Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 190-193)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعاً قبل الهجرة لقوله تعالى { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } المائدة 13 وقوله { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } المزمل 10 وقوله { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } الغاشية 22 وقوله { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } المؤمنون 96 ونحو ذلك مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ، ونزلت هذه الآية ، وقيل إن أوّل ما نزل قوله تعالى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } الحج 39 فلما نزلت الآية كان صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ، ويكفّ عمن كفّ عنه حتى نزل قوله تعالى { ٱفاقتلوا المشركين } التوبة 5 وقوله تعالى { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } التوبة 36 . وقال جماعة من السلف إن المراد بقوله { الذين يقاتلونكم } من عدا النساء ، والصبيان ، والرهبان ، ونحوهم ، وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة ، والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأوّل هو مقاتلة من يقاتل من الطوائف الكفرية . والمراد به على القول الثاني مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدّم ذكره . قوله { حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } يقال ثقف يثقف ثقفاً ، ورجل ثقيف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور . قال في الكشاف والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة ، ومنه رجل ثقف سريع الأخذ لأقرانه . انتهى . ومنه قول حسان @ فإما يثقفنّ بني لؤى جذيمة إنّ قتلهم دواء @@ قوله { وَأَخْرِجُوهُمْ مّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي مكة . قال ابن جرير الخطاب للمهاجرين ، والضمير لكفار قريش . انتهى . وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه ، فأخرج من مكة مَن لم يُسلم عند أن فتحها الله عليه . قوله { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي الفتنة التي أرادوا أن يفتنوكم ، وهي رجوعكم إلى الكفر أشدّ من القتل . وقيل المراد بالفتنة المحنة التي تنزل بالإنسان في نفسه ، أو ماله ، أو اهله ، أو عرضه ، وقيل إن المراد بالفتنة الشرك الذي عليه المشركون لأنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ، فأخبرهم الله أن الشرك الذي هم عليه أشدّ مما يستعظمونه ، وقيل المراد فتنتهم إياكم بصدّكم عن المسجد الحرام اشدّ من قتلكم إياهم في الحرم ، أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم . والظاهر أن المراد الفتنة في الدين بأيّ سبب كان ، وعلى أيّ صورة اتفقت ، فإنها أشدّ من القتل . قوله { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الآية . اختلف أهل العلم في ذلك ، فذهبت طائفة إلى أنها محكمة ، وأنه لا يجوز القتال في الحرم ، إلا بعد أن يتعدّى بالقتال فيه ، فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة له ، وهذا هو الحق . وقالت طائفة إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 36 ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع ممكن ببناء العام على الخاص ، فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم ، ومما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إنها لم تحلّ لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار " وهو في الصحيح . وقد احتجَ القائلون بالنسخ بقتله صلى الله عليه وسلم لابن خَطَل ، وهو متعلق بأستار الكعبة ويجاب عنه ، بأنه وقع في تلك الساعة التي أحلّ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم . قوله { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } أي عن قتالكم ، ودخلوا في الإسلام . قوله { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي أن لا تكون فتنة ، وأن يكون الدين لله ، وهو الدخول في الإسلام ، والخروج عن سائر الأديان المخالفة له ، فمن دخل في الإسلام ، وأقلع عن الشرك لم يحلّ قتاله . قيل المراد بالفتنة هنا الشرك ، والظاهر أنها الفتنة في الدين على عمومها كما سلف . قوله { فَلاَ عُدْوٰنَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي لا تعتدوا إلا على من ظلم ، وهو من لم ينته عن الفتنة ، ولم يدخل في الإسلام ، وإنما سمي جزاء الظالمين عدواناً مشاكلة كقوله تعالى { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } الشورى 4 . وقوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } البقرة 194 . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قوله تعالى { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية أنها أوّل آية نزلت في القتال بالمدينة ، فلما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله ، ويكفّ عمن كفّ عنه ، حتى نزلت سورة براءة . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في هذه الآية قال إن أصحاب محمد أمروا بقتال الكفار . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَعْتَدُواْ } يقول لا تقتلوا النساء ، والصبيان ، والشيخ الكبير ، ولا من ألقى السلم وكفّ يده ، فإن فعلتم ، فقد اعتديتم . وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز أنه قال إن هذه الآية في النساء ، والذرية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } يقول الشرك أشدّ من القتل . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في الآية قال ارتداد المؤمن إلى الوثن أشدّ عليه من أن يقتل محقاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ } قال حتى يبدءوا بالقتال ، ثم نسخ بعد ذلك فقال { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه عن قتادة أن قوله { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وقوله { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } البقرة 217 فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعاً في براءة قوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً } التوبة 36 وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد في قوله { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } قال فإن تابوا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس في قوله { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } يقول شرك بالله { وَيَكُونَ الدّينُ } ويخلص التوحيد لله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في الآية ، قال الشرك . وقوله { فَإِنِ ٱنتَهَواْ فَلاَ عُدْوٰنَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال لا تقاتلوا إلا من قاتلكم . وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { وَيَكُونَ ٱلدّينُ للَّهِ } يقول حتى لا تعبدوا إلا الله . وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله { فَلاَ عُدْوٰنَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال هم من أبى يقول لا إله إلا الله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة نحوه .