Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 204-207)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر . وسبب النزول الأخنس بن شريق كما يأتي بيانه . قال ابن عطية ما ثبت قط أن الأخنس أسلم ، وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين ، وقيل إنها نزلت في كل من أضمر كفرّاً ، أو نفاقاً ، أو كذباً ، وأظهر بلسانه خلافه . ومعنى قوله { يُعْجِبُكَ } واضح . ومعنى قوله { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ } أنه يحلف على ذلك فيقول يشهد الله على ما في قلبي من محبتك ، أو من الإسلام ، أو يقول الله يعلم أني أقول حقاً ، وأني صادق في قولي لك . وقرأ ابن محيصن " وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ " بفتح حرف المضارعة ، ورفع الإسم الشريف على أنه فاعل ، والمعنى ويعلم الله منه خلاف ما قال ، ومثله قوله تعالى { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } المنافقون 1 وقراءة الجماعة أبلغ في الذمّ . وقرأ ابن عباس { والله يشهد على ما في قلبه } وقرأ أبيّ ، وابن مسعود « ويستشهد الله على ما في قلبه » . وقوله { في الحياة الدنيا } متعلق بالقول ، أو بـ { يعجبك } ، فعلى الأوّل القول صادر في الحياة ، وعلى الثاني الإعجاب صادر فيها . والألدّ الشديد الخصومة . يقال رجل ألدّ ، وامرأة لداء ، ولددته ألدّه إذا جادلته ، فغلبته ، ومنه قول الشاعر @ وألدّ ذي جَنَفٍ عليَّ كَأنَّما نَغْلِى عَداوةٌ صدره في مْرجَل @@ والخصام مصدر خاصم . قاله الخليل ، وقيل جمع خصم ، قاله الزجاج ككلب ، وكلاب ، وصعب ، وصعاب ، وضخم ، وضخام ، والمعنى أنه أشدّ المخاصمين خصومة ، لكثرة جداله ، وقوّة مراجعته ، وإضافة الألدّ إلى الخصام بمعنى في ، أي ألدّ في الخصام ، أو جعل الخصام ألدّ على المبالغة . وقوله { وَإِذَا تَوَلَّىٰ } أي أدبر ، وذهب عنك يا محمد . وقيل إنه بمعنى ضلّ ، وغضب ، وقيل إنه بمعنى الولاية أي إذا كان والياً فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض . والسعي المذكور يحتمل أن يكون المراد به السعي بالقدمين إلى ما هو فساد في الأرض ، كقطع الطريق ، وحرب المسلمين ، ويحتمل أن يكون المراد به العمل في الفساد ، وإن لم يكن فيه سعي بالقدمين ، كالتدبير على المسلمين بما يضرّهم ، وأعمال الحيل عليهم ، وكل عمل يعمله الإنسان بجوارحه ، أو حواسه يقال له سعي ، وهذا هو الظاهر من هذه الآية . وقوله { وَيُهْلِكَ } عطف على قوله { لِيُفْسِدَ } وفي قراءة أبيّ « وليهلك » . وقرأه قتادة بالرفع . وروى عن ابن كثير " وَيُهْلِكَ " بفتح الياء وضم الكاف ، ورفع الحرث ، والنسل ، وهي قراءة الحسن ، وابن محيصن . والمراد بالحرث الزرع والنسل الأولاد ، وقيل الحرث النساء . قال الزجاج وذلك ، لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ، ووقوع القتال ، وفيه هلاك الخلق ، وقيل معناه أن الظالم يفسد في الأرض ، فيمسك الله المطر ، فيهلك الحرث ، والنسل . وأصل الحرث في اللغة الشق ، ومنه المحراث لما يشق به الأرض ، والحرث كسب المال ، وجمعه . وأصل النسل في اللغة الخروج ، والسقوط ، ومنه نسل الشعر ، ومنه أيضاً { إِلَىٰ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } يس 51 { وهم من كل حدب ينسلون } الأنبياء 96 ، ويقال لما خرج من كل أنثى نسل ، لخروجه منها . وقوله { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ } يشمل كل نوع من أنواعه من غير فرق بين ما فيه فساد الدين ، وما فيه فساد الدنيا . والعزة القوّة والغلبة ، من عَزَّه يعزّه إذا غلبه ، ومنه { وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ } ص 23 وقيل العزة هنا الحمية ، ومنه قول الشاعر @ أخذَته عزّة من جهْله فَتولىَّ مُغْضَباً فعل الضَّجِر @@ وقيل العزة هنا المنعة وشدّة النفس . ومعنى { أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ } حملته العزة على الإثم ، من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه ، وألزمته إياه . وقيل أخذته العزة بما يؤثمه ، أي ارتكب الكفر للعزة ، ومنه { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } ص 2 وقيل الباء في قوله { بِٱلإثْمِ } بمعنى اللام ، أي أخذته العزّة ، والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه ، وهو النفاق ، وقيل الباء بمعنى مع ، أي أخذته العزّة مع الإثم . وقوله { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } أي كافية معاقبة ، وجزاءً ، كما تقول للرجل كفاك ما حلّ بك ، وأنت تستعظم عليه ما حلّ به . والمهاد جمع المهد ، وهو