Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 180-182)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدّم معنى { كتب } قريباً ، وحضور الموت حضور أسبابه ، وظهور علاماته ، ومنه قول عنترة @ وإنَّ الموْتَ طَوعُ يَدي إذَا مَا وَصِلْتُ بَنَانهـا بالهنِدوانِي @@ وقال جرير @ أنَا المْوتَ الَّذي حُدِّثْتَ عَنْه فَلَيْس لِهَارب منِّي نَجَاةُ @@ وإنما لم يؤنث الفعل المسند إلى الوصية ، وهو { كتب } لوجود الفاصل بينهما ، وقيل لأنها بمعنى الإيصاء ، وقد روي جواز إسناد ما لا تأنيث فيه إلى المؤنث مع عدم الفصل . وقد حكى سيبويه قام امرأة ، وهو خلاف ما أطبق عليه أئمة العربية ، وشرط سبحانه ما كتبه من الوصية بأن يترك الموصي خيراً . واختلف في جواب هذا الشرط ما هو ؟ فروي عن الأخفش ، وجهان أحدهما أن التقدير إن ترك خيراً ، فالوصية ، ثم حذفت الفاء كما قال الشاعر @ مَنْ يَفْعَل الحسَنَاتِ الله يَشْكُرها والشَّرّ بالشرّ عِنْد اللهِ مِثلانِ @@ والثاني أن جوابه مقدّر قبله أي كتب الوصية للوالدين ، والأقربين إن ترك خيراً . واختلف أهل العلم في مقدار الخير ، فقيل ما زاد على سبعمائة دينار ، وقيل ألف دينار ، وقيل ما زاد على خمسمائة دينار . والوصية في الأصل عبارة عن الأمر بالشيء ، والعهد به في الحياة ، وبعد الموت ، وهي هنا عبارة عن الأمر بالشيء لبعد الموت . وقد اتفق أهل العلم على وجوب الوصية على من عليه دين ، أو عنده وديعة ، أو نحوها . وأما من لم يكن كذلك ، فذهب أكثرهم إلى أنها غير واجبة عليه سواء كان فقيراً ، أو غنياً ، وقالت طائفة إنها واجبة ، ولم يبين الله سبحانه ها هنا القدر الذي كتب الوصية به للوالدين ، والأقربين ، فقيل الخمس . وقيل الربع . وقيل الثلث . وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فذهب جماعة إلى أنها محكمة ، قالوا وهي ، وإن كانت عامة فمعناها الخصوص . والمراد بها من الوالدين مَنْ لا يرث كالأبوين الكافرين ، ومَنْ هو في الرقّ ، ومن الأقربين من عدا الورثة منهم . قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين الذين لا يرثان ، والأقرباء الذين لا يرثون جائزة . وقال كثير من أهل العلم إنها منسوخة بآية المواريث مع قوله صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وهو حديث صححه بعض أهل الحديث ، وروي من غير وجه . وقال بعض أهل العلم إنه نسخ الوجوب ، وبقي الندب ، وروي عن الشعبي ، والنخعي ، ومالك ، قوله { بِٱلْمَعْرُوفِ } ، أي العدل لا وكس فيه ، ولا شطط . وقد أذن الله للميت بالثلث دون ما زاد عليه . وقوله { حَقّاً } ، مصدر معناه الثبوت ، والوجوب . قوله { فَمَن بَدَّلَهُ } هذا الضمير عائد إلى الإيصاء المفهوم من الوصية ، وكذلك الضمير في قوله { سَمِعَهُ } ، والتبديل التغيير ، والضمير في قوله { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ } راجع إلى التبديل المفهوم من قوله { بَدَّلَهُ } وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق ، التي لا جَنَف فيها ولا مضارَّة ، وأنه يبوء بالإثم ، وليس على الموصي من ذلك شيء ، فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به . قال القرطبي ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز ، مثل أن يوصي بخمر ، أو خنزير ، أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ، ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث . قاله أبو عمر . انتهى . والجنف المجاوزة ، من جنف يجنف إذا جاوز ، قاله النحاس ، وقيل الجنف الميل ، ومنه قول الأعشى @ تَجَانَفُ عن حجر اليمامة ناقتى وَمَا قَصَدتْ من أهلها لسَوائكا @@ قال في الصحاح الجنف الميل ، وكذا في الكشاف . وقال لبيد @ إني امرُؤٌ مَنعتْ أرُومة عَامر ضَيْمِي وَقَدْ جَنَفَتْ عليّ خُصَومِي @@ وقوله { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } أي أصلح ما وقع بين الورثة من الشقاق ، والاضطراب بسبب الوصية بإبطال ما فيه ضرار ، ومخالفة لما شرعه الله ، وإثبات ما هو حق كالوصية في قربة لغير وارث ، والضمير في قوله { بَيْنَهُمْ } راجع إلى الورثة ، وإن لم يتقدم لهم ذكر لأنه قد عرف أنهم المرادون من السياق . وقيل راجع إلى الموصي لهم ، وهم الأبوان والقرابة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { إِن تَرَكَ خَيْرًا } قال مالاً . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد نحوه ، وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس قال من لم يترك ستين ديناراً لم يترك خيراً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في سننه عن عروة ، أن عليّ بن أبي طالب دخل على مولى لهم في البيت ، وله سبعمائة درهم ، أو ستمائة درهم فقال ألا أوصي ؟ قال لا ؟ إنما قال الله { إِن تَرَكَ خَيْرًا } وليس لك كثير مال فدع مالك لورثتك . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن عائشة ، أن رجلاً قال لها أريد أن أوصي قالت كم مالك ؟ قال ثلاثة آلاف . قالت كم عيالك ؟ قال أربعة ، قالت قال الله { إِن تَرَكَ خَيْرًا } وإن هذا شيء يسير ، فاتركه لعيالك ، فهو أفضل . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، والبيهقي عن ابن عباس قال إذا ترك الميت سبعمائة درهم ، فلا يوصي . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن الزهري . قال جعل الله الوصية حقاً مما قل منه ، ومما كثر ، وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر حديثاً ، وفيه " انظر قرابتك الذين يحتاجون ، ولا يرثون ، فأوص لهم من مالك بالمعروف " وأخرجا أيضاً ، عن طاوس قال من أوصى لقوم ، وسماهم ، وترك ذوي قرابته . محتاجين انتزعت منهم ، وردت على قرابته ، وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في الناسخ ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس قال نسخت هذه الآية . وأخرج عنه من وجه آخر أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم أن هذه الآية نسخها قوله تعالى { لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأقْرَبُونَ } الآية النساء 7 . وأخرج عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم أنها منسوخة بآية الميراث . وأخرج عنه أبو داود في سننه ، والبيهقي مثله . وأخرج ابن جرير عنه أنه قال في الآية نسخ من يرث ، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عمر أنه قال هذه الآية نسختها آية الميراث . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَمَنْ بَدَّلَهُ } الآية ، قال وقد وقع أجر الموصي على الله ، وبرىء من إثمه ، وقال في قوله { جَنَفًا } يعني إثماً { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } قال إذا أخطأ الميت في وصيته ، أو حاف فيها ، فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه لكنه فسر الجنف بالميل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { جَنَفًا أَوْ إِثْمًا } قال خطأ ، أو عمداً . وأخرج سعيد بن منصور ، والبيهقي في سننه عنه قال الجنف في الوصية ، والإضرار فيها من الكبائر .