Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-44)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتعزّز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } . وقد اختلف في الرجلين هل هما مقدّران أو محققان ؟ فقال بالأوّل بعض المفسرين . وقال بالآخر بعض آخر . واختلفوا في تعيينهما ، فقيل هما أخوان من بني إسرائيل ، وقيل هما أخوان مخزوميان من أهل مكة أحدهما مؤمن ، والآخر كافر ، وقيل هما المذكوران في سورة الصافات في قوله { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ } الصافات 51 . وانتصاب { مثلاً } و { رجلين } على أنهما مفعولا { اضرب } ، قيل والأوّل هو الثاني والثاني هو الأوّل { جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } هو الكافر ، و { مّنْ أَعْنَـٰبٍ } بيان لما في الجنتين أي من كروم متنوعة { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } الحفّ الإحاطة ، ومنه { حَافّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } الزمر 75 ويقال حف القوم بفلان يحفون حفاً أي أطافوا به ، فمعنى الآية وجعلنا النخل مطيفاً بالجنتين من جميع جوانبهما { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } أي بين الجنتين ، وهو وسطهما ، ليكون كل واحد منهما جامعاً للأقوات والفواكه . ثم أخبر سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدّي حملها وما فيها ، فقال { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } أخبر عن { كلتا } بـ { آتت } ، لأن لفظه مفرد ، فراعى جانب اللفظ . وقد ذهب البصريون إلى أن كلتا وكلا اسم مفرد غير مثنى . وقال الفراء هو مثنى . وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية . وقال سيبويه ألف كلتا للتأنيث ، والتاء بدل من لام الفعل ، وهي واو ، والأصل كلوا . وقال أبو عمرو التاء ملحقة ، وأكلهما هو ثمرهما ، وفيه دلالة على أنه قد صار صالحاً للأكل . وقرأ عبد الله بن مسعود كل الجنتين آتى أكله . { وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا } أي لم تنقص من أكلها شيئاً ، يقال ظلمه حقه ، أي نقصه ، ووصف الجنتين بهذه الصفة للإشعار بأنهما على خلاف ما يعتاد في سائر البساتين فإنها في الغالب تكثر في عام ، وتقلّ في عام { وَفَجَّرْنَا خِلَـٰلَهُمَا نَهَراً } أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهراً ليسقيهما دائماً من غير انقطاع ، وقرىء { فجرنا } بالتشديد للمبالغة ، وبالتخفيف على الأصل . { وَكَانَ لَهُ } أي لصاحب الجنتين { ثَمَرٌ } قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق { ثمر } بفح الثاء والميم . وكذلك قرؤوا في قوله { أُحِيطَ بِثَمَرِهِ } وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم فيهما . وقرأ الباقون بضمهما جميعاً في الموضعين . قال الجوهري الثمرة واحدة الثمر ، وجمع الثمر ثمار ، مثل جبل وجبال . قال الفراء وجمع الثمار ثمر ، مثل كتاب وكتب ، وجمع الثمر أثمار ، مثل عنق وأعناق ، وقيل الثمر جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك ، وقيل هو الذهب والفضة خالصة { فَقَالَ لَصَـٰحِبِهِ } أي قال صاحب الجنتين الكافر لصاحبه المؤمن { وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ } أي والكافر يحاور المؤمن ، والمعنى يراجعه الكلام ويجاوبه ، والمحاورة المراجعة ، والتحاور التجاوب { أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } النفر الرهط ، وهو ما دون العشرة ، وأراد ها هنا الأتباع والخدم والأولاد . { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } أي دخل الكافر جنة نفسه . قال المفسرون أخذ بيد أخيه المسلم ، فأدخله جنته يطوف به فيها ، ويريه عجائبها ، وإفراد الجنة هنا يحتمل أن وجهه كونه لم يدخل أخاه إلا واحدة منهما ، أو لكونهما لما اتصلا كانا كواحدة ، أو لأنه أدخله في واحدة ، ثم واحدة أو لعدم تعلق الغرض بذكرهما . وما أبعد ما قاله صاحب الكشاف أنه وحد الجنة للدلالة على أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون ، وجملة { وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ } في محل نصب على الحال أي وذلك الكافر ظالم لنفسه بكفره وعجبه { قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } أي قال الكافر لفرط غفلته وطول أمله ما أظن أن تفنى هذه الجنة التي تشاهدها . { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } أنكر البعث بعد إنكاره لفناء جنته . قال الزجاج أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا وقيام الساعة { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى لأجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً } اللام هي الموطئة للقسم ، والمعنى أنه إن يردّ إلى ربه فرضاً وتقديراً كما زعم صاحبه ، واللام في { لأجِدَنَّ } جواب القسم ، والشرط أي لأجدنّ يومئذٍ خيراً من هذه الجنة . في مصاحف مكة والمدينة والشام خيراً منهما وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة { خيراً منها } على الإفراد ، و { مُنْقَلَباً } منتصب على التمييز أي مرجعاً وعاقبة ، قال هذا قياساً للغائب على الحاضر ، وأنه لما كان غنياً في الدنيا ، سيكون غنياً في الأخرى ، اغتراراً منه بما صار فيه من الغنى الذي هو استدراج له من الله . { قَالَ لَهُ صَـٰحِبُهُ } أي قال للكافر صاحبه المؤمن حال محاورته له منكراً عليه ما قاله { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } بقولك { مَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } وقال خلقك من تراب أي جعل أصل خلقك من تراب حيث خلق أباك آدم منه ، وهو أصلك ، وأصل البشر فلكل فرد حظ من ذلك ، وقيل يحتمل أنه كان كافراً بالله فأنكر عليه ما هو عليه من الكفر ، ولم يقصد أن الكفر حدث له بسبب هذه المقالة { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } وهي المادّة القريبة { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } أي صيرك إنساناً ذكراً ، وعدّل أعضاءك وكملك ، وفي هذا تلويخ بالدليل على البعث ، وأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة ، وانتصاب { رجلاً } على الحال أو التمييز . { لَكنا هُوَ ٱللَّهُ رَبّى } كذا قرأ الجمهور بإثبات الألف بعد لكنّ المشددة . وأصله لكن أنا ، حذفت الهمزة وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها فصار لكننا ، ثم استثقلوا اجتماع النونين فسكنت الأولى وأدغمت الثانية ، وضمير هو للشأن ، والجملة بعده خبره والمجموع خبر أنا ، والراجع ياء الضمير ، وتقدير الكلام لكن أنا الشأن الله ربي . قال أهل العربية إثبات ألف أنا في الوصل ضعيف . قال النحاس مذهب الكسائي والفراء والمازني أن الأصل لكن أنا ، وذكر نحو ما قدّمنا . وروي عن الكسائي أن الأصل لكن الله هو ربي أنا . قال الزجاج إثبات الألف في لكنا في الإدراج جيد لأنها قد حذفت الألف من أنا ، فجاءوا بها عوضاً ، قال وفي قراءة أبيّ لٰكن أنا هو الله ربي وقرأ ابن عامر والمثنى عن نافع ، وورش عن يعقوب { لٰكنا } في حال الوصل والوقف معاً بإثبات الألف ، ومثله قول الشاعر @ أنا سيف العشيرة فاعرفوني فإني قد تذربت السناما @@ ومنه قول الأعشى @ فكيف أنا وألحان القوافي وبعد الشيب كفى ذاك عارا @@ ولا خلاف في إثباتها في الوقف ، وقرأ أبو عبد الرحمٰن السلمي وأبو العالية ، وروي عن الكسائي لٰكن هو الله ربي ثم نفى عن نفسه الشرك بالله ، فقال { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا } وفيه إشارة إلى أن أخاه كان مشركاً ، ثم أقبل عليه يلومه فقال { وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء ٱللَّهُ } لولا للتحضيض ، أي هلاّ قلت عندما دخلتها هذا القول . قال الفراء والزجاج " ما " في موضع رفع على معنى الأمر ما شاء الله ، أي هلاّ قلت حين دخلتها الأمر بمشيئة الله ، وما شاء الله كان ، ويجوز أن تكون " ما " مبتدأ والخبر مقدّر ، أي ما شاء الله كائن ، ويجوز أن تكون " ما " شرطية والجواب محذوف ، أي أيّ شيء شاء الله كان { لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } أي هلا قلت ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله ، تحضيضاً له على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله ، إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها ، وعلى الاعتراف بالعجز ، وأن ما تيسر له من عمارتها إنما هو بمعونة الله لا بقوّته وقدرته . قال الزجاج لا يقوى أحد على ما في يده من ملك ونعمة إلا بالله ، ولا يكون إلا ما شاء الله . ثم لما علمه الإيمان وتفويض الأمور إلى الله سبحانه أجابه على افتخاره بالمال والنفر فقال { إن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا } المفعول الأوّل ياء الضمير ، و " أنا " ضمير فصل ، و { أقلّ } المفعول الثاني