Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 108-110)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَمْ } هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل ، أي بل تريدون ، وفي هذا توبيخ ، وتقريع ، والكاف في قوله { كَمَا سُئِلَ } في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، أي سؤالاً مثل ما سئل موسى من قبل ، حيث سألوه أن يريهم الله جهرة ، وسألوا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالله ، والملائكة قبيلاً . وقوله { سَوَآء } هو الوسط من كل شيء قاله أبو عبيدة ، ومنه قوله تعالى { فِى سَوَاء ٱلْجَحِيمِ } الصافات 55 ومنه قول حسان يرثي النبيّ صلى الله عليه وسلم @ يَا وَيْحَ أصْحابِ النَّبيّ وَرهْطِه بَعْد المُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ المُلْحَدِ @@ وقال الفراء السواء القصد ، أي ذهب عن قصد الطريق ، وسمته أي طريق طاعة الله . وقوله تعالى { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } فيه إخبار المسلمين بحرص اليهود على فتنتهم ، وردّهم عن الإسلام ، والتشكيك عليهم في دينهم . وقوله { لَوْ يَرُدُّونَكُم } في محل نصب على أنه مفعول للفعل المذكور . وقوله { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } يحتمل أن يتعلق بقوله { ودّ } أي ودّوا ذلك من عند أنفسهم ، ويحتمل أن يتعلق بقوله { حَسَدًا } أي حسداً ناشئاً من عند أنفسهم ، وهو علة لقوله { ودّ } . والعفو ترك المؤاخذة بالذنب . والصفح إزالة أثره من النفس ، صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه ، وقد ضربت عنه صفحاً إذا أعرضت عنه ، وفيه الترغيب في ذلك ، والإرشاد إليه ، وقد نسخ ذلك بالأمر بالقتال ، قاله أبو عبيدة . وقوله { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } هو غاية ما أمر الله سبحانه به من العفو والصفح أي افعلوا ذلك إلى أن يأتي إليكم الأمر من الله سبحانه في شأنهم بما يختاره ويشاؤه ، وما قد قضى به في سابق علمه ، وهو قتل من قتل منهم ، وإجلاء من أجلى ، وضرب الجزية على من ضربت عليه ، وإسلام من أسلم . وقوله { وأقيموا الصلاة } حثّ من الله سبحانه لهم على الاشتغال بما ينفعهم ويعود عليهم بالمصلحة ، من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة . وتقديم الخير الذي يثابون عليه حتى يمكن الله لهم ، وينصرهم على المخالفين لهم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، أنه قال قال رافع بن حُريَمْلة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ائتنا بكتاب يَنزَّل علينا من السماء نقرؤه ، أو فجِّر لنا أنهاراً نتَّبعك ، ونصدقك ، فأنزل الله في ذلك { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ } الى قوله { سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } وكان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ اليهود حسداً للعرب ، إذ خصهم الله برسوله ، وكانا جاهديْن في ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن السدي قال سألت العرب محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرةً ، فنزلت هذه الآية . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال قال رجل لو كانت كفَّاراتنا كفَّارات بني إسرائيل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما أعطاكم الله خيرٌ ، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه ، وكفَّارتَها ، فإن كفَّرها كانت له خزاياً في الدنيا ، وإن لم يكفرها كانت له خزياً في الآخرة . وقد أعطاكم الله خيراً من ذلك قال { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } النساء 10 الآية ، والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ، فأنزل الله { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ } " الآية . وأخرج ابن جرير ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال سألت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، فقال " نعم ، وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم " فأبوا ورجعوا ، فأنزل الله { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أن يريهم الله جهرة . وأخرج ابن جرير ، عن أبي العالية في قوله { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ } قال يتبدل الشدّة بالرخاء . وأخرج ابن أبـي حاتم عن السدي في قوله { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } قال عدل عن السبيل . وأخرج أبو داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل عن كعب بن مالك ، قال كان اليهود ، والمشركون من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه أشدّ الأذى ، فأمر الله بالصبر على ذلك ، والعفو عنهم ، وأنزل الله { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } وفي الصحيحين ، وغيرهما عن أسامة بن زيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه يعفون عن المشركين ، وأهل الكتاب كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ، قال الله تعالى { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذىً كَثِيراً } آل عمران 186 وقال { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم } الآية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأوّل في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم بقتل ، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش . وأخرج ابن جرير ، عن الربيع بن أنس في قوله { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } قال من قبل أنفسهم { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } يقول إن محمداً رسول الله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة ، نحوه وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } وقوله { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } الأنعام 106 ونحو هذا في العفو عن المشركين قال نسخ ذلك كله بقوله { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } التوبة 29 الآية ، وقوله { ٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 . وأخرج ابن جرير ، عن السدي نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { وَمَا تُقَدّمُواْ لأنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ } يعنى من الأعمال من الخير في الدنيا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } قال تجدوا ثوابه .