Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 104-105)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { رَاعِنَا } أي راقبنا ، واحفظنا ، وصيغة المفاعلة تدل على أن معنى { رَاعِنَا } ارعنا ونرعاك ، واحفظنا ونحفظك ، وارقبنا ونرقبك ، ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك ، أي فرغه لكلامنا ، وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سباً ، قيل إنه في لغتهم بمعنى اسمع لا سمعت وقيل غير ذلك ، فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم راعناطلباً منه أن يراعيهم من المراعاة ، اغتنموا الفرصة ، وكانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي ، مبطنين أنهم يقصدون السبّ الذي هو معنى هذا اللفظ في لغتهم وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسبّ ، والنقص ، وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم سداً للذريعة ودفعاً للوسيلة ، وقطعاً لمادة المفسدة ، والتطرق إليه ، ثم أمرهم الله بأن يخاطبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بما لا يحتمل النقص ، ولا يصلح للتعريض ، فقال { وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا } أي أقبل علينا ، وانظر إلينا ، فهو ، من باب الحذف ، والايصال ، كما قال الشاعر @ ظَاهِراتُ الْجَمَال والحَسُنِ يَنْظُر نَ كَمَا يَنْظُر الأرَاكَ الظِّباءُ @@ أي إلى الأراك . وقيل معناه انتظرنا وتأنّ بنا ، ومنه قول الشاعر @ فإنكما إن تنظراني ساعةً من الدهر تنفعني لَدَى أمِّ جُنْدبَ @@ وقرأ الأعمش " ٱنظُرْنَا " بقطع الهمزة ، وكسر الظاء ، بمعنى أخرنا وأمهلنا ، حتى نفهم عنك ، ومنه قول الشاعر @ أبا هندٍ فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرِّك اليقينا @@ وقرأ الحسن " رٰعِنَا " بالتنوين ، وقال الراعن من القول السخريِّ . منه . انتهى . وأمرهم بعد هذا النهي ، والأمر بأمر آخر وهو قوله { وَٱسْمَعُواْ } أي اسمعوا ما أمرتم به ونهيتم عنه ، ومعناه أطيعوا الله في ترك خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك اللفظ ، وخاطبوه ما أمرتم به ، ويحتمل أن يكون معناه اسمعوا ما يخاطبكم به الرسول من الشرع ، حتى يحصل لكم المطلوب بدون طلب للمراعاة ، ثم توعد اليهود بقوله { وَلِلكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ويحتمل أن يكون وعيداً شاملاً لجنس الكفرة . قال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم { رٰعِنَا } لأنها كلمة كرهها الله أن يقولوها لنبيه صلى الله عليه وسلم نظير الذي ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقولوا للعنب الكرم ، ولكن قولوا الحَبَلَة ، ولا تقولوا عبدي ، ولكن قولوا فتاي " وما أشبه ذلك . وقوله { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } الآية ، فيه بيان شدة عداوة الكفار للمسلمين حيث لا يودّون إنزال الخير عليهم من الله سبحانه . ثم ردّ الله سبحانه ذلك عليهم ، فقال { وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } الآية . وقوله { أَن يُنَزّلَ } في محل نصب على المفعولية ، و « من » في قوله { مّنْ خَيْرٍ } زائدة ، قاله النحاس ، وفي الكشاف أن « من » في قوله { مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } بيانية ، وفي قوله { مّنْ خَيْرٍ } مزيدة لاستغراق الخير ، وفي قوله { مّن رَّبّكُمْ } لابتداء الغاية ، وقد قيل بأن الخير الوحي . وقيل غير ذلك ، والظاهر أنهم لا يودّون أن ينزل على المسلمين أيّ خير كان ، فهو لا يختص بنوع معين ، كما يفيده وقوع هذه النكرة في سياق النفي ، وتأكيد العموم بدخول « من » المزيدة عليها ، وإن كان بعض أنواع الخير أعظم من بعض ، فذلك لا يوجب التخصيص . والرحمة قيل هي القرآن . وقيل النبوّة . وقيل جنس الرحمة من غير تعيين كما يفيد ذلك الإضافة إلى ضميره تعالى { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } أي صاحب الفضل العظيم ، فكيف لا تودون أن يختص برحمته من يشاء من عباده . وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه ، وأحمد في الزهد ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن رجلاً أتاه ، فقال اعهد إلىَّ ، فقال إذا سمعت الله يقول فأوعها سمعك ، فإنه خير يأمر به ، أو شرّ ينهي عنه . وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، عن ابن عباس قال { رٰعِنَا } بلسان اليهود السبّ القبيح ، وكان اليهود يقولون ذلك لرسول الله سرّاً ، فلما سمعوا أصحابه يقولون ذلك أعلنوا بها ، فكانوا يقولون ذلك ، ويضحكون ، فيما بينهم ، فأنزل الله الآية . وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، عنه أنه قال المؤمنون بعد هذه الآية من سمعتموه يقولها ، فاضربوا عنقه . فانتهت اليهود بعد ذلك . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن السدي قال كان رجلان من اليهود مالك بن الصيف ، ورفاعة بن زيد ، إذا لقيا النبيّ صلى الله عليه وسلم قالا له ، وهما يكلمانه راعنا سمعك ، واسمع غير مسمع ، فظنّ المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم ، فقالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبـي حاتم عن أبـي صخر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين ، فقالوا ارعنا سمعك ، فأعظم الله رسوله أن يقال له ذلك ، وأمرهم أن يقولوا { ٱنظُرْنَا } ليعزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويوقروه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم ، عن قتادة أن اليهود كانت تقول ذلك استهزاءً ، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا كقولهم ، وأخرج ابن حاتم ، عن مجاهد قال الرحمة القرآن والإسلام .