Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 119-121)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { بَشِيراً وَنَذِيراً } يحتمل أن يكون منصوباً على الحال ، ويحتمل أن يكون مفعولاً له ، أي أرسلناك لأجل التبشير ، والإنذار . وقوله { وَلاَ تُسْـئَلُ } قرأه الجمهور بالرفع مبنياً للمجهول ، أي حال كونك غير مسؤول ، وقرىء بالرفع مبنياً للمعلوم . قال الأخفش ويكون في موضع الحال عطفاً على { بَشِيراً وَنَذِيراً } أي حال كونك غير سائل عنهم لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم ، وقرأ نافع { وَلاَ تُسْـئَلُ } بالجزم أي لا يصدر منك السؤال عن هؤلاء ، أو لا يصدر منك السؤال عمن مات منهم على كفره ، ومعصيته تعظيماً لحاله ، وتغليظاً لشأنه ، أي أن هذا أمر فظيع ، وخطب شنيع ، يتعاظم المتكلم أن يجريه على لسانه ، أو يتعاظم السامع أن يسمعه . قوله { وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ } الآية ، أي ليس غرضهم ، ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ، ويوردونه من التعنتات ، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون ، وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ، ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم ، والملة اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه ، وهكذا الشريعة ، ثم ردّ عليهم سبحانه ، فأمره بأن يقول لهم { إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } الحقيقي ، لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة ، والكتب المحرّفة ثم أتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتبع أهواءهم وحاول رضاهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم . ويحتمل أن يكون تعريضاً لأمته ، وتحذيراً لهم أن يوافقوا شيئاً من ذلك ، أو يدخلوا في أهوية أهل الملل ، ويطلبوا رضا أهل البدع . وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب ، وتتصدع منه الأفئدة ، ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه ، والقائمين ببيان شرائعه ، ترك الدِّهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء ، التاركين للعمل بالكتاب والسنة ، المؤثرين لمحض الرأي عليهما فإن غالب هؤلاء ، وإن أظهر قبولاً ، وأبان من أخلاقه ليناً لا يرضيه إلا اتباع بدعته ، والدخول في مداخله ، والوقوع في حبائله ، فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه ، وسنّة رسوله ، لا ماهم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة ، وجهالة بينة ، ورأي منهار ، وتقليد على شفا جرف هار ، فهو إذ ذاك ما له من الله من وليّ ، ولا نصير ، ومن كان كذلك ، فهو مخذول لا محالة ، وهالك بلا شك ، ولا شبهة . وقوله { ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } قيل هم المسلمون ، والكتاب هو القرآن ، وقيل من أسلم من أهل الكتاب . والمراد بقوله { يَتْلُونَهُ } أنهم يعلمون بما فيه ، فيحلُّون حلاله ، ويحرّمون حرامه ، فيكون من تلاه يتلوه إذا اتبعه ، ومنه قوله تعالى { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } الشمس 2 أي اتبعها ، كذا قيل ، ويحتمل أن يكون من التلاوة أي يقرءونه حق قراءته لا يحرّفونه ، ولا يبدّلونه . وقوله { ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } مبتدأ وخبره { يَتْلُونَهُ } أو الخبر قوله { أُوْلَـٰئِكَ } مع ما بعده . وقد أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزل { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْـئَلُ عَنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } فما ذكرهما حتى توفاه الله . قال السيوطي هذا مرسل ضعيف الإسناد ، ثم رواه من طريق ابن جرير ، عن داود بن أبي عاصم مرفوعاً ، وقال هو معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ، ولا بالذي قبله حجة . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال { ٱلْجَحِيمِ } ما عظم من النار . وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال إن يهود المدينة ، ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم ، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك عليهم ، وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم . فأنزل الله { وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ } الآية . وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } قال هم اليهود والنصارى . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } قال يحلون حلاله ، ويحرّمون حرامه ، ولا يحرّفونه عن مواضعه . وأخرجوا عنه أيضاً قال يتبعونه حق اتباعه ، ثم قرءوا { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } الشمس 2 يقول اتبعها . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عمر بن الخطاب ، قال في قوله { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } إذا مرَّ بذكر الجنة سأل الله الجنة ، وإذا مرّ بذكر النار تعوَّذ بالله من النار . وأخرج الخطيب في كتاب الرواة بسند فيه مجاهيل ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } قال " يتبعونه حق اتباعه " ، وكذا قال القرطبي في تفسيره أن في إسناده مجاهيل ، قال لكن معناه صحيح ، وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير من طرق ، عن ابن مسعود في تفسيره هذه الآية مثل ما سبق عن ابن عباس في قوله يحلون حلاله إلى آخره . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم قال يتكلمون به كما أنزل ، ولا يكتمونه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في هذه الآية قال هم أصحاب محمد ، ثم حكى نحو ذلك عن عمر بن الخطاب . وأخرج وكيع ، وابن جرير عن الحسن في قوله { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } قال يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه .