Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 194-194)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } أي إذا قاتلوكم في الشهر الحرام ، وهتكوا حرمته قاتلتموهم في الشهر الحرام مكافأة لهم ، ومجازاة على فعلهم . { وَٱلْحُرُمَـٰتُ } جمع حرمة ، كالظلمات جمع ظلمة ، وإنما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام ، والبلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والحرمة ما منع الشرع من انتهاكه . والقصاص المساواة ، والمعنى أن كل حرمة يجري فيها القصاص ، فمن هتك حرمة عليكم ، فلكم أن تهتكوا حرمة عليه قصاصاً ، قيل وهذا كان في أوّل الإسلام ، ثم نسخ بالقتال ، وقيل إنه ثابت بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم ينسخ ، ويجوز لمن تعدّى عليه في مال ، أو بدن ، أن يتعدّى بمثل ما تُعُدِّى عليه ، وبهذا قال الشافعي ، وغيره . وقال آخرون إن أمور القصاص مقصورة على الحكام ، وهكذا الأموال لقوله صلى الله عليه وسلم " أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " أخرجه الدارقطني ، وغيره ، وبه قال أبو حنيفة ، وجمهور المالكية ، وعطاء الخراساني والقول الأوّل أرجح ، وبه قال ابن المنذر ، واختاره ابن العربي والقرطبي ، وحكاه الداودي عن مالك ، ويؤيده إذنه صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها ، وولدها ، وهو في الصحيح ، ولا أصرح ولا أوضح من قوله تعالى في هذه الآية { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } وهذه الجملة في حكم التأكيد للجملة الأولى ، أعني قوله { وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ } وإنما سمي المكافأة اعتداء مشاكلة كما تقدم . وقد أخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في سنة ستّ من الهجرة ، وحبسه المشركون ، عن الدخول ، والوصول إلى البيت ، وصدّوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة ، وهو شهر حرام قاضاهم على الدخول من قابل ، فدخلها في السنة الآتية هو ، ومن كان معه من المسلمين ، وأقصه الله منهم نزلت في ذلك هذه الآية { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد نحوه أيضاً . وأخرجا أيضاً عن قتادة نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج نحوه . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس في قوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } الآية ، وقوله { وَجَزَاء سَيّئَةٍ } الشورى 40 الآية ، وقوله { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } الآية ، الشورى 41 ، وقوله { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } الآية النحل 126 قال هذا ونحوه نزل بمكة ، والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين ، فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ، فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه ، أو يصبروا ، ويعفوا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وأعزّ الله سلطانه ، أمر الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية ، فقال { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَـٰناً } الإسراء 33 ، يقول ينصره السلطان حتى ينصفه على من ظلمه ، ومن انتصر لنفسه دون السلطان ، فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ، ولم يرض بحكم الله تعالى . انتهى . وأقول هذه الآية التي جعلها ابن عباس رضي الله عنه ناسخةً مؤيدة لما تدل عليه الآيات التي جعلها منسوخة ، ومؤكدة له ، فإن الظاهر من قوله { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَـٰناً } أي جعل السلطان له ، أي جعل له تسلطاً يتسلط به على القاتل ، ولهذا قال { فَلاَ يُسْرِف فّى ٱلْقَتْلِ } الإسراء 33 ثم لو سلمنا أن معنى الآية كما قاله لكان ذلك مخصصاً للقتل من عموم الآيات المذكورة لا ناسخاً لها ، فإنه لم ينص في هذه الآية إلا على القتل وحده ، وتلك الآيات شاملة له ولغيره ، وهذا معلوم من لغة العرب التي هي المرجع في تفسير كلام الله سبحانه .