Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 208-210)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف مؤمنين ، وكافرين ، ومنافقين ، أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة . وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم ، وكتابهم ، والمنافق مؤمن بلسانه ، وإن كان غير مؤمن بقلبه . و { السلم } بفتح السين وكسرها قال الكسائي ومعناهما واحد ، وكذا عند البصريين ، وهما جميعاً يقعان للإسلام ، والمسالمة . وقال أبو عمرو بن العلاء إنه بالفتح للمسالمة ، وبالكسر للإسلام . وأنكر المبرد هذه التفرقة . وقال الجوهري { السلم } بفتح السين الصلح ، وتكسر ، ويذكر ويؤنث ، وأصله من الاستسلام ، والانقياد . ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام ، ومنه قول الشاعر الكندي @ دَعَوْتُ عَشِيرَتِي للِسِّلم لَمّا رَأيْتُهمُ تَوَلَّوا مُدْبِرين @@ أي إلى الإسلام . وقرأ الأعمش « السَّلمَ » بفتح السين ، واللام . وقد حكى البصريون في سَلْم ، وسِلْم ، وسلم أنها بمعنى واحد { وكافة } حال من { السلم } ، أو من ضمير المؤمنين ، فمعناه على الأوّل لا يخرج منكم أحد ، وعلى الثاني لا يخرج من أنواع السلم شيء بل ادخلوا فيها جميعاً . أي في خصال الإسلام ، وهو مشتق من قولهم كففت أي منعت ، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام ، والكفّ المنع ، والمراد به هنا الجميع { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً } أي جميعاً . وقوله { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان ، وقد تقدّم الكلام على خطوات . قوله { زَلَلْتُمْ } أي تنحيتم عن طريق الاستقامة ، وأصل الزلل في القدم ، ثم استعمل في الاعتقادات ، والآراء ، وغير ذلك ، يقال زلّ يَزِلُّ زلاً ، وزللاً ، وزلولاً أي دحضت قدمه . وقرىء " زَلِلْتُمْ " بكسر اللام ، وهما لغتان ، والمعنى فإن ضللتم ، وعرّجتم عن الحق { مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } أي الحجج الواضحة ، والبراهين الصحيحة ، أن الدخول في الإسلام هو الحق { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالب لا يعجزه الانتقام منكم { حَكِيمٌ } لا ينتقم إلا بحق . قوله { هَلْ يَنظُرُونَ } أي ينتظرون ، يقال نظرته وانتظرته بمعنى ، والمراد هل ينتظر التاركون للدخول في السلم ، والظُّللَ جمع ظُلَّة ، وهي ما يظلك ، وقرأ قتادة ، ويزيد بن القعقاع « في ظلال » وقرأ يزيد أيضاً " وَٱلْمَلَـئِكَةُ " بالجرّ عطفاً على الغمام ، أو على ظلل . قال الأخفش { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } الخفض بمعنى وفي الملائكة قال والرفع أجود . وقال الزجاج التقدير في ظلل من الغمام ، ومن الملائكة ، والمعنى هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام ، والملائكة . قال الأخفش وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعاً إلى الجزاء ، فسمي الجزاء إتياناً كما سمي التخويف ، والتعذيب في قصة ثمود إتياناً ، فقال { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } النحل 26 وقال في قصة النضير { فَأَتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } الحشر 2 وإنما احتمل الإتيان هذا لأن أصله عند أهل اللغة القصد إلى الشيء ، فمعنى الآية هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلاً من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم ؟ وقيل إن المعنى يأتيهم أمر الله ، وحكمه ، وقيل إن قوله { فِي ظُلَلٍ } بمعنى يظلل ، وقيل المعنى يأتيهم ببأسه في ظلل . والغمام السحاب الرقيق الأبيض ، سمي بذلك لأنه يغم . أي يستر . ووجه إتيان العذاب في الغمام على تقدير أن ذلك هو المراد ما في مجيء الخوف من محل الأمن من الفظاعة ، وعظم الموقع لأن الغمام مظنة الرحمة لا مظنة العذاب . وقوله { وَقُضِىَ ٱلأمْرُ } عطف على { يأتيهم } داخل في حيز الانتظار ، وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه فكأنه قد كان ، أو جملة مستأنفة جيء بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة ، أي وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم . وقرأ معاذ بن جبل « وقضاءَ الأمر » بالمصدر عطفاً على الملائكة . وقرأ يحيى بن يَعْمُر « وقضى الأمور » بالجمع . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي { تُرْجَعُ ٱلأمُورُ } على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الباقون على البناء للمفعول . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله تعالى { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً } قال يعني مؤمني أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة ، والشرائع التي أنزلت فيهم ، يقول ادخلوا في شرائع دين محمد ، ولا تَدَعُوا منها شيئاً ، وحسبكم الإيمان بالتوراة ، وما فيها . وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في ثعلبة ، وعبد الله بن سلام ، وابن يامين ، وأسد ، وأسيد ابني كعب ، وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد ، كلهم من يهود قالوا يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنُسْبِت فيه ، وإن التوراة كتاب الله ، فلنقم بها الليل ، فنزلت { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال { السلم } الطاعة لله ، و { كافة } يقول جميعاً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه قال السلم الإسلام ، والزلل ترك الإسلام . وأخرج ابن جرير ، عن السدي قال { فَإِن زَلَلْتُمْ مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } قال فإن ظللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يجمع الله الأوّلين ، والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء ، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عمر في هذه الآية قال يهبط حين يهبط ، وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ، منها النور ، والظلمة ، والماء ، فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب . وأخرج أبو يعلى ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في هذه الآية قال يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قُطِّعَت طاقات . وأخرج ابن جرير ، والديلمي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفات بالملائكة " وذلك قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مّنَ ٱلْغَمَامِ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة { فِي ظُلَلٍ مّنَ ٱلْغَمَامِ } قال طاقات ، والملائكة حوله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وتأتيهم الملائكة عند الموت . وأخرج عن عكرمة في قوله { وَقُضِىَ ٱلأمْرُ } يقول قامت الساعة .