Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-16)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَمْ حَسِبْتَ } " أم " هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة عند الجمهور ، وببل وحدها عند بعضهم والتقدير بل أحسبت ، أو بل حسبت ، ومعناها الانتقال من حديث إلى حديث آخر ، لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل . والمعنى أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان ، قال سبحانه بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجباً من آياتنا فقط ؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب ، فإن من كان قادراً على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء ، ثم جعل ما عليها صعيداً جرزاً كأن لم تغن بالأمس ، لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة ، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة ، فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك . و { عَجَبًا } منتصبة على أنه خبر كان أي ذات عجب ، أو موصوفة بالعجب مبالغة ، و { من آياتنا } في محل نصب على الحال ، و { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ } ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر ، وهو أذكر ، أي صاروا إليه وجعلوه مأواهم ، والفتية هم أصحاب الكهف ، والكهف هو الغار الواسع في الجبل ، فإن كان صغيراً سمي غاراً ، والرقيم قال كعب والسدّي إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف . وقال سعيد بن جبير ومجاهد إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف . قال الفراء ويروى أنه إنما سمي رقيماً لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه . والرقم الكتابة . وروي مثل ذلك عن ابن عباس . ومنه قول العجاج في أرجوزة له @ ومستقرى المصحف الرقيم @@ وقيل إن الرقيم اسم كلبهم ، وقيل هو اسم الوادي الذي كانوا فيه ، وقيل اسم الجبل الذي فيه الغار . قال الزجاج أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله ، لأن خلق السمٰوات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف { فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي من عندك ، و " من " ابتدائية متعلقة بـ { آياتنا } ، أو لمحذوف وقع حالاً ، والتنوين في { رحمة } إما للتعظيم أو للتنويع ، وتقديم { من لدنك } للاختصاص أي رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك ، وهي المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء ، والرزق في الدنيا { وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } أي أصلح لنا ، من قولك هيأت الأمر فتهيأ ، والمراد بأمرهم الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار ، والرشد نقيض الضلال ، و " من " للابتداء . ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك رأيت منك رشداً . وتقدم المجرورين للاهتمام بهما . { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ } قال المفسرون أنمناهم . والمعنى سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات ، والمفعول محذوف أي ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيهاً للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها ، و { فِى ٱلْكَهْفِ } ظرف لضربنا ، وانتصاب { سِنِينَ } على الظرفية ، و { عَدَدًا } صفة لسنين ، أي ذوات عدد على أنه مصدر ، أو بمعنى معدودة على أنه لمعنى المفعول ، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة . قال الزجاج إن الشيء إذا قلّ فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد ، وإن كثر احتاج إلى أن يعدّ . وقيل يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } الحج 47 . { ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ } أي أيقظناهم من تلك النومة { لنعلم } أي ليظهر معلومنا ، وقرىء بالتحتية مبنياً للفاعل على طريقة الالتفات ، و { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } مبتدأ معلق عنه العلم لما في أيّ من الاستفهام ، وخبره { أَحْصَىٰ } وهو فعل ماض ، قيل والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو الاختبار مجازاً فيكون المعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم ، والأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده ، والمراد بالحزبين الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين في مدة لبثهم . ومعنى أحصى أضبط . وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف ، فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك ، ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه ، و " ما " في { لِمَا لَبِثُواْ } مصدرية ، أي أحصى للبثهم ، وقيل اللام زائدة ، و " ما " بمعنى الذي ، و { أَمَدًا } تمييز ، والأمد الغاية ، وقيل إن { أحصى } أفعل تفضيل . وردّ بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب ، وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم أفلس من ابن المذلق ، وأعدى من الجرب . وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عند سيبويه وابن عصفور ، وقيل إنهم الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا ، وقيل إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب . وقال الفراء إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقّ } هذا شروع في تفصيل ما أجمل في قوله { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ } أي نحن نخبرك بخبرهم بالحق ، أي قصصناه بالحق ، أو متلبساً بالحق { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } أي أحداث شبان ، و { آمنوا بربهم } صفة لـ { فتية } . والجملة مستأنفة بتقدير سؤال . والفتية جمع قلة ، و { زِدْنَاهُمْ هُدًى } بالتثبيت والتوفيق ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب . { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان ، وفراق الخلان والأخدان { إِذْ قَامُواْ } الظرف منصوب بربطنا . واختلف أهل التفسير في هذا القيام على أقوال فقيل إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد ، فقال رجل منهم هو أكبر القوم إني لأجد في نفسي شيئاً ، إن ربي ربّ السمٰوات والأرض ، فقالوا ونحن أيضاً كذلك نجد في أنفسنا ، فقاموا جميعاً { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } قاله مجاهد . وقال أكثر المفسرين إنه كان لهم ملك جبار يقال له دقيانوس ، وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت ، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } وقال عطاء ومقاتل إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم { لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } أي لن نعبد معبوداً آخر غير الله لا اشتراكاً ولا استقلالاً { لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } أي قولاً ذا شطط ، أو قولاً هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر ، واللام هي الموطئة للقسم ، والشطط الغلو ومجاوزة الحد . قال أعشى بن قيس @ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل @@ { هَـؤُلاء قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } هٰؤلاء مبتدأ ، وخبره { اتخذوا } ، و { قومنا } عطف بيان ، وفي هذا الإخبار معنى للإنكار ، وفي الإشارة إليهم تحقير لهم { لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ } أي هلا يأتون بحجة ظاهرة تصلح للتمسك بها { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } فزعم أن له شريكاً في العبادة أي لا أحد أظلم منه . { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } أي فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانباً ، أي عن العابدين للأصنام ، وقوله { وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ } معطوف على الضمير المنصوب ، و " ما " موصولة أو مصدرية أي وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبودهم أو الذي يعبدونه ، وقوله { إِلاَّ ٱللَّهُ } استثناء منقطع على تقدير أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام ، أو متصل على تقدير أنهم شركوها في العبادة مع الله سبحانه وقيل هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فتكون ما على هذا نافية { فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ } أي صيروا إليه واجعلوه مأواكم . قال الفراء هو جواب إذ ، ومعناه اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم ، وقيل هو دليل على جوابه ، أي إذ اعتزلتموهم اعتزالاً اعتقادياً ، فاعتزلوهم اعتزالاً جسمانياً ، وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ } أي يبسط ويوسع { وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا } أي يسهل وييسر لكم من أمركم الذي أنتم بصدده { مّرْفَقًا } المرفق بفتح الميم وكسرها لغتان قرىء بهما ، مأخوذ من الارتفاق وهو الانتفاع ، وقيل فتح الميم أقيس ، وكسرها أكثر . قال الفراء وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان ، وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان ، وكأن الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر ، والمرفق من الإنسان . وقال الكسائي الكسر في مرفق اليد ، وقيل المرفق بالكسر ما ارتفقت به ، والمرفق بالفتح الأمر الرافق ، والمراد هنا ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله ، والتقديم في الموضعين يفيد الاختصاص . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الرقيم الكتاب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال الرقيم وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة . والراويان عن ابن عباس ضعيفان . وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال هو الجبل الذي فيه الكهف . وأخرج ابن المنذر عنه ، قال والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال وسألت كعباً فقال اسم القرية التي خرجوا منها . وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال الرقيم الكلب . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كَانُواْ مِنْ ءايَـٰتِنَا عَجَبًا } يقول الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ } يقول أرقدناهم { ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } من قوم الفتية ، أهل الهدى ، وأهل الضلالة { أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ } ، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة . وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى } قال إخلاصاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } قال بالإيمان وفي قوله { لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } قال كذباً . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال جوراً . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ } قال كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى ، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هي في مصحف ابن مسعود ، وما يعبدون من دون الله ، فهذا تفسيرها .