Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 159-163)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } إلى آخر الآية فيه الإخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون ، واختلفوا مَن المراد بذلك ؟ فقيل أحبار اليهود ، ورهبان النصارى ، الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل كل من كتم الحق ، وترك بيان ما أوجب الله بيانه ، وهو الراجح لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول ، فعلى فرض أن سبب النزول ما وقع من اليهود ، والنصارى من الكتم ، فلا ينافي ذلك تناول هذه الآية كل من كتم الحق . وفي هذه الآية من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره ، فإن من لعنه الله ، ولعنه كل من يتأتي منه اللعن من عباده ، قد بلغ من الشقاوة ، والخسران إلى الغاية التي لا تلحق ، ولا يدرك كنهها . وفي قوله { مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ } دليل على أنه يجوز كتم غير ذلك ، كما قال أبو هريرة « حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاءين أما أحدهما ، فبثثته ، وأما الآخر ، فلو بثثته قطع هذا البلعوم » أخرجه البخاري . والضمير في قوله { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ } راجع إلى ما أنزلنا . والكتاب اسم جنس ، وتعريفه يفيد شموله لجميع الكتب . وقيل المراد به التوراة . واللعن الإبعاد والطرد . والمراد بقوله { ٱللَّـٰعِنُونَ } الملائكة ، والمؤمنون قاله ، الزجاج وغيره ، ورجحه ابن عطية . وقيل كل من يتأتى منه اللعن ، فيدخل في ذلك الجن وقيل هم الحشرات والبهائم . وقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } الخ ، فيه استثناء التائبين ، والمصلحين لما فسد من أعمالهم ، والمبينين للناس ما بينه الله في كتبه ، وعلى ألسن رسله . قوله { وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } هذه الجملة حالية ، وقد استدل بذلك على أنه لا يجوز لعن كافر معين لأن حاله عند الوفاة لا يعلم ، ولا ينافي ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لعنه لقوم من الكفار بأعيانهم لأنه يعلم بالوحي ما لا نعلم ، وقيل يجوز لعنه عملاً بظاهر الحال كما يجوز قتاله . قوله { أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ } الخ ، استدل به على جواز لعن الكفار على العموم . قال القرطبي ولا خلاف في ذلك . قال وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر بل هو جزاء على الكفر ، وإظهار قبح كفره ، سواء كان الكافر عاقلاً ، أو مجنوناً . وقال قوم من السلف لا فائدة في لعن من جُنّ ، أو مات منهم لا بطريق الجزاء ، ولا بطريق الزجر . قال ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الإخبار عن الله ، والملائكة ، والناس بلعنهم ، لا على الأمر به . قال ابن العربي إن لعن العاصي المعين لا يجوز باتفاق ، لما روى « أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتى بشارب خمر مراراً ، فقال بعض من حضر لعنه الله ما أكثر ما يشربه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم " والحديث في الصحيحين . وقوله { وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } قيل هذا يوم القيامة ، وأما في الدنيا ففي الناس المسلم ، والكافر ، ومن يعلم بالعاصي ، ومعصيته ومن لا يعلم ، فلا يتأتى اللعن له من جميع الناس . وقيل في الدنيا ، والمراد أنه يلعنه غالب الناس ، أو كل من علم بمعصيته منهم . وقوله { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أي في النار . وقيل في اللعنة . والإنظار الإمهال ، وقيل معنى لا ينظرون لا ينظر الله إليهم ، فهو من النظر . وقيل هو من الانتظار ، أي لا ينتظرون ليعتذروا ، وقد تقدّم تفسير { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } . وقوله { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } فيه الإرشاد إلى التوحيد ، وقطع علائق الشرك ، والإشارة إلى أن أوّل ما يجب بيانه ، ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد . وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة ، وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل ، وخارجة ابن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج ، نفراً من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه ، وأبوا أن يخبروهم ، فأنزل الله فيهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا } الآية . وقد روي عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوّة نبينا صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن ماجه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن البراء بن عازب قال كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم . فقال " إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه ، فتسمعه كل دابة غير الثقلين ، فتلعنه كل دابة سمعت صوته ، فذلك قول الله تعالى { وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ } يعني دوابّ الأرض " وأخرج عبد بن حميد ، عن عطاء قال الجنّ ، والإنس ، وكل دابة . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن مجاهد قال إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم . وأخرج عنه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان قال في تفسير الآية إن دوابّ الأرض ، والعقارب ، والخنافس يقولون إنما مُنِعْنا القطْرَ بذنوبهم ، فيلعنونهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عكرمة نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي جعفر قال يلعنهم كل شيء حتى الخنفساء . وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم ، والوعيد لفاعله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ } قال أصلحوا ما بينهم ، وبين الله . وبينوا الذي جاءهم من الله ، ولم يكتموه ، ولم يجحدوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } يعني أتجاوز عنهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال إن الكافر يوقف يوم القيامة ، فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال يعني بالناس أجمعين المؤمنين . وأخرج ابن جرير ، عن أبي العالية في قوله { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يقول خالدين في جهنم في اللعنة . وقال في قوله { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } يقول لا ينظرون ، فيعتذرون . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } قال لا يؤخرون . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والدارمي ، وأبو داود ، والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } و { الم * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } " آل عمران 1 ــ 2 . وأخرج الديلمي ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس شيء أشدّ على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } " الآيتين .