Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 34-40)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى المتصف بالأوصاف السابقة . قال الزجاج ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم ، لا ما تقوله النصارى من أنه ابن الله وأنه إلٰه . وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب { قَوْلَ ٱلْحَقّ } بالنصب . وقرأ الباقون بالرفع . فوجه القراءة الأولى أنه منتصب على المدح ، أو على أنه مصدر مؤكد لقال إني عبد الله ، قاله الزجاج . ووجه القراءة الثانية أنه نعت لعيسى أي ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ ، قاله الكسائي . وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله ، والحق هو الله عزّ وجلّ . وقال أبو حاتم المعنى هو قول الحق . وقيل التقدير هذا لكلام قول الحق . وهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة مثل حق اليقين . وقيل الإضافة للبيان . وقرىء " قال الحق " وروي ذلك عن ابن مسعود ، وقرأ الحسن " قول الحق " بضم القاف ، والقول والقول والقال والمقال بمعنى واحد ، و { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } صفة لعيسى أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون قول الحق ، ومعنى { يمترون } يختلفون ، على أنه من المماراة ، أو يشكوا على أنه من المرية . وقد وقع الاختلاف في عيسى فقالت اليهود هو ساحر ، وقالت النصارى هو ابن الله . { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } أي ما صحّ ولا استقام ذلك ، فـ " أن " في محل رفع على أنها اسم كان . قال الزجاج " من " في { من ولد } مؤكدة تدلّ على نفي الواحد والجماعة ثم نزّه سبحانه نفسه فقال { سُبْحَـٰنَهُ } أي تنزّه وتقدّس عن مقالتهم هذه ، ثم صرح سبحانه بما هو شأنه تعالى سلطانه فقال { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أي إذا قضى أمراً من الأمور فيكون حينئذٍ بلا تأخير . وقد سبق الكلام على هذا مستوفى في البقرة ، وفي إيراده في هذا الموضع تبكيت عظيم للنصارى ، أي من كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد ؟ { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح " أن " . وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بكسرها ، وهو من تمام كلام عيسى ، وقرأ أبيّ " إن الله " بغير واو ، قال الخليل وسيبويه في توجيه قراءة النصب بأن المعنى ولأن الله ربي وربكم ، وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض عطفاً على الصلاة ، وجوز أبو عمرو بن العلاء عطفه على { أمراً } . { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي هذا الذي ذكرته لكم من أنه ربي وربكم ، هو الطريق القيم الذي لا اعوجاج فيه ولا يضلّ سالكه . { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } . " من " زائد للتوكيد ، والأحزاب اليهود والنصارى ، أي فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى ، فاليهود قالوا إنه ساحر ، كما تقدّم ، وقالوا إنه ابن يوسف النجار ، والنصارى اختلفت فرقهم فيه ، فقالت النسطورية منهم هو ابن الله . وقالت الملكانية هو ثالث ثلاثة . وقالت اليعقوبية هو الله تعالى ، فأفرطت النصارى وغلت ، وفرّطت اليهود وقصرت { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم المختلفون في أمره { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي من شهود يوم القيامة وما يجري فيه من الحساب والعقاب ، أو من مكان الشهود فيه ، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم . وقيل المعنى فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور . { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } قال أبو العباس العرب تقول هذا في موضع التعجب ، فيقولون أسمع تريد وأبصر به ، أي ما أسمعه وأبصره ، فعجب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم منهم { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } أي للحساب والجزاء { لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ } أي في الدنيا { فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي واضح ظاهر ، ولكنهم أغفلوا التفكر ، والاعتبار والنظر في الآثار . { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } أي يوم يتحسرون جميعاً ، فالمسيء يتحسر على إساءته ، والمحسن على عدم استكثاره من الخير { إِذْ قُضِيَ ٱلأمْرُ } أي فرغ من الحساب وطويت الصحف ، وصار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، وجملة { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } في محل نصب على الحال أي غافلين عما يعمل بهم ، وكذلك جملة { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } في محل نصب على الحال { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلاْرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } أي نميت سكانها فلا يبقى بها أحد يرث الأموات ، فكأنه سبحانه ورث الأرض ومن عليها حيث أماتهم جميعاً { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } أي يردّون إلينا يوم القيامة فنجازي كلا بعمله ، وقد تقدّم مثل هذا في سورة الحجر . وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قَوْلَ ٱلْحَقّ } قال الله الحقّ عزّ وجلّ . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عنه في قوله { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } قال اجتمع بنو إسرائيل وأخرجوا منهم أربعة نفر من كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم هو الله هبط إلى الأرض وأحيا من أحيا ، وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء ، وهم اليعقوبية فقالت الثلاثة كذبت ، ثم قال اثنان منهم للثالث قل فيه ، فقال هو ابن الله ، وهم النسطورية فقال اثنان كذبت ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه ، فقال هو ثالث ثلاثة ، الله إلٰه ، وعيسى إلٰه ، وأمه إلٰه ، وهم الإسرائيلية ، وهم ملوك النصارى فقال الرابع كذبت ، هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته ، وهم المسلمون ، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا ، فظهروا على المسلمين ، فذلك قول الله سبحانه { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } آل عمران 21 . قال قتادة وهم الذين قال الله { فَٱخْتَلَفَ ٱلأحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } قال اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً ، فاختصم القوم ، فقال المرء المسلم أنشدكم بالله هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام وأن الله لا يطعم ؟ قالوا اللّهم نعم ، قال فهل تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام ؟ قالوا اللّهم نعم ، فخصمهم المسلمون فاقتتل القوم ، فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذٍ وأصيب المسلمون ، فأنزل الله { فَوْيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } يقول الكفار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره ، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون . وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } قال ذلك يوم القيامة . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون إليه فيقولون نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، ثم ينادى يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون إليه فيقولون نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، فيؤمر به فيذبح ويقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت " ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } الآية ، وأشار بيده وقال " أهل الدنيا في غفلة " وأخرج النسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال يوم الحسرة هو من أسماء يوم القيامة ، وقرأ { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ ٱللَّهِ } الزمر 56 وعلى هذا ضعيف ، والآية التي استدل بها ابن عباس لا تدل على المطلوب لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام .