Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 164-164)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } عقب ذلك بالدليل الدالّ عليه ، وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم ، مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشيء منها ، أو يقتدر عليه ، أو على بعضه ، وهي خلق السموات ، وخلق الأرض ، وتعاقب الليل والنهار ، وجرى الفلك في البحر ، وإنزال المطر من السماء ، وإحياء الأرض به ، وبثّ الدوابّ منها بسببه ، وتصريف الرياح ، فإن من أمعن نظره ، وأعمل فكره في واحد منها انبهر له ، وضاق ذهنه عن تصوّر حقيقته . وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه ، وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة ، كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ، ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد ، وهو التراب . والمراد باختلاف الليل ، والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما ، وإدبار الآخر ، وإضاءة أحدهما ، وإظلام الآخر . والنهار ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس . وقال النضر بن شميل أوّل النهار طلوع الشمس ، ولا يعدّ ما قبل ذلك من النهار . وكذا قال ثعلب ، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت @ والشَّمْسُ تَطْلع كلَّ آخر لَيْلةٍ حمراء يُصْبح لوْنُهَا يتورَّدُ @@ وكذا قال الزجاج . وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام قسماً جعله ليلاً محضاً ، وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وقسماً جعله نهاراً محضاً ، وهو من طلوع الشمس إلى غروبها . وقسماً جعله مشتركاً بين النهار والليل ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادىء ضوء النهار . هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة . وأما في الشرع فالكلام في ذلك معروف . والفلك السفن ، وإفراده ، وجمعه بلفظ واحد ، وهو هذا ، ويذكر ، ويؤنث . قال الله تعالى { فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } الشعراء 19 { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ } وقال { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } يونس 22 وقيل واحده فلَك بالتحريك ، مثل أسد وأسَد . وقوله { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } يحتمل أن تكون " ما " موصولة ، أي بالذي ينفعهم ، أو مصدرية ، أي بنفعهم ، والمراد بما أنزل من السماء المطر الذي به حياة العالم ، وإخراج النبات ، والأرزاق . والبثّ النشر ، والظاهر أن قوله { بَثَّ } معطوف على قوله { فَأَحْيَا } لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر . وقال في الكشاف إن الظاهر عطفه على أنزل . والمراد بتصريف الرياح إرسالها عقيماً ، وملقحة ، وصرّاً ، ونصراً ، وهلاكاً ، وحارة ، وباردة ، ولينة ، وعاصفة ، وقيل تصريفها إرسالها جنوباً ، وشمالاً ودَبُوراً ، وصباً ، ونكباً وهي التي تأتي بين مهبَّي ريحين ، وقيل تصريفها أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها ، والصغار كذلك ، ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر . والسحاب سمي سحاباً لانسحابه في الهواء ، وسحبت ذيلي سحباً ، وتسحب فلان على فلان اجترأ . والمسخر المذلل ، وسخره بعثه من مكان إلى آخر . وقيل تسخيره ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ، ولا علائق والأوّل أظهر . والآيات الدلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ، ويتفكر بعقله . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً نتقوى به على عدوّنا ، فأوحى الله إليه " إني معطيهم ، فأجعل لهم الصفار ذهباً ، ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين " ، فقال " ربّ ، دعني ، وقومي ، فأدعوهم يوماً بيوم ، " فأنزل الله هذه الآية . وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير . وأخرج وكيع ، والفريابي وآدم ابن أبي إياس ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال لما نزلت { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } عجب المشركون ، وقالوا إن محمداً يقول { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } فليأتنا بآية إن كان من الصادقين ، فأنزل الله { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عطاء نحوه . وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيل ، فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء ، فدلاها من قبل المغرب ، فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين ، وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة ، فإذا غربت جاء الليل ، فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجىء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء ، فيعلقها من قبل المطلع ، فإذا رآها شراهيل مدّ إليه خرزته ، وترى الشمس الخرزة البيضاء ، فتطلع ، وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها ، فإذا طلعت جاء النهار . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله { وَٱلْفُلْكِ } قال السفينة . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال { بَثَّ } خلق ، وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وَتَصْرِيفِ ٱلرّيَاحِ } قال إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ، وبشراً بين يدي رحمته ، وإذا شاء جعلها عذاباً ريحاً عقيماً لا تلقح . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح ، فهي رحمة ، وكل شيء في القرآن من الريح ، فهي عذاب . وقد ورد في النهي عن سبّ الريح ، وأوصافها أحاديث كثيرة لا تعلق لها بالآية .