Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 116-118)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَقَالُواْ } هم اليهود والنصارى ، وقيل اليهود أي قالوا { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 وقيل النصارى أي { قَالُواْ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 وقيل هم كفار العرب أي قالوا الملائكة بنات الله . وقوله { سُبْحَـٰنَهُ } قد تقدم تفسيره ، والمراد هنا تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد . وقوله { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } ردّ على القائلين بأنه اتخذ ولداً ، أي بل هو مالك لما في السموات ، والأرض ، وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه ، والولد من جنسهم لا من جنسه ، ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد . والقانت المطيع الخاضع ، أي كل من في السموات والأرض مطيعون له ، خاضعون لعظمته ، خاشعون لجلاله . والقنوت في أصل اللغة أصله القيام . قال الزجاج فالخلق قانتون ، أي قائمون بالعبودية ، إما إقراراً ، وإما أن يكونوا على خلاف ذلك ، فأثر الصنعة بين عليهم ، وقيل أصله الطاعة ، ومنه { وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ } الأحزاب 35 وقيل السكون ، ومنه قوله { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } البقرة 238 ولهذا قال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . وقيل القنوت الصلاة ، ومنه قول الشاعر @ قَانِتاً لله يَتْلو كتُبْه وَعَلى عَمدٍ من النَّاسِ اعْتَزَل @@ والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة ، قيل هي ثلاثة عشر معنى ، وهي مبنية ، وقد نظمها بعض أهل العلم ، كما أوضحت ذلك في شرحي علم المنتقى . وبديع فعيل للمبالغة ، وهو خبر مبتدأ ، محذوف ، أي هو بديع سمواته ، وأرضه ، أبدع الشيء أنشأه لا عن مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع . وقوله { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا } أي أحكمه ، وأتقنه . قال الأزهري قضى في اللغة على وجوه مرجعها الى انقطاع الشيء ، وتمامه ، قيل هو مشترك بين معان ، يقال قضى بمعنى خلق ، ومنه { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } فصلت 12 وبمعنى أعلم ، ومنه { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } الإسراء 4 وبمعنى أمر ، ومنه { وَقَضَىٰ رَبُّكَ ألا لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إيّاه } الإسراء 23 وبمعنى ألزم ، ومنه قضى عليه القاضي ، وبمعنى أوفاه ، ومنه { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأجَلَ } القصص 29 وبمعنى أراد ومنه { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } غافر 68 ، والأمر واحد الأمور . وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى الأوّل الدين ، ومنه { حَتَّىٰ جَاء ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } التوبة 48 الثاني بمعنى القول ، ومنه { فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا } المؤمنون 27 الثالث العذاب ، ومنه قوله { لَمَّا قُضِىَ ٱلأمْرُ } إبراهيم 22 الرابع عيسى ، ومنه { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } مريم 35 أي أوجد عيسى عليه السلام . الخامس القتل ، ومنه { فَإِذَا جَـاء أَمْرُ ٱللَّهِ } غافر 78 السادس فتح مكة ، ومنه { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } التوبة 24 . السابع قتل بني قريظة ، وإجلاء النضير ، ومنه { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } البقرة 109 ، الثامن القيامة ، ومنه { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } النحل 1 التاسع القضاء ، ومنه { يُدَبّرُ ٱلأمْرَ } يونس 3 ، العاشر الوحي ، ومنه { يَتَنَزَّلُ ٱلأمْرُ بَيْنَهُنَّ } الطلاق 12 الحادي عشر أمر الخلائق ، ومنه { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأمُورُ } الشورى 53 الثاني عشر النصر ، ومنه { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأمْرِ مِن شَىْء } البقرة 154 . الثالث عشر الذنب ، ومنه { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } الطلاق 9 الرابع عشر الشأن ، ومنه { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } هود 97 هكذا أورد هذه المعاني بأطول من هذا بعض المفسرين ، وليس تحت ذلك كثير فائدة ، وإطلاقه على الأمور المختلفة لصدق اسم الأمر عليها . وقوله { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } الظاهر في هذا المعنى الحقيقي ، وأنه يقول سبحانه هذا اللفظ ، وليس في ذلك مانع ، ولا جاء ما يوجب تأويله ، ومنه قوله تعالى { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس 82 وقال تعالى { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } النحل 40 وقال { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } القمر 50 ومنه قول الشاعر @ إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قوله فيكون @@ وقد قيل إن ذلك مجاز ، وأنه لا قول ، وإنما هو قضاء يقضيه ، فعبر عنه بالقول ، ومنه قول الشاعر ، وهو عمر بن حممة الدوسي @ فَأصْبَحْتُ مِثْل النَّسْرِ طَارَ فَرِاخُه إذَا رَامَ تَطْيَاراً يُقَالُ لَهُ قَعِ @@ وقال آخر @ قالت جناحاه لساقيه الحقا ونجيا لحكمكما أن يمزقا @@ والمراد بقوله { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } اليهود ، وقيل النصارى ، ورجّحه ابن جرير لأنهم المذكورون في الآية وقيل مشركو العرب ، و " لَوْلاَ " حرف تحضيض ، أي هلا { يُكَلّمُنَا ٱللَّهُ } بنبوّة محمد ، فنعلم أنه نبيّ ، { أَوْ تَأْتِينَا } بذلك علامة على نبوّته . والمراد بقوله { قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } قيل هم اليهود ، والنصارى ، في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب ، أو الأمم السالفة ، في قول من جعل الذين لا يعلمون اليهود ، والنصارى ، أو اليهود في قول من جعل الذين لا يعلمون النصارى { تَشَـٰبَهَتْ } أي في التعنت ، والاقتراح ، وقال الفراء { تَشَـٰبَهَتْ } في اتفاقهم على الكفر ، { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي يعترفون بالحق ، وينصفون في القول ، ويذعنون لأوامر الله سبحانه لكونهم مصدقين له سبحانه مؤمنين بآياته متبعين لما شرعه لهم . وقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال الله تعالى « كذبني ابن آدم وشتمني ، فأما تكذيبه إياي ، فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي ، فقوله لي ولد ، فسبحاني أن اتخذ صاحبة ، أو ولداً " وأخرج نحوه أيضاً من حديث أبي هريرة ، وفي الباب أحاديث . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { سُبْحَـٰنَه } قال تنزيه الله نفسه عن السوء . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان الله ، قال " برأه الله من السوء " . وأخرجه الحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي من طريق طلحة بن يحيـى بن طلحة عن أبيه عن جدّه طلحة بن عبيد الله ، قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله ، فقال " تنزيه الله من كل سوء " . وأخرجه ابن مردويه ، عنه من طريق أخرى مرفوعاً . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الحلية ، والضياء في المختارة ، عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت ، فهو الطاعة " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ } قال مطيعون . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } يقول ابتدع خلقهما ، ولم يشركه في خلقهما أحد . وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال رافع بن حُرَيْملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ، إن كنت رسولاً من الله كما تقول ، فقل لله ، فليكلمنا حتى نسمع كلامه ، فأنزل الله في ذلك { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } الآية . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة أنهم كفار العرب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد قال هم النصارى ، والذين من قبلهم يهود .