Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 99-103)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في قوله { إِلَيْكَ } للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي أنزلنا إليك علامات واضحات دالة على نبوتك . وقوله { إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ } قد تقدّم تفسيره ، والظاهر أن المراد جنس الفاسقين ، ويحتمل أن يراد اليهود لأن الكلام معهم ، والواو في قوله { أَوْ كُلَّمَا } للعطف دخلت عليها همزة الاستفهام كما تدخل على الفاء ، ومن ذلك قوله تعالى { أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } المائدة 50 { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } الزخرف 40 { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ } الكهف 50 وكما تدخل على ثم ، ومن ذلك قوله تعالى { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } يونس 51 وهذا قول سيبويه . وقال الأخفش الواو زائدة . وقال الكسائي إنها " أو " حركت الواو تسهيلاً . قال ابن عطية وهذا كله متكلف ، والصحيح قول سيبويه ، والمعطوف عليه محذوف ، والتقدير أكفروا بالآيات البينات ، وكلما عاهدوا . قوله { نَبَذَ فَرِيقٌ } قال ابن جرير أصل النبذ الطرح ، والإلقاء ، ومنه سمى اللقيط منبوذاً ، ومنه سمي النبيذ ، وهو التمر ، والزبيب إذا طرحا في الماء ، قال أبو الأسود @ نظرتَ إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا @@ وقال آخر @ إن الَّذين أمَرْتَهم أن يَعْدِلُوا نبذوا كتابك واستحل المحرمَا @@ وقوله { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } أي خلف ظهورهم ، وهو مثل يُضرب لمن يستخف بالشيء ، فلا يعمل به ، تقول العرب اجعل هذا خلف ظهرك ، ودبر أذنك ، وتحت قدمك أي اتركه ، واعرض عنه ، ومنه ما أنشده الفراء @ تميم بنُ زيدٍ لا تكوننَّ حَاجَتِي بظَهرٍ فلا يَعْيَا عليّ جوابُها @@ وقوله { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } أي التوراة لأنهم لما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة الإيمان به ، وتصديقه ، واتباعه ، وبين لهم صفته ، كان ذلك منهم نبذاً للتوراة ، ونقضاً لها ، ورفضاً لما فيها ، ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن ، أي لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول ، وهذا أظهر من الوجه الأول . وقوله { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئاً ، مع كونهم يعلمون علماً يقيناً من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم ، كانوا بمنزلة من لا يعلم . قوله { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُو ٱلشَّيَـٰطِينُ } معطوف على قوله { نبذوا } أي نبذوا كتاب الله ، واتبعوا ما تتلوا الشياطين من السحر ونحوه . قال الطبري اتبعوا بمعنى فعلوا . ومعنى { تتلو } تتقوّله ، وتقرؤه و { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } على عهد ملك سليمان ، قاله الزجاج ، وقيل المعنى في ملك سليمان يعني في قصصه ، وصفاته ، وأخباره . قال الفراء تصلح « على » ، وفي « في » هذا الموضع ، والأوّل أظهر ، وقد كانوا يظنون أن هذا هو علم سليمان ، وأنه يستجيزه ، ويقول به ، فردّ الله ذلك عليهم ، وقال { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ } ولم يتقدم أنّ أحداً نسب سليمان إلى الكفر ، ولكن لما نسبته اليهود إلى السحر صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر لأن السحر يوجب ذلك ، ولهذا أثبت الله سبحانه كفر الشياطين فقال { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ } أي بتعليمهم . وقوله { يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ } في محل نصب على الحال ، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر بعد خبر . وقرأ ابن عامر ، والكوفيون سوى عاصم « ولكن الشياطين » بتخفيف لكن ، ورفع الشياطين ، والباقون بالتشديد والنصب . والسحر هو ما يفعله الساحر من الحيل والتخيلات التي تحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماء ، وما يظنه راكب السفينة ، أو الدابة من أن الجبال تسير ، وهو مشتق من سحرت الصبيّ إذا خدعته . وقيل أصله الخفاء ، فإن الساحر يفعله خفية . وقيل أصله الصرف لأن السحر مصروف عن جهته . وقيل أصله الاستمالة لأن من سحرك ، فقد استمالك . وقال الجوهري السحر الأخذة ، وكل ما لطف مأخذه ودقَّ ، فهو سحر . وقد سحره يسحره ، سحراً . والساحر العالم ، وسحره أيضاً بمعنى خدعه . وقد اختلف هل له حقيقة أم لا ؟ فذهبت المعتزلة ، وأبو حنيفة إلى أنه خدع لا أصل له ، ولا حقيقة . وذهب من عداهم إلى أن له حقيقة مؤثرة . وقد صح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، سحره لُبيد بن الأعصم اليهودي ، حتى كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولم يكن قد أتاه ، ثم شفاه الله سبحانه ، والكلام في ذلك يطول . وقوله { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } أي ويعلمون الناس ما أنزل على الملكين ، فهو معطوف على السحر ، وقيل هو معطوف على قوله « ما تتلو الشياطين » أي واتبعوا ما أنزل على الملكين . وقيل إن « ما » في قوله { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } نافية ، والواو عاطفة على قوله { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } وفي الكلام تقديم ، وتأخير ، والتقدير وما كفر سليمان ، وما أنزل على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت ، وماروت ، فهاروت ، وماروت بدل من الشياطين في قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ } ذكر هذا ابن جرير ، وقال فإن قال لنا قائل وكيف وجه تقديم ذلك ؟ قيل وجه تقديمه أن يقال واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان وما أنزل الله على الملكين ، ولكنّ الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت ، فيكون معنياً بالملكين جبريل وميكائيل لأن سحرة اليهود ، فيما ذكر ، كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل ، إلى سليمان بن داود ، فأكذبهم الله بذلك ، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر ، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر ، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأنها تعلم الناس ذلك ببابل ، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان أحدهما هاروت ، والآخر ماروت ، فيكون هاروت وماروت ، على هذا التأويل ترجمة عن الناس وردّاً عليهم . انتهى . وقال القرطبي في تفسيره ، بعد أن حكى معنى هذا الكلام ، ورجح أن هاروت وماروت بدل من الشياطين ، ما لفظه هذا أولى ما حملت عليه الآية ، وأصح ما قيل فيها ، ولا يلتفت إلى سواه ، فالسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ، ودقة أفهامهم ، وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء ، وخاصة في حال طمثهن ، قال الله { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } الفلق 4 ثم قال إن قيل كيف يكون اثنان بدلاً من جمع ، والبدل إنما يكون على حدّ المبدل ؟ ثم أجاب عن ذلك بأن الاثنين قد يطلق عليهما الجمع ، أو أنهما خُصا بالذكر دون غيرهما لتمردهما ، ويؤيد هذا أنه قرأ ابن عباس والضحاك والحسن « الملكين » بكسر اللام ، ولعل وجه الجزم بهذا التأويل مع بعده ، وظهور تكلفه ، تنزيه الله سبحانه أن ينزل السحر إلى ارضه ، فتنة لعباده على ألسن ملائكته . وعندي أنه لا موجب لهذا التعسف المخالف لما هو الظاهر ، فإن لله سبحانه أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن بنهر طالوت ، ولهذا يقول الملكان { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } قال ابن جرير وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء ، وأنهما أنزلا إلى الأرض ، فكان من أمرهما ما كان ، وبابل قيل هي العراق ، وقيل نهاوند ، وقيل نصيبين . وقيل المغرب وهاروت وماروت اسمان أعجميان لا ينصرفان . وقوله { وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ } قال الزجاج تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه ، قال وهو الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر ، ومعناه أنهما يعلمان على النهي ، فيقولان لهم لا تفعلوا كذا . و « من » في قوله { من أحد } زائدة للتوكيد ، وقد قيل إن قوله { يعلمان } من الإعلام لا من التعليم ، وقد جاء في كلام العرب تعلم بمعنى أعلم ، كما حكاه ابن الأنباري ، وابن الأعرابي ، وهو كثير من أشعارهم كقول كعب بن مالك @ تعلَّم رسول اللهِ أنَّك مُدْرِكي وَأنَّ وَعِيداً مْنِك كالأخْذِ باليَدِ @@ وقال القطامي @ تعلَّم أن بعد الغَيّ رُشداً وأن لذلك الغيّ انْقِشاعاً @@ وقوله { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } هو على ظاهره ، أي إنما نحن ابتلاء ، واختبار من الله لعباده . وقيل إنه استهزاء منهما لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله . وفي قولهما { فَلاَ تَكْفُرْ } أبلغ إنذار ، وأعظم تحذير ، أي أن هذا ذنب يكون مَنْ فعله كافراً ، فلا تكفر ، وفيه دليل على أن تعلم السحر كفر ، وظاهره عدم الفرق بين المعتقد ، وغير المعتقد ، وبين من تعلمه ليكون ساحراً ، ومن تعلمه ليقدر على دفعه . وقوله { فَيَتَعَلَّمُونَ } فيه ضمير يرجع إلى قوله « مِنْ أحَدٍ » قال سيبويه التقدير ، فهم يتعلمون ، قال ومثله { كُنْ فَيَكُونُ } يس 82 وقيل هو معطوف على موضع ما يعلمان لأنه وإن كان منفياً ، فهو يتضمن الإيجاب . وقال الفراء هي مردودة على قوله « يعلمون الناس السحر » أي يعلمون الناس ، فيتعلمون ، وقوله { مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ } في إسناد التفريق إلى السحرة ، وجعل السحر سبباً لذلك دليل على أن للسحر تأثيراً في القلوب بالحبّ والبغض ، والجمع ، والفرقة ، والقرب ، والبعد . وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به من التفرقة لأن الله ذكر ذلك في معرض الذمّ للسحر ، وبين ما هو الغاية في تعليمه ، فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره . وقالت طائفة أخرى إن ذلك خرج مخرج الأغلب ، وأن الساحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه ، وقيل ليس للسحر تأثير في نفسه أصلاً لقوله تعالى { وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } والحق أنه لا تنافي بين قوله { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ } وبين قوله { وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيراً في نفسه ، ولكنه لا يؤثر ضرراً إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه ، وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيراً في نفسه ، وحقيقة ثابتة ، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة ، وأبو حنيفة كما تقدم ، وقوله { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } فيه تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ، ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضرر محض ، وخسران بحت ، واللام في قوله { وَلَقَدْ } جواب قسم محذوف ، وفي قوله { لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } للتأكيد و « مَنْ » موصولة ، وهي في محل رفع على الابتداء ، والخبر قوله { مَالَهُ فِى ٱلأخِرَةِ مِنَ خَلَـٰقٍ } وقال الفراء إنها شرطية للمجازاة . وقال الزجاج ليس هذا بموضع شَرط ، ورجح أنها موصولة كما ذكرنا . والمراد بالشراء هنا لاستبدال أي من استبدل ما تتلوا الشياطين على كتاب الله . والخَلاق النصيب عند أهل اللغة ، كذا قال الزجاج . والمراد بقوله { مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } أي باعوها . وقد أثبت لهم العلم في قوله { وَلَقَدْ عَلِمُواْ } ونفاه عنهم في قوله { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } واختلفوا في توجيه ذلك ، فقال قطرب ، والأخفش إن المراد بقوله { وَلَقَدْ عَلِمُواْ } الشياطين ، والمراد بقوله { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } الإنس . وقال الزجاج إن الأول للملكين ، وإن كان بصيغة الجمع ، فهو مثل قولهم الزيدان قاموا ، والثاني المراد به علماء اليهود . وإنما قال { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لأنهم تركوا العمل بعلمهم . وقوله { وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ } أي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من القرآن ، { وَٱتَّقَوْاْ } ما وقعوا فيه من السحر ، والكفر . واللام في قوله { لَمَثُوبَةٌ } جواب " لو " ، والمثوبة الثواب . وقال الأخفش إن الجواب محذوف ، والتقدير ، ولو أنهم آمنوا ، واتقوا لأثيبوا ، فحذف لدلالة قوله { لمثوبة } عليه . وقوله { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } هو إما للدلالة على أنه لا علم لهم ، أو لتنزيل علمهم مع عدم العمل منزلة العدم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس « قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد ما جئتنا بشيء يعرف ، وما أنزل الله عليك من آية بينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ } وقال مالك بن الصيف ، حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد إليهم في محمد والله ما عهد إلينا في محمد ، ولا أخذ علينا شيئاً ، فأنزل الله { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } الآية . وأخرج ابن جرير عنه في قوله { آيات بَيّنَاتٍ } يقول فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة ، وعشية ، وبين ذلك ، وأنت عندهم أميّ لم تقرأ الكتاب ، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ، ففي ذلك عبرة لهم ، وحجة عليهم { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله { نبذة } نقضه . وأخرج أيضاً عن السدي في قوله { مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } قال لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة ، واتفقت التوراة ، والقرآن ، فنبذوا التوراة ، وأخذوا بكتاب آصف ، وسحر هاروت وماروت ، كأنهم لا يعلمون بما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وتصديقه . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، فإذا سمع أحدهم بكلمة حقّ كذب معها ألف كذبة ، فأشْرِبَتْها قلوب الناس ، واتخذوها دواوين ، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود ، فأخذها ، فدفنها تحت الكرسي . فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق ، فقال ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع ؟ قالوا نعم ، فأخرجوه فإذا هو سحر ، فتناسختها الأمم ، وأنزل الله عذر سليمان ، فيما قالوا من السحر ، فقال { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُو ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } الآية . وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عنه قال كان آصف كاتب سليمان ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً ، وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها ، فأكفره جهال الناس ، وسبوه ، ووقف علماؤهم ، فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُو ٱلشَّيَـٰطِينُ } الآية ، وأخرج ابن جرير ، عنه قال كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئاً من شأنه أعطى الجرادة ، وهي امرأته ، خاتمه ، فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه ، فجاء الشيطان في صورة سليمان ، فقال لها هاتي خاتمي ، فأخذه ، فلبسه ، فلما لبسه دانت له الشياطين ، والجنّ ، والإنس ، فجاء سليمان ، فقال هاتي خاتمي ، فقالت له كذبت لست سليمان ، فعرف أنه بلاء ابتلى به ، فانطلقت الشياطين ، فكتبت في تلك الأيام كتباً فيها سحر ، وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها ، فقرءوها على الناس ، وقالوا إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب ، فبرىء الناس من سليمان ، وأكفروه حتى بعث الله محمداً ، وأنزل عليه { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُو } وأخرج ابن جرير ، عنه في قوله { وَمَا تَتْلُو } قال ما تتبع . وأخرج أيضاً عن عطاء في قوله { مَا تَتْلُواْ } قال نراه ما تحدث . وأخرج أيضاً عن ابن جريج في قوله { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } يقول في ملك سليمان . وأخرج أيضاً عن السدي في قوله { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } قال هذا سحر آخر خاصموه به ، فإن كلام الملائكة ، فيما بينهم إذا علمته الإنس ، فصنع ، وعمل به كان سحراً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } قال لم ينزل الله السحر . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عليّ قال هما ملكان من ملائكة السماء . وأخرج نحوه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعاً . وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن المنذر عن ابن عباس { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } يعني جبريل وميكائيل { بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ } يعلمان الناس السحر . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الرحمن ، بن أبزي أنه كان يقرؤها وما أنزل على الملكين داود ، وسليمان . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال هما علجان من أهل بابل . وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من حديث ، ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشرفت الملائكة على الدنيا ، فرأت بني آدم يعصون ، فقالت يا رب ما أجهل هؤلاء ، ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك ؟ فقال الله لو كنتم في محلاتهم لعصيتموني ، قالوا كيف يكون هذا ، ونحن نسبح بحمدك ، ونقدس لك ؟ قال فاختاروا منكم ملكين ، فاختاروا هاروت وماروت ، ثم أهبطا إلى الأرض ، وركبت ، فيهما شهوات بني آدم ، ومثلت لهما امرأة ، فما عصما حتى واقعا المعصية ، فقال الله اختارا عذاب الدنيا ، أو عذاب الآخرة ، فنظر أحدهما لصاحبه قال ما تقول ؟ قال أقول إن عذاب الدنيا ينقطع ، وإن عذاب الآخرة لا ينقطع ، فاختارا عذاب الدنيا ، فهما اللذان ذكر الله في كتابه { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } الآية " وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر ، أنه كان يقول أطلعت الحمراء بعد ، فإذا رآها قال لا مرحباً ، ثم قال إن ملكين من الملائكة هاروت وماروت سألا الله أن يهبطهما إلى الأرض ، فأهبطا إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس ، فإذا أمسيا تكلما بكلمات ، فعرجا بها إلى السماء ، فقيض لهما امرأة من أحسن النساء ، وألقيت عليهما الشهوة ، فجعلا يؤخرانها ، وألقيت في أنفسهما ، فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعاداً ، فأتتهما للميعاد فقالت علماني الكلمة التي تعرجان بها ، فعلماها الكلمة فتكلمت بها فعرجت إلى السماء ، فمسخت فجُعلت كما ترون ، فلما أمسيا تكلما بالكلمة ، فلم يعرجا ، فبعث إليهما إن شئتما فعذاب الآخرة ، وإن شئتما ، فعذاب الدنيا إلي أن تقوم الساعة على أن تلقيا الله ، فإن شاء عذبكما ، وإن شاء رحمكما ، فنظر أحدهما إلي صاحبه ، فقال بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف ، فهما يعذبان إلى يوم القيامة . وقد رويت هذه القصة عن ابن عمر بألفاظ ، وفي بعضها أنه يروي ذلك ابن عمر عن كعب الأحبار . كما أخرجه عبد الرزاق ، وابن شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب من طريق الثوري ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن كعب قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم ، وما يأتون من الذنوب ، فقيل لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل ما يأتون ، فاختاروا منكم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت ، فقال لهما إني أرسل إلى بني آدم رسلاً ، فليس بيني ، وبينكم رسول . انزلا لا تشركا بي شيئاً ، ولا تزنيا ، ولا تشربا الخمر ، قال كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استعملا جميع ما نهيا عنه . قال ابن كثير وهذا أصح ، يعني من الإسنادين اللذين ذكرهما قبله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه عن عليّ بن أبي طالب ، قال إن هذه الزهرة تسميها العربُ الزهرةَ ، والعجمُ أناهيدَ ، وذكر نحو الرواية السابقة عن ابن عمر ، عند الحاكم . قال ابن كثير وهذا الإسناد رجاله ثقات ، وهو غريب جداً . وقد أخرج عبد بن حميد ، والحاكم وصححه عن ابن عباس ، قال كانت الزهرة امرأة . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عنه أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت ، فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبـي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عنه ، فذكر قصة طويلة ، وفيها التصريح بأن الملكين شربا الخمر ، وزنيا بالمرأة ، وقتلاها . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود ، وابن عباس هذه القصة ، وقالا إنها أنزلت إليهما الزهرة في صورة امرأة ، وأنهما وقعا في الخطيئة . وقد روي في هذا الباب قصص طويلة وروايات مختلفة استوفاها السيوطي في الدرّ المنثور . وذكر ابن كثير في تفسيره بعضها ، ثم قال وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد ، والسدّي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وأبي العالية ، والزهري ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين ، والمتأخرين . وحاصلها راجع في تفصليها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد ، إلى الصادق المصدوق المعصوم ، الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ، ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال . انتهى . وقال القرطبي بعد سياق بعض ذلك قلنا هذا كله ضعيف ، وبعيد عن ابن عمر ، غيره لا يصح منه شيء ، فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه ، وسفراؤه إلى رسله { لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون } التحريم 6 ، ثم ذكر ما معناه أن العقل يجوِّز وقوع ذلك منهم ، لكن وقوع هذا الجائز لا يدرى إلا بالسمع ، ولم يصح . انتهى . وأقول هذا مجرد استبعاد . وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع بما تراه ، ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات ، وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك ، فعلى فرض ، وجود هذه الأصول ، فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة ، ولا وجه لمنع التخصيص ، وقد كان إبليس يملك المنزلة العظيمة ، وصار أشرّ البرية ، وأكفر العالمين . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } قال بلاء . وأخرج البزار بإسناد صحيح ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود ، قال « من أتى ساحراً ، أو كاهناً ، وصدّقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد » . وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تطير ، أو تُطير له ، أو تكهنَّ ، تُكهن له أو سحر ، أو سحَر له ، ومن عقد عقدة ، ومن أتى كاهناً ، فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد " وأخرج عبد الرزاق ، عن صفوان بن سُليمْ ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم شيئاً من السحر قليلاً ، أو كثيراً كان آخر عهده من الله " وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { مِنْ خَلَـٰقٍ } قال قوام . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه قال { مِنْ خَلَـٰقٍ } من نصيب ، وكذا روى ابن جرير ، عن مجاهد . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن الحسن { مَا لَهُ فِى ٱلأخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } قال ليس له دين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ } قال باعوا . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { لَمَثُوبَةٌ } قال ثواب .