للرؤية إن كانت علمية ، وإن جعلت بصرية كان انتصاب أقلّ على الحال ، ويجوز أن يكون { أنا } تأكيد لياء الضمير ، وانتصاب { مالاً } و { ولداً } على التمييز . { فعسَىٰ رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ } هذا جواب الشرط ، أي إن ترني أفقر منك ، فأنا أرجو أن يرزقني الله سبحانه جنة خيراً من جنتك في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا } أي ويرسل على جنتك حسباناً ، والحسبان مصدر ، بمعنى الحساب كالغفران ، أي مقداراً قدّره الله عليها ، ووقع في حسابه سبحانه ، وهو الحكم بتخريبها . قال الزجاج الحسبان من الحساب أي يرسل عليها عذاب الحساب ، وهو حساب ما كسبت يداك . وقال الأخفش حسباناً أي مرامي { مّنَ ٱلسَّمَاء } واحدها حسبانه ، وكذا قال أبو عبيدة والقتيبي . وقال ابن الأعرابي الحسبانة السحابة ، والحسبانة الوسادة ، والحسبانة الصاعقة ، وقال النضر بن شميل الحسبان سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في قوس ، ثم يرمي بعشرين منها دفعة ، والمعنى يرسل عليها مرامي من عذابه إما برد ، وإما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب . ومنه قول أبي زياد الكلابي @ أصاب الأرض حسبان @@ أي جراد { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } أي فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسباناً صعيداً ، أي أرضاً لا نبات بها وقد تقدّم تحقيقه { زلقاً } أي تزلّ فيها الأقدام لملاستها ، يقال مكان زلق بالتحريك أي دحض ، وهو في الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقاً وأزلقها غيره ، والمزلقة الموضع الذي لا يثبت عليه قدم ، وكذا الزلاقة ، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة ، أو أريد به المفعول ، وجملة { أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا } معطوفة على الجملة التي قبلها ، والغور الغائر . وصف الماء بالمصدر مبالغة ، والمعنى أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له ، وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائماً ، ويجيء الغور بمعنى الغروب ، ومنه قول أبي ذوئيب @ هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها @@ { فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } أي لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلاً عن وجوده وردّه ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل ، وقيل المعنى فلن تستطيع طلب غيره عوضاً عنه . ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } قد قدّمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره ، وأصل الإحاطة من إحاطة العدوّ بالشخص كما تقدّم في قوله { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } يوسف 66 ، وهي عبارة عن إهلاكه وإفنائه ، وهو معطوف على مقدّر كأنه قيل فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره { فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ } أي يضرب إحدى يديه على الأخرى وهو كناية عن الندم ، كأنه قيل فأصبح يندم { عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } أي في عمارتها وإصلاحها من الأموال ، وقيل المعنى يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق ، لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم في يده مال ، وهو بعيد جداً ، وجملة { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } في محل نصب على الحال ، أي والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمهم التي تعمد بها الكروم أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض ، مأخوذ من خوت النجوم تخوى إذا سقطت ولم تمطر في نوئها ، ومنه قوله تعالى { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة بِمَا ظَلَمُواْ } النمل 52 قيل وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل ، وأيضاً إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي ، وجملة { وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا } معطوفة على { يقلب كفيه } ، أو حال من ضميره ، أي وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك ، أو كان هذا القول منه على حقيقته ، لا لما فاته من الغرض الدنيوي ، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه . { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } { فئة } اسم كان و { له } خبرها ، و { ينصرونه } صفةً لفئة ، أي فئة ناصرة ، ويجوز أن تكون { ينصرونه } الخبر ، ورجح الأوّل سيبويه ، ورجح الثاني المبرّد ، واحتج بقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الإخلاص 4 والمعنى أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجىء إليها وينتصر بها ، ولا نفعه النفر الذين افتخر بهم فيما سبق { وَمَا كَانَ } في نفسه { مُنْتَصِراً } أي ممتنعاً بقوته عن إهلاك الله لجنته ، وانتقامه منه . { هُنَالِكَ ٱلْوَلَـٰيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقّ } قرأ أبو عمرو والكسائي " الحق " بالرفع نعتاً للولاية ، وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وعاصم وحمزة { الحق } بالجرّ نعته لله سبحانه . قال الزجاج ويجوز النصب على المصدر والتوكيد كما تقول هذا لك حقاً . وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي " الولاية " بكسر الواو ، وقرأ الباقون بفتحها ، وهما لغتان بمعنى ، والمعنى هنالك ، أي في ذلك المقام ، النصرة لله وحده لا يقدر عليها غيره ، وقيل هو على التقديم والتأخير ، أي الولاية لله الحق هنالك { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي هو سبحانه خير ثواباً لأوليائه في الدنيا والآخرة { وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي عاقبة ، قرأ الأعمش وعاصم وحمزة { عقباً } بسكون القاف ، وقرأ الباقون بضمها ، وهما بمعنى واحد ، أي هو خير عاقبة لمن رجاه وآمن به ، يقال هذا عاقبة أمر فلان ، وعقباه أي أخراه . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله { جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } قال الجنة هي البستان ، فكان له بستان واحد وجدار واحد ، وكان بينهما نهر ، فلذلك كانا جنتين ، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها . وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيـى بن أبي عمرو الشيباني قال نهر أبي قرطس نهر الجنتين . قال ابن أبي حاتم وهو نهر مشهور بالرملة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا } قال لم تنقص ، كل شجر الجنة أطعم . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } يقول مال . وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة ، قال قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم ، وقال هي أنواع المال . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } قال ذهب وفضة . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ } يقول كفور لنعمة ربه . وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب " الله الله ربي لا أشرك به شيئاً " وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيـى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال « طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال ما شاء الله ، فإذا حاجته بين يديه ، فقال يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن ، فأوحى الله إليه يا موسى ، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج » . وأخرج أبو يعلى ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته ، وقرأ { وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } " ، وفي إسناده عيسى بن عون ، عن عبد الملك بن زرارة ، عن أنس . قال أبو الفتح الأزدي عيسى بن عون ، عن عبد الملك بن زرارة ، عن أنس لا يصح حديثه . وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن أنس نحوه موقوفاً . وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً . وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت نعم ، قال أن تقول لا قوّة إلا بالله " وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله " ، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } قال مثل الجرز . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { حُسْبَانًا مِّنَ ٱلسَّمَاء } قال عذاباً { فتصبح صعيداً زلقاً } أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء { أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا } أي ذاهباً قد غار في الأرض { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ } قال يصفق { عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } متلهفاً على ما فاته .