Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 17-20)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت } شرع سبحانه في بيان حالهم ، بعد ما أووا إلى الكهف . { تَّزَاوَرُ } قرأ أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل ، وقرأ ابن عامر تزور قال الأخفش لا يوضع الازورار في هذا المعنى ، إنما يقال هو مزورّ عني ، أي منقبض . وقرأ الباقون بتشديد الزاي وإدغام تاء التفاعل فيه بعد تسكينها ، وتزاور مأخوذ من الزور بفتح الواو ، وهو الميل ، ومنه زاره إذا مال إليه ، والزور الميل ، فمعنى الآية أن الشمس إذا طلعت تميل وتتنحى { عَن كَهْفِهِمْ } قال الراجز الكلبي @ جاب المندّا عن هوانا أزور @@ أي مائل { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } أي ناحية اليمين ، وهي الجهة المسماة باليمين ، وانتصاب { ذات } على الظرف ، { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ } القرض القطع . قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيدة تعدل عنهم وتتركهم ، قرضت المكان عدلت عنه ، تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا ؟ فيقول إنما قرضته إذا مرّ به وتجاوز عنه ، والمعنى أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين ، أي يمين الكهف ، وإذا غربت تمرّ { ذَاتَ ٱلشّمَالِ } أي شمال الكهف لا تصيبه . بل تعدل عن سمته إلى الجهتين ، والفجوة المكان المتسع ، وجملة { وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ } في محل نصب على الحال ، وللمفسرين في تفسير هذه الجملة قولان الأوّل أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحاً واسعاً في ظلّ جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها ، لأن الله سبحانه حجبها عنهم . والثاني أن باب ذلك الكهف كان مفتوحاً إلى جانب الشمال ، فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف ، وإذا غربت كانت عن يساره ، ويؤيد القول الأوّل قوله { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية ، ويؤيده أيضاً إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا ، ومما يدلّ على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر @ ألبست قومك مخزاة ومنقصة حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار @@ ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } أي إلى الحق { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } الذي ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا } أي ناصراً يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه . ثم حكى سبحانه طرفاً آخر من غرائب أحوالهم فقال { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا } جمع يقظ بكسر القاف وفتحها { وَهُمْ رُقُودٌ } أي نيام ، وهو جمع راقد كقعود في قاعد . قيل وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام . وقال الزجاج لكثرة تقلبهم { وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشّمَالِ } أي نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم { وَكَلْبُهُمْ بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } حكاية حال ماضية ، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضيّ كما تقرر في علم النحو . قال أكثر المفسرين هربوا من ملكهم ليلاً ، فمرّوا براع معه كلب فتبعهم . والوصيد ، قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء الباب ، وكذا قال المفسرون ، وقيل العتبة ، وردّ بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب ، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا } قال الزجاج فراراً منصوب على المصدرية بمعنى التولية ، والفرار الهرب { وَلَمُلِئْتَ } قرىء بتشديد اللام وتخفيفها { مِنْهُمْ رُعْبًا } قرىء بسكون العين وضمها أي خوفاً يملأ الصدر ، وانتصاب { رعباً } على التمييز ، أو على أنه مفعول ثانٍ ، وسبب الرّعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها ، وقيل طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم ، ويدفعه قوله تعالى { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئاً ، ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدّة . { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ } الإشارة إلى المذكور قبله أي وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات بعثناهم من نومهم ، وفيه تذكير لقدرته على الإماتة والبعث جميعاً ، ثم ذكر الأمر الذي لأجله بعثهم فقال ليتساءلوا بينهم أي ليقع التساؤل بينهم والاختلاف والتنازع في مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة ، والاقتصار على علة التساؤل لا ينفي غيرها ، وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار ، وجملة { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ } مبينة لما قبلها من التساؤل أي كم مدّة لبثكم في النوم ؟ قالوا ذلك لأنهم رأوا في أنفسهم غير ما يعهدونه في العادة { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } أي قال بعضهم جواباً عن سؤال من سأل منهم ، قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة ، وبعثهم الله سبحانه آخر النهار ، فلذلك قالوا يوماً ، فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم ، وكان قد بقيت بقية من النهار ، وقد مرّ مثل هذا الجواب في قصة عزير في البقرة . { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } أي قال البعض الآخر هذا القول ، إما على طريق الاستدلال ، أو كان ذلك إلهاماً لهم من الله سبحانه ، أي أنكم لا تعلمون مدّة لبثكم ، وإنما يعلمها الله سبحانه { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } أعرضوا عن التحاور في مدّة اللبث ، وأخذوا في شيء آخر ، كأنه قال القائل منهم اتركوا ما أنتم فيه من المحاورة ، وخذوا في شيء آخر مما يهمكم ، والفاء للسببية ، والورق الفضة مضروبة أو غير مضروبة . وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بكسر الراء ، وقرأ أبو عمرو وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم بسكونها ، وقرىء بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف . وقرأ ابن محيصن بكسر الواو وسكون الراء . وفي حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافي التوكل على الله ، والمدينة دقسوس ، وهي مدينتهم التي كانوا فيها ، ويقال لها اليوم طرسوس ، كذا قال الواحدي { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا } أي ينظر أيّ أهلها أطيب طعاماً ، وأحلّ مكسباً ، أو أرخص سعراً ، وقيل يجوز أن يعود الضمير إلى الأطعمة المدلول عليها في المقام كما يقال زيد طبت أبا ، على أن الأب هو زيد ، وفيه بعد . واستدل بالآية على حلّ ذبائح أهل الكتاب لأن عامة أهل المدينة كانوا كفاراً ، وفيهم قوم يخفون إيمانهم ، ووجه الاستدلال أن الطعام يتناول اللحم كما يتناول غيره مما يطلق عليه اسم الطعام { وَلْيَتَلَطَّفْ } أي يدقق النظر حتى لا يعرف أو لا يغبن ، والأوّل أولى ، ويؤيده { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } أي لا يفعلنّ ما يؤدي إلى الشعور ويتسبب له ، فهذا النهي يتضمن التأكيد للأمر بالتلطف . ثم علل ما سبق من الأمر والنهي فقال { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } أي يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم ، يعني أهل المدينة { يَرْجُمُوكُمْ } يقتلوكم بالرجم ، وهذه القتلة هي أخبث قتلة . وكان ذلك عادة لهم ، ولهذا خصه من بين أنواع ما يقع به القتل { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ } أي يردّوكم إلى ملتهم التي كنتم عليها قبل أن يهديكم الله ، أو المراد بالعود هنا الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم ، وإيثار كلمة " في " على كلمة " إلى " للدلالة على الاستقرار { وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا } في إذاً معنى الشرط . كأنه قال إن رجعتم إلى دينهم فلن تفلحوا إذاً أبداً ، لا في الدنيا ولا في الآخرة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { تَّزَاوَرُ } قال تميل ، وفي قوله { تَّقْرِضُهُمْ } قال تذرهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { تَّقْرِضُهُمْ } قال تتركهم ، { وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ } قال المكان الداخل . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ، قال الفجوة الخلوة من الأرض ، ويعني بالخلوة الناحية من الأرض . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَنُقَلّبُهُمْ } الآية قال ستة أشهر على ذي الجنب اليمين ، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال كي لا تأكل الأرض لحومهم . وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم قطمورا . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال اسمه قطمير . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله { بِٱلوَصِيدِ } قال بالفناء . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه قال بالباب . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { أَزْكَىٰ طَعَامًا } قال أحلّ ذبيحة ، وكانوا يذبحون للطواغيت . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { أَزْكَىٰ طَعَامًا } يعني أطهر ، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت .