Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-11)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { كهيعص } قرأ أبو جعفر هذه الحروف مقطعة ، ووصلها الباقون ، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الياء ، وعكس ذلك ابن عامر وحمزة ، وأمالهما جميعاً الكسائي وأبو بكر وخلف ، وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة وفتحهما الباقون . وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف ، وحكي عن غيره أنه كان يضم " ها " . وقال أبو حاتم لا يجوز ضمّ الكاف ولا الهاء ولا الياء . قال النحاس قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا ، والإمالة جائزة في " ها " وفي " يا " وقد اعترض على قراءة الحسن جماعة . وقيل في تأويلها أنه كان يشمّ الرفع فقط . وأظهر الدال من هجاء " صاد " نافع وأبو جعفر وابن كثير وعاصم ويعقوب ، وهو اختيار أبي عبيد وأدغمها الباقون . وقد قيل في توجيه هذه القراءات أن التفخيم هو الأصل ، والإمالة فرع عنه ، فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل ، ومن أمالهما فقد عمل بالفرع ، ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين ، وقد تقدم الكلام في هذه الحروف الواقعة في فواتح السورة مستوفى في أوائل سورة البقرة . ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسماً للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها ، قاله الفراء . واعترضه الزجاج فقال هذا محال لأن { كۤهيعۤصۤ } ليس هو مما أنبأنا الله عزّ وجلّ به عن زكريا ، وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه وعما بشر به ، وليس { كۤهيعۤصۤ } من قصته ، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف ، وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد ، فقوله { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ } خبر لمبتدأ محذوف أي هذا ذكر رحمة ربك وقيل هو مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليك ذكر رحمة ربك . قال الزجاج { ذكر } مرتفع بالمضمر ، والمعنى هذا الذي نتلوه عليك ذكر رحمة ربك { عَبْدِهِ زكريا } يعني إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد ، وانتصاب { عبده } على أنه مفعول للرحمة ، قاله الأخفش . وقيل للذكر . ومعنى ذكر الرحمة بلوغها وإصابتها ، كما يقال ذكرني معروف فلان أي بلغني . وقرأ يحيـى بن يعمر " ذكر " بالنصب ، وقرأ أبو العالية " عبده " بالرفع على أن المصدر مضاف إلى المفعول ، وفاعل الذكر هو عبده ، وزكريا على القراءتين عطف بيان له أو بدل منه ، وقرأ الكلبي " ذكر " على صيغة الفعل الماضي مشدّداً ومخففاً على أن الفاعل عبده ، وقرأ ابن معمر على الأمر ، وتكون الرحمة على هذا عبارة عن زكريا ، لأن كل نبيّ رحمة لأمته . { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً } العامل في الظرف رحمة . وقيل ذكر . وقيل هو بدل اشتمال من زكريا . واختلف في وجه كون ندائه هذا خفياً فقيل لأنه أبعد عن الرياء ، وقيل أخفاه ، لئلا يلام على طلبه للولد في غير وقته ، ولكونه من أمور الدنيا . وقيل أخفاه مخافة من قومه . وقيل كان ذلك منه لكونه قد صار ضعيفاً هرماً لا يقدر على الجهر . { قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّي } هذه الجملة مفسرة لقوله { نادى ربه } يقال وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن ، وقرىء بالحركات الثلاث . أراد أن عظامه فترت وضعفت قوّته ، وذكر العظم ، لأنه عمود البدن ، وبه قوامه ، وهو أصل بنائه ، فإذا وهن تداعى وتساقطت قوّته ، ولأن أشدّ ما في الإنسان صلبه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ، ووحد العظم قصداً إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } قرأ أبو عمرو بإدغام السين في الشين ، والباقون بعدمه ، والاشتعال في الأصل انتشار شعاع النار ، فشبه به انتشار بياض شعر الرأس في سواده بجامع البياض والإنارة ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية ، بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه ، وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها . قال الزجاج يقال للشيب إذا كثر جدّاً قد اشتعل رأس فلان ، وأنشد للبيد @ فإن ترى رأسي أمسى واضحا سلط الشيب عليه فاشتعل @@ وانتصاب { شيباً } على التمييز ، قاله الزجاج . وقال الأخفش انتصابه على المصدر ، لأن معنى اشتعل شاب . قال النحاس قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل ، والمصدرية أظهر فيما كان كذلك ، وكان الأصل اشتعل شيب رأسي ، فأسند الاشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً } أي لم أكن بدعائي إياك خائباً في وقت من الأوقات ، بل كلما دعوتك