينه ، والتعصب في هذه المسألة هو الذي حمل بعض الأشاعرة على تفسير الكثير هنا بالجميع حتى يتم له التفضيل على الملائكة ، وتمسك بعض المعتزلة بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء . ولا دلالة بها على ذلك ، فإنه لم يقم دليل على أن الملائكة من القليل الخارج عن هذا الكثير ، ولو سلمنا ذلك فليس فيما خرج عن هذا الكثير ما يفيد أنه أفضل من بني آدم ، بل غاية ما فيه أنه لم يكن الإنسان مفضلاً عليه . فيحتمل أن يكون مساوياً للإنسان ، ويحتمل أن يكون أفضل منه ، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال ، والتأكيد بقوله { تَفْضِيلاً } يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين ، فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يُزْجِى } قال يجري ، وأخرجوا عن قتادة قال يسيرها في البحر . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { حَـٰصِباً } قال مطر الحجارة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال حجارة من السماء . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس { قَاصِفًا مّنَ ٱلرّيحِ } قال التي تغرق . وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، عن عبد الله بن عمرو قال القاصف والعاصف في البحر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قَاصِفًا } قال عاصفاً ، وفي قوله { ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } قال نصيراً . وأخرج الطبراني ، والبيهقي في الشعب ، والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل يا رسول الله ولا الملائكة ؟ قال ولا الملائكة ، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر " ، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفاً قال وهو الصحيح . وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال المؤمن أكرم على الله من ملائكته . وأخرج الطبراني عن ابن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الملائكة قالت يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو ، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة ، قال لا أجعل صالح ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان " وأخرجه عبد الرزاق ، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال قالت الملائكة . وإسناد الطبراني هكذا حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي ، حدّثنا حجاج بن محمد ، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة . وأخرج نحوه البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } قال جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم . وأخرج الحاكم في التاريخ ، والديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله " الكرامة الأكل بالأصابع " .