Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 172-173)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } هذا تأكيد للأمر الأول أعني قوله { يـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلأرْضِ حَلَـٰلاً طَيّباً } وإنما خص المؤمنين هنا لكونهم أفضل أنواع الناس . وقيل والمراد بالأكل الانتفاع . وقيل المراد به الأكل المعتاد ، وهو الظاهر . قوله { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ } قد تقدّم أنه يقال شكره ، وشكر له يتعدى بنفسه ، وبالحرف . وقوله { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي تخصونه بالعبادة كما يفيده تقدّم المفعول . قوله { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ } قرأ أبو جعفر " حُرِّم " على البناء للمفعول ، و { إِنَّمَا } كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب ، وتنفي ما عداه . وقد حصرت ها هنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها . قوله { ٱلْمَيْتَةُ } قرأ ابن أبي عبلة بالرفع ، ووجه ذلك أنه يجعل « ما » في { إنما } موصولة منفصلة في الخط ، والميتة وما بعدها خبر الموصول ، وقراءة الجميع بالنصب . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " المِّيتة " بتشديد الياء ، وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في ميت التشديد والتخفيف . والميتة ما فارقها الروح من غير ذكاة . وقد خصص هذا العموم بمثل حديث « أحلّ لنا ميتتان ودمان » أخرجه أحمد ، وابن ماجه ، والدارقطني ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن ابن عمر مرفوعاً ، ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } المائدة 96 فالمراد بالميتة هنا ميتة البرّ لا ميتة البحر . وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها ، وميتها . وقال بعض أهل العلم إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر ، وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء . وقال ابن القاسم وأنا أتقيه ، ولا أراه حراماً . قوله { وَٱلدَّمَ } قد اتفق العلماء على أن الدم حرام ، وفي الآية الأخرى { أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا } الأنعام 145 فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم ، قال القرطبي بالإجماع . وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم ، فتعلو الصفرة على البُرْمَة من الدم ، فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينكره . قوله { وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ } ظاهر هذه الآية ، والآية الأخرى أعني قوله تعالى { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ اِلي مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ } الأنعام 145 أن المحرّم إنما هو اللحم فقط . وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم . وحكى القرطبي الإجماع أيضاً على أن جملة الخنزير محرّمة إلا الشعر ، فإنه تجوز الخرازة به . قوله { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } الإهلال رفع الصوت ، يقال أهلّ بكذا ، أي رفع صوته . قال الشاعر يصف فلاة @ تُهِلّ بالفَرْقَد رُكْبانُها كما يُهِلّ الراكبُ المُعتَمِر @@ وقال النابغة @ أو دُرةٌ صَدَفِيةٌ غَوّاصُها بَهِجٌ مَتَى يرها يُهِلّ ويَسجُد @@ ومنه إهلال الصبيّ ، واستهلاله ، وهو صياحه عند ولادته . والمراد هنا ما ذكر عليه اسم غير الله كاللات والعزّى ، إذا كان الذابح ، وثنياً ، والنار إذا كان الذابح مجوسياً . ولا خلاف في تحريم هذا ، وأمثاله ، ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم ، فإنه مما أهلّ به لغير الله ، ولا فرق بينه ، وبين الذبح للوثن . قوله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } قرىء بضم النون للاتباع ، وبكسرها على الأصل في التقاء الساكنين ، وفيه إضمار . أي فمن اضطرّ إلى شيء من هذه المحرمات . وقرأ ابن محيصن بإدغام الضاد في الطاء . وقرأ أبو السماك بكسر الطاء . والمراد مَنْ صيَّره الجوع ، والعدم إلى الاضطرار إلى الميتة . قوله { غَيْرَ بَاغٍ } نصب على الحال . قيل المراد بالباغي من يأكل فوق حاجته ، والعادي من يأكل هذه المحرمات ، وهو يجد عنها مندوحة ، وقيل غير باغٍ على المسلمين ، وعادٍ عليهم ، فيدخل في الباغي ، والعادي قطاع الطريق ، والخارج على السلطان ، وقاطع الرحم ، ونحوهم ، وقيل المراد غير باغٍ على مضطرٍّ آخر ، ولا عادٍ سدَّ الجوعة . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } قال من الحلال . وأخرج ابن سعد ، عن عمر بن عبد العزيز ، أن المراد بما في الآية طيب الكسب لا طيب الطعام . وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك أنها حلال الرزق . وأخرج أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين " فقال { يأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } المؤمنون 51 وقال { يـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } البقرة 172 " ثم ذكر الرجلَ يطيل السفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء يا ربّ يا ربّ ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذي بالحرام ، فأنى يستجاب له " وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَمَا أُهِلَّ } قال ذبح . وأخرج ابن جرير ، عنه قال { مَا أَهْل بِهِ } للطواغيت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال ما ذبح لغير الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية . قال ما ذكر عليه اسم غير الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } يقول من أكل شيئاً من هذه ، وهو مضطرّ ، فلا حرج ، ومن أكله ، وهو غير مضطرّ ، فقد بَغَى ، واعتدى . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عنه في قوله { غَيْرَ بَاغٍ } قال في الميتة { وَلاَ عَادٍ } قال في الأكل . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } قال غير باغ على المسلمين ، ولا مُعْتَد عليهم ، فمن خرج يقطع الرحم ، أو يقطع السبيل ، أو يفسد في الأرض ، أو مفارقاً للجماعة ، والأئمة ، أو خرج في معصية الله ، فاضطرّ إلى الميتة لم تحلّ له . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، قال العادي الذي يقطع الطريق . وقوله { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } يعني في أكله { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن أكل من الحرام ، رحيم به إذ أحلّ له الحرام في الاضطرار . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } في أكله ، ولا عادٍ يتعدى الحلال إلى الحرام ، وهو يجد عنه بُلْغَةً ، ومندوحة .