Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 111-113)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { هُودًا } قال الفراء يجوز أن يكون هوداً بمعنى يهودياً ، وأن يكون جمع هائد . وقال الأخفش إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لفظ " من " ، والجمع في قوله { هوداً } باعتبار معنى " من " ، قيل في هذا الكلام حذف ، وأصله وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً . هكذا قال كثير من المفسرين ، وسبقهم إلى ذلك بعض السلف ، وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود ، والنصارى وقع منهم هذا القول ، وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم ، ووجه القول بأن في الكلام حذفاً ما هو معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى ، وتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلاً عن دخول الجنة كما في هذا الموضع ، فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ، والأماني قد تقدّم تفسيرها ، والإشارة بقوله تلك إلى ما تقدّم لهم من الأمانيّ التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم ، وقيل إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة ، والتقدير أمثال تلك الأمنية أمانيهم ، على حذف المضاف ليطابق أمانيهم ، قوله { هَاتُواْ } أصله هاتيوا حذفت الضمة لثقلها ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، ويقال للمفرد المذكر هات ، وللمؤنث هاتي ، وهو صوت بمعنى أحْضر ، والبرهان الدليل الذي يحصل عنده اليقين . قال ابن جرير طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر ، ويردّ على من ينفيه . وقوله { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في تلك الأمانيّ المجردة ، والدعاوي الباطلة ، ثم ردّ عليهم ، فقال { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ } وهو إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة ، أي ليس كما يقولون بل يدخلها من أسلم وجهه لله . ومعنى أسلم استسلم ، وقيل أخلص . وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان . ولأنه موضع الحواس الظاهرة . وفيه يظهر العزّ والذل ، وقيل إن العرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء ، وأن المعنى هنا الوجه وغيره . وقيل المراد بالوجه هنا المقصد ، أي من أخلص مقصده وقوله { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في محل نصب على الحال ، والضمير في قوله { وَجْهَهُ } { وَلَهُ } باعتبار لفظ من ، وفي قوله { عَلَيْهِمْ } باعتبار معناها . وقوله { مِنْ } إن كانت الموصولة ، فهي فاعل لفعل محذوف أي بلى يدخلها من أسلم . وقوله { فَلَهُ } معطوف على { من أسلم } وإن كانت " من " شرطية ، فقوله { فله } هو الجزاء ، ومجموع الشرط ، والجزاء ردّ على أهل الكتاب ، وإبطال لتلك الدعوى . وقوله { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } وما بعده فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى ، ويتضمن ذلك إثباته لنفسها تحجراً لرحمة الله سبحانه . قال في الكشاف إن الشيء هو الذي يصح ويعتدّ به ، قال وهذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء ، وإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه ، فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده ، وهكذا قولهم أقلّ من لا شيء . وقوله { وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة ، والإنجيل ، والجملة حالية ، وقيل المراد جنس الكتاب ، وفي هذا أعظم توبيخ ، وأشدّ تقريع لأن الوقوع في الدعاوى الباطلة ، والتكلم بما ليس عليه برهان هو وإن كان قبيحاً على الإطلاق لكنه من أهل العلم ، والدراسة لكتب الله أشدّ قبحاً ، وأفظع جرماً ، وأعظم ذنباً . وقوله { كَذٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } المراد بهم كفار العرب ، الذين لا كتاب لهم قالوا مثل مقالة اليهود اقتداءً بهم لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم . وقيل المراد بهم طائفة من اليهود ، والنصارى ، وهم الذين لا علم عندهم ، ثم أخبرنا سبحانه بأنه المتولى لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه ، فيعذب من يستحق التعذيب ، وينجي من يستحق النجاة . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ } الآية ، قال قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } قال أمانيّ يتمنونها على الله بغير حق { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } قال حجتكم { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } بما تقولونه أنه كما تقولون { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } يقول أخلص لله . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد في قوله { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } قال حجتكم ، وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ } قال أخلص دينه . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتتهم أحبار اليهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل ، فقال له رجل من أهل نجران ما أنتم على شيء ، وجحد نبوّة موسى ، وكفر بالتوراة ، قال فأنزل الله في ذلك { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْء وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْء وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي كلّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج قال قلت لعطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون ؟ قال هم أمم كانت قبل اليهود والنصارى . وأخرج ابن جرير عن السدي قال هم العرب قالوا ليس محمد على شيء .