Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 148-152)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلِكُلّ } بحذف المضاف إليه لدلالة التنوين عليه أي لكل أهل دين وجهة ، والوجهة فعلة من المواجهة ، وفي معناها الجهة ، والوجه ، والمراد القبلة أي أنهم لا يتبعون قبلتك ، وأنت لا تتبع قبلتهم { وَلِكُلّ وِجْهَةٌ } إما بحق ، وإما بباطل ، والضمير في قوله { هُوَ مُوَلّيهَا } راجع إلى لفظ كل . والهاء في قوله { مُوَلّيهَا } هي المفعول الأوّل ، والمفعول الثاني محذوف أي موليها وجهه . والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة صاحب القبلة موليها وجهه ، أو لكل منكم يا أمة محمد قبلة يصلي إليها من شرق ، أو غرب ، أو جنوب ، أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين ، ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه ، وإن لم يجر له ذكر ، إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك ، والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه . وحكى الطبري أن قوماً قرءوا « ولكل وجهة » بالإضافة ، ونسب هذه القراءة أبو عمرو الداني إلى ابن عباس . قال في الكشاف والمعنى وكل وجهة الله موليها ، فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك لزيد ضربت ، ولزيد أبوه ضاربه . انتهى . وقرأ ابن عباس ، وابن عامر « مولاها » على ما لم يسمّ فاعله . قال الزجاج والضمير على هذه القراءة لواحد أي ولكل واحد من الناس قبلة الواحد مولاها أي مصروف إليها . وقوله { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } أي إلى الخيرات على الحذف ، والإيصال أي بادروا إلى ما أمركم الله من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق ، وإن كان ظاهره الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خير كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات ، والمراد من الاستباق إلى الاستقبال الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها . ومعنى قوله { أَيْنَمَا تَكُونُواْ * يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ } أي في أيّ جهة من الجهات المختلفة تكونوا يأت بكم الله للجزاء يوم القيامة ، أو يجمعكم جميعاً ، ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة ، وقوله { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ } كرّر سبحانه هذا لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة ، وللاهتمام به ، لأن موقع التحويل كان معتنى به في نفوسهم ، وقيل وجه التكرير أن النسخ من مظانّ الفتنة ، ومواطن الشبهة ، فإذا سمعوه مرّة بعد أخرى ثبتوا ، واندفع ما يختلج في صدورهم ، وقيل إنه كرّر هذا الحكم لتعدد علله ، فإنه سبحانه ذكر للتحويل ثلاث علل الأول ابتغاء مرضاته ، والثانية جرى العادة الإلهية أن يولى كل أهل ملة ، وصاحب دعوة جهة يستقلّ بها ، والثالثة دفع حجج المخالفين ، فقرن بكل علة معلولها ، وقيل أراد بالأول ولّ وجهك شطر الكعبة إذا صليت تلقاءها ، ثم قال وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة ، وغيرها ، فولوا وجوهكم شطره ، ثم قال { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ } يعني وجوب الاستقبال في الأسفار ، فكان هذا أمر بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواطن من نواحي الأرض . وقوله { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } قيل معناه لئلا يكون لليهود عليكم حجة إلا للمعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه فعلى هذا المراد بالذين ظلموا المعاندون من أهل الكتاب ، وقيل هم مشركو العرب ، وحجتهم قولهم راجعت قبلتنا ، وقيل معناه لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم قد أمرتم باستقبال الكعبة ، ولستم ترونها . وقال أبو عبيدة إنّ إلا ها هنا بمعنى الواو أي والذين ظلموا ، فهو استثناء بمعنى الواو ، ومنه قول الشاعر @ ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا @@ كأنه قال إلا دار الخليفة ودار مروان ، وأبطل الزجاج هذا القول ، وقال إنه استثناء منقطع أي لكن الذين ظلموا منهم ، فإنهم يحتجون ، ومعناه إلا من ظلم باحتجاجه ، فيما قد وضح له كما تقول مالك عليّ حجة إلا أن تظلمني أي مالك عليّ حجة البتة ، ولكنك تظلمني ، وسمي ظلمه حجة لأن المحتجّ بها سماه حجة ، وإن كانت داحضة . وقال قطرب يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا ، فالذين بدل من الكاف ، والميم في عليكم . ورجح ابن جرير الطبري أن الاستثناء متصل ، وقال نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه في استقبالهم الكعبة ، والمعنى لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة حيث قالوا ما ولاهم ، وقالوا إن محمداً تحير في دينه ، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا أهدى منه . وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن ، أو من يهوديّ ، أو منافق . قال والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة ، والمجادلة ، وسماها تعالى حجة ، وحكم بفسادها حيث كانت من ظالم . ورجح ابن عطية أن الاستثناء منقطع ، كما قال الزجاج . قال القرطبي وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ، ثم استثنى كفار العرب كأنه قال لكن الذين ظلموا في قولهم رجع محمد إلى قبلتنا ، وسيرجع إلى ديننا كله . وقوله { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } يريد الناس أي لا تخافوا مطاعنهم ، فإنها داحضة باطلة لا تضركم . وقوله { وَلاِتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ } معطوف على { لِئَلاَّ يَكُونَ } أي ولأن أتمّ قاله الأخفش ، وقيل هو مقطوع عما قبله في موضع رفع بالابتداء ، والخبر مضمر ، والتقدير ولأتمّ نعمتي عليكم عرّفتكم قبلتي قاله الزجاج ، وقيل معطوف على علة مقدرة كأنه قيل واخشوني لأوفقكم ، ولأتمّ نعمتي عليكم . وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة ، وقيل دخول الجنة . وقوله { كَمَا أَرْسَلْنَا } الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف . والمعنى ولأتم نعمتي عليكم إتماماً مثل ما أرسلنا قاله الفراء ، ورجحه ابن عطية . وقيل الكاف في موضع نصب على الحال ، والمعنى ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال ، والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة . وقيل معنى الكلام على التقديم والتأخير أي فاذكروني كما أرسلنا قاله الزجاج . وقوله { فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ } أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة . قال سعيد بن جبير ومعنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب ، والمغفرة حكاه عنه القرطبي في تفسيره ، وأخرجه عنه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وقد روى نحوه مرفوعاً كما سيأتي . وقوله { وَٱشْكُرُواْ لِي } قال الفراء شكر لك وشكرت لك . والشكر معرفة الإحسان ، والتحدّث به ، وأصله في اللغة الطهور . وقد تقدّم الكلام فيه . وقوله { وَلاَ تَكْفُرُونِ } نهى ، ولذلك حذفت نون الجماعة ، وهذه الموجودة في الفعل هي نون المتكلم ، وحذفت الياء لأنها رأس آية ، وإثباتها حسن في غير القرآن . والكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب ، وقد تقدّم الكلام فيه . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا } قال يعني بذلك أهل الأديان ، يقول لكل قبلة يرضونها . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في تفسير هذه الآية صلوا نحو بيت المقدس مرة ، ونحو الكعبة مرة أخرى . وأخرج أبو داود في ناسخه ، عن قتادة نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } يقول لا تغلبنّ على قبلتكم . وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } قال الأعمال الصالحة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } يقول فسارعوا في الخيرات { أَيْنَمَا تَكُونُواْ * يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا } قال يوم القيامة . وأخرج ابن جرير ، من طريق السدّي ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة قال لما صرف النبي صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة تحير على محمد دينه ، فتوجه بقبلته إليكم ، وعلم أنكم أهدى منه سبيلاً ، ويوشك أن يدخل في دينكم ، فأنزل الله { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِى } وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } قال يعني بذلك أهل الكتاب حين صرف نبي الله إلى الكعبة قالوا اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ، ودين قومه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد قال حجتهم قولهم قد أحبّ قبلتنا ، وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة ، ومجاهد في قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } قال الذين ظلموا منهم مشركو قريش أنهم سيحتجون بذلك عليكم ، واحتجوا على نبيّ الله بانصرافه إلى البيت الحرام ، وقالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا ، فأنزل الله في ذلك كله { تَكْفُرُونِ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } البقرة 153 . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ } يقول كما فعلت فاذكروني . وأخرج أبو الشيخ ، والديلمي من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ يقول اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي " . وأخرج الديلمي ، وابن عساكر مثله مرفوعاً من حديث أبي هند الداري وزاد " فمن ذكرني ، وهو مطيع ، فحق عليّ أن أذكره بمغفرتي ، ومن ذكرني ، وهو لي عاص ، فحق عليّ أن أذكره بمقت " . وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس يقول الله ذكرى لكم خير من ذكركم لي . وقد ورد في فضل ذكر الله على الإطلاق ، وفضل الشكر أحاديث كثيرة .