Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 174-176)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } قيل المراد بهذه الآية علماء اليهود لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم . والاشتراء هنا الاستبدال ، وقد تقدّم تحقيقه ، وسماه قليلاً لانقطاع مدّته وسوء عاقبته ، وهذا السبب ، وإن كان خاصاً ، فالاعتبار بعموم اللفظ ، وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله ، وأخذ عليه الرشا ، وذكر البطون دلالة ، وتأكيداً أن هذا الأكل حقيقة ، إذ قد يستعمل مجازاً في مثل أكل فلان أرضى ، ونحوه ، وقال في الكشاف إن معنى { فِي بُطُونِهِمْ } ملء بطونهم قال يقول أكل فلان في بطنه ، وأكل في بعض بطنه . انتهى . وقوله { إِلاَّ ٱلنَّارُ } أي أنه يوجب عليهم عذاب النار ، فسمى ما أكلوه ناراً لأنه يؤول بهم إليها ، هكذا قال أكثر المفسرين ، وقيل إنهم يعاقبون على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ، ومثله قوله سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } النساء 10 وقوله { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } فيه كناية عن حلول غضب الله عليهم ، وعدم الرضا عنهم ، يقال فلان لا يكلم فلاناً إذا غضب عليه . وقال ابن جرير الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه لا بما يكرهونه . كقوله تعالى { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } المؤمنون 108 ، وقوله { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } معناه لا يثنى عليهم خيراً . قاله الزجاج . وقيل معناه لا يصلح أعمالهم الخبيثة ، فيطهرهم . وقوله { ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } قد تقدّم تحقيق معناه . وقوله { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } ذهب الجمهور ومنهم الحسن ومجاهد إلى أن معناه التعجب ، والمراد تعجيب المخلوقين من حال هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار ، فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب صبروا على العقوبة في نار جهنم . وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار ، من قولهم ما أصبر فلاناً على الحبس ، أي ما أبقاه فيه ، وقيل المعنى ما أقلّ جزعهم من النار ، فجعل قلة الجزع صبراً . وقال الكسائي وقُطْرُب أي ما أدومهم على عمل أهل النار . وقيل « ما » استفهامية ، ومعناه التوبيخ أي أيّ شيء أصبرهم على عمل النار . قاله ابن عباس ، والسدي ، وعطاء ، وأبو عبيدة . { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ } الإشارة باسم الإشارة إلى الأمر ، أي ذلك الأمر ، وهو العذاب . قاله الزجاج . وقال الأخفش إن خبر اسم الإشارة محذوف ، والتقدير ذلك معلوم . والمراد بالكتاب هنا القرآن ، { بِٱلْحَقّ } أي بالصدق . وقيل بالحجة . وقوله { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } قيل المراد بالكتاب هنا التوراة ، فادّعى النصارى أن فيها صفة عيسى ، وأنكرهم اليهود ، وقيل خالفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم واختلفوا فيها . وقيل المراد القرآن ، والذين اختلفوا كفار قريش ، يقول بعضهم هو سحر ، وبعضهم يقول هو أساطير الأوّلين ، وبعضهم يقول غير ذلك . { لَفِى شِقَاقٍ } أي خلاف { بَعِيدٍ } عن الحق ، وقد تقدم معنى الشقاق . وقد أخرج ابن جرير ، عن عكرمة في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } قال نزلت في يهود . وأخرج ابن جرير ، عن السدي قال كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا عليه طمعاً قليلاً . وأخرج ابن جرير ، أيضاً عن أبي العالية نحوه . وأخرج الثعلبي ، عن ابن عباس بسندين ضعيفين أنها نزلت في اليهود . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } قال اختاروا الضلالة على الهدى ، والعذاب على المغفرة { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } قال ما أجرأهم على عمل النار ، وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد ابن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } قال ما أعملهم بأعمال أهل النار . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن الحسن في قوله { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } قال والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن يقول ما أجرأهم على النار . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة ونحوه . وأخرج ابن جرير أيضاً عن السدي في الآية قال هذا على وجه الاستفهام ، يقول ما الذي أصبرهم على النار ؟ وقوله { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } قال هم اليهود والنصارى { لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } قال في عداوة بعيدة .