استجبت لي . قال العلماء يستحب للمرء أن يجمع في دعائه بين الخضوع ، وذكر نعم الله عليه كما فعل زكريا ها هنا ، فإن في قوله { وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه ، وبلوغ مآربه ، وفي قوله { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً } ذكر ما عوّده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته ، يقال شقي بكذا ، أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه . { وَإِنّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِىَ مِن وَرَائِى } قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسين وأبوه علي ويحيـى بن يعمر " خفت " بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وفاعله { ٱلْمَوَالِيَ } أي قلوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدي ، أو انقطعوا بالموت ، مأخوذاً من خفت القوم إذا ارتحلوا ، وهذه قراءة شاذة بعيدة عن الصواب . وقرأ الباقون { خفت } بكسر الخاء وسكون الفاء على أن فاعله ضمير يعود إلى زكرياء ، ومفعوله الموالي ، ومن ورائي متعلق بمحذوف لا بخفت ، وتقديره خفت فعل الموالي من بعدي . قرأ الجمهور { ورائي } بالهمز والمدّ وسكون الياء ، وقرأ ابن كثير بالهمز والمدّ وفتح الياء . وروي عنه أنه قرأ بالقصر مفتوح الياء ، مثل عصاي . والموالي هنا هم الأقارب الذين يرثون وسائر العصبات من بني العمّ ونحوهم ، والعرب تسمي هؤلاء موالي ، قال الشاعر @ مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا لا تنشروا بيننا ما كان مدفوناً @@ قيل الموالي الناصرون له . واختلفوا في وجه المخافة من زكريا لمواليه من بعده ، فقيل خاف أن يرثوا ماله ، وأراد أن يرثه ولده ، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولداً . وقال آخرون إنهم كانوا مهملين لأمر الدين ، فخاف أن يضيع الدين بموته . فطلب ولياً يقوم به بعد موته ، وهذا القول أرجح من الأوّل لأن الأنبياء لا يورثون وهم أجلّ من أن يعتنوا بأمور الدنيا ، فليس المراد هنا وراثة المال ، بل المراد وراثة العلم والنبوّة والقيام بأمر الدين . وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِرًا } العاقر هي التي لا تلد لكبر سنها ، والتي لا تلد أيضاً لغير كبر وهي المرادة هنا ، ويقال للرجل الذي لا يلد عاقر أيضاً ، ومنه قول عامر ابن الطفيل @ لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا @@ قال ابن جرير وكان اسم امرأته أشاع بنت فأقود بن ميل ، وهي أخت حنة ، وحنة هي أمّ مريم . وقال القتيبي هي أشاع بنت عمران ، فعلى القول يكون يحيـى بن زكريا ابن خالة أمّ عيسى ، وعلى القول الثاني يكونان ابني خالة كما ورد في الحديث الصحيح . { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } أي أعطني من فضلك ولياً ، ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوّز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما . وقد قيل إنه كان ابن بضع وتسعين سنة ، وقيل بل أراد بالوليّ الذي طلبه هو الولد ، ولا مانع من سؤال من كان مثله لما هو خارق للعادة ، فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك ، فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم . { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ } قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة وابن محيصن واليزيدي ويحيـى بن المبارك بالرفع في الفعلين جميعاً ، على أنهما صفتان للوليّ وليسا بجواب للدعاء . وقرأ يحيـى بن يعمر وأبو عمرو ويحيـى ابن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما ، على أنهما جواب للدعاء . ورجح القراءة الأولى أبو عبيد وقال هي أصوب في المعنى لأنه طلب ولياً هذه صفته فقال هب لي الذي يكون وارثي . ورجح ذلك النحاس وقال لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة ، تقول أطع الله يدخلك الجنة أي إن تطعه يدخلك الجنة ، وكيف يخبر الله سبحانه بهذا ، أعني كونه أن يهب له ولياً يرثه ، وهو أعلم بذلك ، والوراثة هنا هي وراثة العلم والنبوّة على ما هو الراجح كما سلف . وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن يعقوب المذكور هنا هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . وزعم بعض المفسرين أنه يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان ، وبه قال الكلبي ومقاتل ، وآل يعقوب هم خاصته الذين يؤول أمرهم إليه للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين ، وقد كان فيهم أنبياء وملوك ، وقرىء " يرثني وارث من آل يعقوب " على أنه فاعل يرثني . وقرىء " وأرث آل يعقوب " أي أنا . وقرىء " أو يرث آل يعقوب " بلفظ التصغير على أن هذا المصغر فاعل يرثني . وهذه القراءات في غاية الشذوذ لفظاً ومعنى { وَٱجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً } أي مرضياً في أخلاقه وأفعاله وقيل راضياً بقضائك وقدرك ، وقيل رجلاً صالحاً ترضى عنه ، وقيل نبياً كما جعلت آباءه أنبياء . { رَضِيّاً يٰزَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } قال جمهور المفسرين إن هذا النداء من الله سبحانه ، وقيل إنه من جهة الملائكة ، لقوله في آل عمران { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } آل عمران 39 ، وفي الكلام حذف ، أي فاستجاب له دعاءه ، فقال يا زكريا ، وقد تقدّم في آل عمران وجه التسمية بيحيـى وزكريا . قال الزجاج سمي يحيـى لأنه حيـي بالعلم والحكمة التي أوتيها { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } قال أكثر المفسرين معناه لم نسمّ أحداً قبله يحيـى . وقال مجاهد وجماعة معنى { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } أنه لم يجعل له مثلاً ولا نظيراً ، فيكون على هذا مأخوذ من المساماة أو السموّ ، وردّ هذا بأنه يقتضي تفضيله على إبراهيم وموسى . وقيل معناه لم تلد عاقر مثله ، والأوّل أولى . وفي إخباره سبحانه بأنه لم يسمّ بهذا الاسم قبله أحد فضيلة له من جهتين الأولى أن الله سبحانه هو الذي تولى تسميته به ، ولم يكلها إلى الأبوين . والجهة الثانية أن تسميته باسم لم يوضع لغيره يفيد تشريفه وتعظيمه . { قَالَ رَبّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } أي كيف أو من أين يكون لي غلام ؟ وليس معنى هذا الاستفهام الإنكار ، بل التعجب من قدرة الله وبديع صنعه ، حيث يخرج ولداً من امرأة عاقر وشيخ كبير ، وقد تقدّم الكلام على مثل هذا في آل عمران ، { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } يقال عتا الشيخ يعتو عتيا إذا انتهى سنه وكبر ، وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف ، والأصل عتوا لأنه من ذوات الواو فأبدلوه ياء لكونها أخفّ ، ومثل ما في الآية قول الشاعر @ إنما يعذر الوليد ولا يعـ ـذر من كان في الزمان عتياً @@ وقرأ يحيـى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص والأعمش { عتياً } بكسر العين ، وقرأ الباقون بضم العين وهما لغتان ، ومحل جملة { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِرًا } النصب على الحال من ضمير المتكلم ، ومحل جملة { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } النصب أيضاً على الحال ، وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } أي كيف يحصل بيننا ولد الآن ، وقد كانت امرأتي عاقراً لم تلد في شبابها وشبابي وهي الآن عجوز ، وأنا شيخ هرم ؟ ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ } الكاف في محل رفع ، أي الأمر كذلك ، والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا ، ثم ابتدأ بقوله { قَالَ رَبُّكِ } ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية ، أي قال قولاً مثل ذلك ، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } وأما على الاحتمال الأوّل فتكون جملة { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره ، أي قال هو مع بعده عندك ، عليّ هين ، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد . قال الفراء أي خلقه عليّ هين { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها . قال الزجاج أي فخلق الولد لك كخلقك ، والمعنى أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض ، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه ، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئاً ، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم . قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر { وقد خلقتك من قبل } وقرأ سائر الكوفيين " وقد خلقناك من قبل " . { قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } أي علامة تدلني على وقوع المسؤول وتحققه وحصول الحبل ، والمقصود من هذا السؤال تعريفه وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه . قال ابن الأنباري وجه ذلك أن نفسه تاقت إلى سرعة الأمر ، فسأل الله آية يستدلّ بها على قرب ما منّ به عليه . وقيل طلب آية تدله على أن البشرى من الله سبحانه لا من الشيطان ، لأن إبليس أوهمه بذلك ، كذا قال الضحاك والسدّي وهو بعيد جدّاً { قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } قد تقدّم تفسير هذا في آل عمران مستوفى ، وانتصاب { سوياً } على الحال ، والمعنى آيتك أن لا تقدر على الكلام والحال أنك سويّ الخلق ليس بك آفة تمنعك منه ، وقد دل بذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران . أن المراد ثلاثة أيام ولياليهنّ . { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ } وهو مصلاه ، واشتقاقه من الحرب ، كأنّ ملازمه يحارب الشيطان . وقيل من الحرب محركاً ، كأن ملازمه يلقى حرباً وتعباً ونصباً { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } قيل معنى { أوحى } أومأ بدليل قوله في آل عمران { إِلاَّ رَمْزًا } آل عمران 41 . وقيل كتب لهم في الأرض . وبالأوّل قال الكلبي والقرظي وقتادة وابن منبه ، وبالثاني قال مجاهد . وقد يطلق الوحي على الكتابة ومنه قول ذي الرّمة @ سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها بقية وحي في بطون الصحائف @@ وقال عنترة @ كوحي صحائف من عهد كسرى فأهداها لأعجم طمطميّ @@ و « أن » في قوله { أَن سَبّحُواْ } مصدرية أو مفسرة ، والمعنى فأوحى إليهم بأن صلوا ، أو أي صلوا ، وانتصاب { بكرة } و { عشياً } على الظرفية . قال الفراء العشي يؤنث ، ويجوز تذكيره إذا أبهم . قال وقد يقال العشيّ جمع عشية ، قيل والمراد صلاة الفجر والعصر . وقيل المراد بالتسبيح هو قولهم سبحان الله في الوقتين أي نزهوا ربكم طرفي النهار . وقد أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله { كهيعص } كبير هاد أمين عزيز صادق ، وفي لفظ كاف بدل كبير . وأخرج عبد الرزاق وآدم بن أبي إياس ، وعثمان بن سعيد الدارمي في التوحيد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس { كهيعص } قال كاف من كريم ، وهاء من هاد ، وياء من حكيم ، وعين من عليم ، وصاد من صادق . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة { كهيعص } هو الهجاء المقطع ، الكاف من الملك ، والهاء من الله ، والياء والعين من العزيز ، والصاد من المصوّر . وأخرج ابن مردويه عن الكلبي أنه سئل عن { كهيعص } فحدّث عن أبي صالح عن أمّ هانىء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كاف هاد عالم صادق " وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي وابن ماجه وابن جرير عن فاطمة ابنة عليّ قالت كان علي يقول يا كۤهيعۤصۤ اغفر لي . وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في { كهيعص } قال الكاف الكافي ، والهاء الهادي ، والعين العالم ، والصاد الصادق . وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن السدّي قال كان ابن عباس يقول في كۤهيعۤصۤ وحمۤ ويۤس وأشباه هذا هو اسم الله الأعظم . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله . وكما وقع الخلاف في هذا وأمثاله بين الصحابة وقع بين من بعدهم ولم يصح مرفوعاً في ذلك شيء ، ومن روي عنه من الصحابة في ذلك شيء فقد روى عن غيره ما يخالفه ، وقد يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة في هذه الفواتح فلا يقوم شيء من ذلك حجة ، بل الحق الوقف ، وردّ العلم في مثلها إلى الله سبحانه ، وقد قدّمنا تحقيق هذا في فاتحة سورة البقرة . وأخرج أحمد وأبو يعلى ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " كان زكريا نجاراً " وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن أزر بن مسلم من ذرية يعقوب دعا ربه سرّاً { قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّي } إلى قوله { خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ } قال وهم العصبة { يَرِثُنِي } يرث نبوّتي ونبوّة آل يعقوب ، فنادته الملائكة ، وهو جبريل إن الله يبشرك { بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك ، فشك وقال { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } يقول من أين يكون وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ، قال الله { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَإِنّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي } قال الورثة وهم عصبة الرجل . وأخرج الفريابي عنه قال كان زكريا لا يولد له فسأل ربه فقال { رب هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ } قال يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوّة . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } قال مثلاً . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عنه قال لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف عتياً أو عسياً . وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { عِتِيّاً } قال لبث زماناً في الكبر . وأخرج أيضاً عن السدّي قال هرماً . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } قال اعتقل لسانه من غير مرض ، وفي لفظ من غير خرس ، أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } قال كتب لهم كتاباً . وأخرج ابن أبي الدنيا ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { أَن سَبّحُواْ } قال أمرهم بالصلاة { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } .