Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 158-158)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الصفا } في اللغة الحجر الأملس ، وهو هنا علم لجبل من جبال مكة معروف ، وكذلك { المروة } عَلَمُ لجبل بمكة معروف ، وأصلها في اللغة واحدة المروى ، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين . وقيل التي فيها صلابة ، وقيل تعم الجميع . قال أبو ذؤيب @ حَتَّى كأنِّي لِلْحَوادِثِ مَرْوَة بِصَفَا المُشَقَّر كُلَّ يوم تُقْرَعُ @@ وقيل إنها الحجارة البيض البراقة . وقيل إنها الحجارة السود . والشعائر جمع شعيرة ، وهي العلامة ، أي من أعلام مناسكه ، والمراد بها مواضع العبادة التي أشعرها الله إعلاماً للناس من الموقف ، والسعي ، والمنحر ، ومنه إشعار الهدى ، أي إعلامه بغرز حديدة في سنامه ، ومنه قول الكميت @ نُقَتِّلُهُمْ جِيَلا فجيلاً تَرَاهُمُ شَعَائِر قُرْبَانٍ بِهِمْ يُتَقَرَّبُ @@ وحجّ البيت في اللغة قصده ، ومنه قول الشاعر @ وأشْهَد مِنْ عوف حُلُولاً كَثِيرةً يَحجُّونَ سِبَّ الزِّبْرقَانِ المُزَعْفَرا @@ والسب العمامة وفي الشرع الإتيان بمناسك الحج التي شرعها الله سبحانه . والعمرة في اللغة الزيارة . وفي الشرع الإتيان بالنسك المعروف على الصفة الثابتة ، والجناح أصله من الجنوح ، وهو الميل ، ومنه الجوانح لاعوجاجها . وقوله { يَطَّوَّفَ } أصله يتطوف ، فأدغم . وقرىء « أن يطوف » ، ورفع الجناح يدل على عدم الوجوب ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري . وحكى الزمخشري في الكشاف عن أبي حنيفة ، أنه يقول إنه واجب ، وليس بركن ، وعلى تاركه دم . وقد ذهب إلى عدم الوجوب ابن عباس ، وابن الزبير وأنس بن مالك ، وابن سيرين ، ومما يقوّي دلالة هذه الآية على عدم الوجوب قوله تعالى في آخر الآية { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } وذهب الجمهور إلى أن السعي واجب ، ونسك من جملة المناسك ، واستدلوا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة أن عروة قال لها أرأيت قول الله { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } فما أرى على أحد جناحاً أن لا يطوّف بهما ؟ فقالت عائشة بئس ما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أوّلتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية ، التي كانوا يعبدونها ، وكان مَنْ أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصفا ، والمروة في الجاهلية . فأنزل الله { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } الآية ، قالت عائشة ثم قد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما . وأخرج مسلم ، وغيره عنها أنها قالت لعمري ما أتمّ الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ، ولا عمرته لأن الله قال { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } . وأخرج الطبراني ، عن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال " إن الله كتب عليكم السعي ، فاسعوا " وأخرج أحمد في مسنده ، والشافعي ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وابن قانع ، والبيهقي عن حبيبة بنت أبي تُجْرَأة قالت « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا ، والمروة ، والناس بين يديه ، وهو وراءهم يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول " اسعوا ، فإن الله عزّ وجلّ كتب عليكم السعي " وهو في مسند أحمد ، من طريق شيخه عبد الله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عنها ، ورواه من طريق أخرى عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة ، عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها ، فذكرته . ويؤيد ذلك حديث " خذوا عني مناسككم " .