الموضع المهيأ للنوم ، ومنه مهد الصبي ، وسميت جهنم مهاداً لأنها مستقرّ الكفار . وقيل المعنى أنها بدل لهم من المهاد كقوله { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } آل عمران 21 وقول الشاعر @ تحية بينهم ضرب وجيع @@ ويشرى بمعنى يبيع ، أي يبيع نفسه في مرضاة الله كالجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ومثله قوله تعالى { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } يوسف 20 وأصله الاستبدال ومنه قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } التوبة 111 ، ومنه قول الشاعر @ وَشَرْيتُ برداً لَيْتَنِي مِنْ بعد بُرْدٍ كُنْتُ هَامَه @@ ومنه قول الآخر @ يُعْطي بها ثمناً فَيمنعُها وَيَقُولُ صاحبه ألا تَشْرِي @@ والمرضاة الرضا ، تقول رضي يرضى ، رضا ومرضاة . ووجه ذكر الرأفة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ، ويثيبهم عليه ، فكان ذلك رأفة بهم ، ولطفاً لهم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ، ومرثد ، قال رجال من المنافقين يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا ، لا هم قعدوا في أهلهم ، ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم ؟ فأنزل الله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي ما يظهر من الإسلام بلسانه { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ } أنه مخالف لما يقوله بلسانه { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك { وَإِذَا تَوَلَّىٰ } خرج من عندك { سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ } أي لا يحبّ عمله ، ولا يرضى به { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ } الذين يشرون أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله ، والقيام بحقه ، حتى هلكوا على ذلك . يعني هذه السرية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قوله } الآية ، قال نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقال جئت أريد الإسلام ، ويعلم الله أني لصادق ، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه ، فذلك قوله { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ } . ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فمرّ بزرع لقوم من المسلمين ، وحمر ، فأحرق الزرع ، وعقر الحمر ، فأنزل الله { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } قال هو شديد الخصومة . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ } قال عمل في الأرض { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ } قال نبات الأرض { وَٱلنَّسْلَ } نسل كل شيء من الحيوان الناس ، والدواب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد أيضاً أنه سئل ، عن قوله { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ } قال يلي في الأرض ، فيعمل فيها بالعدوان ، والظلم ، فيحبس الله بذلك القطر من السماء ، فتهلك بحبس القطر الحرث ، والنسل ، { والله لا يحبّ الفساد } . ثم قرأ مجاهد { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ } الآية الروم 41 . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } قال الحرث الزرع ، والنسل نسل كل دابة . وأخرج ابن المنذر ، والطبراني والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود قال « إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقول الرجل لأخيه اتق الله ، فيقول عليك بنفسك أنت تأمرني » . وأخرج ابن المنذر ، والبيهقي في الشعب ، عن سفيان قال قال رجل لمالك بن مغْوَل اتق الله ، فسقط ، فوضع خدّه على الأرض تواضعاً لله . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } قال بئس المنزل . وأخرجا عن مجاهد قال بئس ما شهدوا لأنفسهم . وأخرج ابن مردويه ، عن صهيب قال لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا ، ولا مال لك ، وتخرج أنت ، ومالك ، والله لا يكون ذلك أبداً ، فقلت لهم أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا نعم ، فدفعت إليهم مالي ، فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ربح البيع صهيب مرتين " . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر ، عن سعيد بن المسيب ، نحوه . وأخرج الطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في الدلائل ، عن صهيب ، نحوه . وأخرج ابن المنذر ، والحاكم وصححه ، عن أنس قال نزلت في خروج صهيب إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة قال هم المهاجرون والأنصار .