Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 195-195)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في هذه الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله ، وهو الجهاد ، واللفظ يتناول غيره مما يصدق عليه أنه من سبيل الله ، والباء في قوله { بِأَيْدِيكُمْ } زائدة ، والتقدير ولا تلقوا أيديكم ، ومثله { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } العلق 14 وقال المبرد { بِأَيْدِيكُمْ } أي بأنفسكم تعبيراً بالبعض عن الكل ، كقوله { فبِمَا كَسَبَتْ * أَيْدِيكُم } الشورى 30 وقيل هذا مثل مضروب ، يقال فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم لأن المستسلم في القتال يلقى سلاحه بيديه ، فكذلك فعل كل عاجز في أيّ فعل كان . وقال قوم التقدير ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم . والتهلكة مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهلكاً وتهلكة ، أي لا تأخذوا فيما يهلككم . وللسلف في معنى الآية أقوال سيأتي بيانها ، وبيان سبب نزول الآية . والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين ، أو الدنيا ، فهو داخل في هذا ، وبه قال ابن جرير الطبري . ومن جملة ما يدخل تحت الآية ، أن يقتحم الرجل في الحرب ، فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص ، وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين ، ولا يمنع من دخول هذا تحت الآية إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب ، فإنهم ظنوا أن الآية لا تجاوز سببها ، وهو ظنّ تدفعه لغة العرب . وقوله { وَأَحْسِنُواْ } أي في الإنفاق في الطاعة ، أو أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم . وقد أخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، والبيهقي في سننه ، عن حذيفة في قوله { وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } قال نزلت في النفقة . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة . وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي ، عن ابن عباس نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عكرمة نحوه أيضاً . وأخرج ابن جرير ، عن الحسن نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي في الشعب عنه قال هو البخل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم في الآية قال كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة ، فإما يقطع لهم ، وإما كانوا عيالاً ، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ، ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، والتهلكة أن تُهْلَك رجالٌ من الجوع ، والعطش ، ومن المشي . وقال لمن بيده فضل { وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، والبغوي في معجمه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مانع ، والطبراني ، عن الضحاك بن أبي جبير أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ، ويتصدّقون ، فأصابتهم سنة ، فساء ظنهم ، وأمسكوا عن ذلك ، فأنزل الله الآية . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن أسلم بن عمران قال كنا بالقسطنطينية ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد ، فخرج صفّ عظيم من الروم ، فصففنا لهم ، فحمل رجل من المسلمين على صفّ الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس ، وقالوا سبحان الله ! يلقي بيده إلى التهلكة ؟ فقام أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس ، إنكم تؤوّلون الآية هذا التأويل . وإنما أنزلت فينا هذه الآية معشر الأنصار ، إنا لما أعزّ الله دينه ، وكثر ناصروه ، قال بعضنا لبعض سرّاً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أموال الناس قد ضاعت ، وإن الله قد أعزّ الإسلام ، وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ؟ فأنزل الله على نبيه يردّ علينا { وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } فكانت التهلكة الإقامة في الأموال ، وإصلاحها ، وترك الغزو . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وصححه ، والبيهقي ، عن البراء بن عازب ، قال في تفسير الآية هو الرجل يذنب الذنب ، فيلقي بيديه ، فيقول لا يغفر الله لي أبداً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب ، عن النعمان بن بشير نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، قال في تفسير الآية إنه القنوط . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال التهلكة عذاب الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، أنهم حاصروا دمشق ، فأسرع رجل إلى العدوّ وحده ، فعاب ذلك عليه المسلمون ، ورفع حديثه إلى عمرو بن العاص ، فأرسل إليه فردّه ، وقال قال الله { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } . وأخرج ابن جرير ، عن رجل من الصحابة في قوله { وَأَحْسِنُواْ } قال أدّو الفرائض . وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي إسحاق مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عكرمة قال أحسنوا الظنّ بالله .