Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-15)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يا يَحْيَىٰ } ها هنا حذف ، وتقديره وقال الله للمولود يا يحيـى ، أو فولد له مولود فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه ، فقلنا له يا يحيـى . وقال الزجاج المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيـى . والمراد بالكتاب التوراة لأنه المعهود حينئذٍ ، ويحتمل أن يكون كتاباً مختصاً به وإن كنا لا نعرفه الآن ، والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى ، وهو القيام بما فيه كما ينبغي ، وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به ، والإحجام عن المنهيّ عنه ، ثم أكده بقوله { بقُوَّةَ } أي بجدّ وعزيمة واجتهاد { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } المراد بالحكم الحكمة ، وهي الفهم للكتاب الذي أمر بأخذه وفهم الأحكام الدينية . وقيل هي العلم وحفظه والعمل به وقيل النبوّة وقيل العقل ، ولا مانع من أن يكون الحكم صالحاً لحمله على جميع ما ذكر . قيل كان يحيـى عند هذا الخطاب له ابن سنتين ، وقيل ابن ثلاث . { وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا } معطوف على الحكم . قال جمهور المفسرين الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة ، وأصله توقان النفس ، مأخوذ من حنين الناقة على ولدها . قال أبو عبيدة تقول حنانك يا ربّ ، وحنانيك يا ربّ ، بمعنى واحد ، يريد رحمتك ، قال طرفة @ أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض @@ وقال امرؤ القيس @ ويمنحها بنو سلخ بن بكر معيزهم حنانك ذا الحنان @@ قال ابن الأعرابي الحنان مشدّداً من صفات الله عزّ وجلّ ، والحنان مخففاً العطف والرحمة . والحنان الرزق والبركة . قال ابن عطية والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله ، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً ، يعني بلالاً ، لما مرَّ به وهو يعذب . وقيل إن القائل لذلك هو ورقة بن نوفل . قال الأزهري معنى ذلك لأترحمنّ عليه ، ولأتعطفنّ عليه لأنه من أهل الجنة ، ومثله قول الحطيئة @ تحنن عليّ هداك المليك فإن لكل مقام مقالا @@ ومعنى { مّن لَّدُنَّـا } من جنابنا . قيل ويجوز أن يكون المعنى أعطيناه رحمة من لدنا كائنة في قلبه يتحنن بها على الناس ، ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر { وَزَكَوٰةً } معطوف على ما قبله ، والزكاة التطهير والبركة والتنمية والبرّ ، أي جعلناه مباركاً للناس يهديهم إلى الخير وقيل زكيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود وقيل صدقة تصدقنا به على أبويه قاله ابن قتيبة { وَكَانَ تَقِيّا } أي متجنباً لمعاصي الله مطيعاً له . وقد روي أنه لم يعمل معصية قط . { وَبَرّا بِوٰلِدَيْهِ } معطوف على { تقياً } ، البرّ هنا بمعنى البارّ ، فعل بمعنى فاعل ، والمعنى لطيفاً بهما محسناً إليهما { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } أي لم يكن متكبراً ولا عاصياً لوالديه أو لربه ، وهذا وصف له عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْهِ } قال ابن جرير وغيره معناه أمان عليه من الله . قال ابن عطية والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة ، فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه ، وهو أقلّ درجاته ، وإنما الشرف في أن يسلم الله عليه ، ومعنى { يَوْمَ وُلِدَ } أنه أمن من الشيطان وغيره في ذلك اليوم ، أو أن الله حياه في ذلك اليوم ، وهكذا معنى { يَوْمَ يَمُوتُ } وهكذا معنى { يَوْمَ يُبعثُ حَياً } قيل أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن يوم ولد لأنه خرج مما كان فيه ، ويوم يموت لأنه يرى قوماً لم يكن قد عرفهم وأحكاماً ليس له بها عهد ، ويوم يبعث لأنه يرى هول يوم القيامة . فخصّ الله سبحانه يحيـى بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة . وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَـٰبَ بِقُوَّةٍ } قال بجدّ { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } قال الفهم . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال يقول اعمل بما فيه من فرائض . وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار قال اللب . وأخرج أبو نعيم والديلمي وابن مردويه عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } قال " أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين " وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن أبي حاتم عن قتادة بدله وهو ابن ثلاث سنين . وأخرج الحاكم في تاريخه من طريق نهشل بن سعد عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الغلمان ليحيـى بن زكريا اذهب بنا نلعب ، فقال يحيـى ما للعب خلقنا ، اذهبوا نصلي فهو قول الله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } " وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ القرآن قبل أن يحتلم ، فهو ممن أوتي الحكم صبياً " وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفاً . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { وَحَنَانًا } قال لا أدري ما هو إلا أني أظنه يعطف الله على عبده بالرحمة ، وقد فسرها جماعة من السلف بالرحمة . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَزَكَوٰةً } قال بركة ، وفي قوله { وَكَانَ تَقِيّا } قال طهر فلم يعمل بذنب .