Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 168-171)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } قيل إنها نزلت في ثقيف ، وخزاعة ، وبني مدلج فيما حرّموه على أنفسهم من الأنعام . حكاه القرطبي في تفسيره ، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقوله { حَلَـٰلاً } مفعول ، أو حال ، وسمي الحلال حلالاً لانحلال عقدة الحظر عنه . والطِّيب هنا هو المُسْتَلَذّ كما قاله الشافعي ، وغيره . وقال مالك ، وغيره هو الحلال ، فيكون تأكيداً لقوله { حَلَـٰلاً } . و " منْ " في قوله { مِمَّا فِى ٱلأرْضِ } للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام { خطوات } جمع خُطْوة بالفتح ، والضم ، وهي بالفتح للمرة ، وبالضم لما بين القدمين . وقرأ القراء " خَطوات " بفتح الخاء ، وقرأ أبو سماك بفتح الخاء ، والطاء ، وقرأ عليّ ، وقتادة ، والأعرج ، وعمرو بن ميمون ، والأعمش « خُطؤات » بضم الخاء ، والطاء ، والهمز على الواو . قال الأخفش وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خَطية من الخطأ لا من الخطو . قال الجوهري والخطوة بالفتح المرة الواحدة ، والجمع خطوات ، وخطا . انتهى . والمعنى على قراءة الجمهور لا تَقْفُوا أثر الشيطان ، وعمله ، وكلُّ ما لم يرد به الشرع ، فهو منسوب إلى الشيطان ، وقيل هي النذور ، في المعاصي ، والأول التعميم ، وعدم التخصيص بفرد ، أو نوع . وقوله { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي ظاهر العداوة ، ومثله قوله تعالى { إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } القصص 15 وقوله { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } فاطر 6 وقوله { بِٱلسُّوء } سمي السوء سوءاً لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته ، وهو مصدر ساءه يسوؤه سوءاً ، ومساءة إذا أحزنه . { وَٱلْفَحْشَاء } أصله سوء المنظر ، ومنه قول الشاعر @ وَجِيدٍ كَجِيد الرِّئم لَيْسَ بِفَاحِشٍ @@ ثم استعمل فيما يقبح من المعاني ، وقيل السوء والقبيح ، والفحشاء التجاوز للحدّ في القبح ، وقيل السوء ما لا حدَّ فيه ، والفحشاء ما فيه الحدّ ، وقيل الفحشاء الزنا . وقيل إن كل ما نهت عنه الشريعة ، فهو من الفحشاء . وقوله { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال ابن جرير الطبري يريد ما حرّموه من البحيرة ، والسائبة ، ونحوهما ، مما جعلوه شرعاً . وقيل هو قولهم هذا حلال ، وهذا حرام ، بغير علم . والظاهر أنه يصدق على كل ما قيل في الشرع بغير علم ، وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نصّ ، أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض ، فأصله الحلّ حتى يرد دليل يقتضي تحريمه ، وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأرْضِ } البقرة 29 والضمير في قوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } راجع إلى الناس لأن الكفار منهم ، وهم المقصودون هنا ، وقيل كفار العرب خاصة ، و { أَلْفَيْنَا } معناه وجدنا ، والألف في قوله { أوَ لو كان آباؤهم } للاستفهام ، وفتحت الواو لأنها واو العطف . وفي هذه الآية من الذم للمقلدين ، والنداء بجهلهم الفاحش ، واعتقادهم الفاسد ما لا يقادر قدره ، ومثل هذه الآية قوله تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } الآية المائدة 104 ، وفي ذلك دليل على قبح التقليد ، والمنع منه ، والبحث في ذلك يطول . وقد أفردتُه بمؤلَّفٍ مستقلّ سميته " القول المفيد في حكم التقليد " واستوفيت الكلام فيه في " أدب الطلب ومنتهى الأرب " . وقوله { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ } فيه تشبيه واعظ الكافرين ، وداعيهم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم ، أو الإبل ، فلا يسمع إلا دعاءً ، ونداءً ، ولا يفهم ما يقول ، هكذا فسره الزجاج ، والفراء ، وسيبويه ، وبه قال جماعة من السلف ، قال سيبويه لم يشبهوا بالناعق ، إنما شبهوا بالمنعوق به ، والمعنى مثلك يا محمد ، ومثل الذين كفروا ، كمثل الناعق ، والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم ، فحذف لدلالة المعنى عليه . وقال قُطْرُب المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم يعني الأصنام ، كمثل الراعي إذا نعق بغنمه ، وهو لا يدري أين هي . وبه قال ابن جرير الطبري . وقال ابن زيد المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل ، فيجيبه الصدى ، فهو يصيح بما لا يسمع ، ويجيبه ما لا حقيقة فيه . والنعيق زجر الغنم ، والصياح بها ، يقال نعق الراعي بغنمه ، ينعق نعيقاً ، ونعاقاً ، ونعقاناً أي صاح بها وزجرها ، والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ، ويقولون أجهل من راعي ضأن . وقوله { صُمٌّ } وما بعده إخبار لمبتدإ محذوف أي هم صمّ بكم عمي . وقد تقدم تفسير ذلك . وقد أخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال « تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم يعني { يـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلأرْضِ حَلَـٰلاً طَيّباً } فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال " يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ، فما يتقبل منه أربعين يوماً ، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحت ، والربا ، فالنار أولى به " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } قال عمله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه أنه قال « ما خالف القرآن ، فهو من خطوات الشيطان » وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد أنه قال خطاه . وأخرجا أيضاً ، عن عكرمة قال هي نزغات الشيطان . وأخرج أبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، قال هي تزيين الشيطان . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة قال كل معصية لله ، فهي من خطوات الشيطان . وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس قال ما كان من يمين ، أو نذر في غضب ، فهو من خطوات الشيطان ، وكفارته كفارة يمين . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود أنه أتى بضرع ، وملح ، فجعل يأكل ، فاعتزل رجل من القوم ، فقال ابن مسعود ناولوا صاحبكم . فقال لا أريد ، فقال أصائم أنت ؟ قال لا . قال فما شأنك ؟ قال حَرَّمْتُ على نفسي أن آكل ضرعاً ، فقال ابن مسعود هذا من خطوات الشيطان ، فأطْعَمْ ، وكفَرّ عن يمينك . وأخرج عبد بن حميد ، عن عثمان بن غياث ، قال سألت جابر بن زيد ، عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب ، فقال هي من خطوات الشيطان ، ولا يزال عاصياً لله ، فليكفر عن يمينه . وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن أنه جعل يمين من حلف أن يحجّ حبواً من خطوات الشيطان . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن أبي مجلز قال هي النذور في المعاصي . وأخرج ابن جرير ، عن السدي في قوله { إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوء } قال المعصية { وَٱلْفَحْشَاء } قال الزنا . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ، ورغّبهم فيه ، وحذَّرهم عذاب الله ، ونقمته ، فقال له رافع بن خارجة ، ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم ، وخيراً منا ، فأنزل الله في ذلك { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } وأخرج ابن جرير ، عن الربيع ، وقتادة في قوله { أَلْفَيْنَا } قالا وجدنا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية ، قال كمثل البقر والحمار والشاة ، إن قلت لبعضهم كلاماً لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر إن أمرتَه بخير ، أو نهيتَه عن شرٍّ ، أو وعظته لم يعقل ، ما تقول غير أنه يسمع صوتك . وروى نحو ذلك عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد ، وعن عكرمة ، أخرجه وكيع . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج قال قال لي عطاء في هذه الآية هم اليهود الذين أنزل الله فيهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } إلى قوله { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } .