Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 211-213)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المأمور بالسؤال لبني إسرائيل هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون هو كل فرد من السائلين ، وهو سؤال تقريع وتوبيخ . و { كَمْ } في محل نصب بالفعل المذكور بعدها على أنها مفعول بآتي ، ويجوز أن ينتصب بفعل مقدّر دلّ عليه المذكور . أي كم آتينا آتيناهم ، وقُدِّر متأخراً لأن لها صدر الكلام ، وهي إما استفهامية للتقرير ، أو خبرية للتكثير . و { مّنْ ءَايَةٍ } في موضع نصب على التمييز ، وهي البراهين التي جاء بها أنبياؤهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل المراد بذلك الآيات التي جاء بها موسى ، وهي التسع . والمراد بالنعمة هنا ما جاءهم من الآيات . وقال ابن جرير الطبري النعمة هنا الإسلام ، والظاهر دخول كل نعمة أنعم الله بها على عبد من عباده كائناً من كان ، فوقع منه التبديل لها ، وعدم القيام بشكرها ، ولا ينافي ذلك كون السياق في بني إسرائيل ، أو كونهم السبب في النزول لما تقرر من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وفي قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } من الترهيب ، والتخويف ما لا يقادر قدره . قوله { زُيّنَ } مبني للمجهول ، والمُزَيِّن هو الشيطان ، أو الأنفس المجبولة على حبّ العاجلة . والمراد بالذين كفروا رؤساء قريش ، أو كل كافر . وقرأ مجاهد ، وحميد بن قيس « زين » على البناء للمعلوم . قال النحاس وهي قراءة شاذة لأنه لم يتقدّم للفاعل ذكر . وقرأ ابن أبي عبلة « زينت » وإنما خص الذين كفروا بالذكر مع كون الدنيا مزينة للمسلم ، والكافر كما وصف سبحانه بأنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملاً لأن الكافر افتتن بهذا التزيين ، وأعرض عن الآخرة ، والمسلم لم يفتتن به بل أقبل على الآخرة . قوله { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } هذه الجملة في محل نصب على الحال . أي والحال أن أولئك الكفار يسخرون من الذين آمنوا لكونهم فقراء لا حظّ لهم من الدنيا كحظ رؤساء الكفر ، وأساطين الضلال ، وذلك لأن عرض الدنيا عندهم هو الأمر الذي يكون من ناله سعيداً رابحاً ، ومن حُرِمَه شقياً خاسراً . وقد كان غالب المؤمنين إذ ذاك فقراء لاشتغالهم بالعبادة ، وأمر الآخرة ، وعدم التفاتهم إلى الدنيا وزينتها . وحكى الأخفش أنه يقال سخرت منه ، وسخرت به ، وضحكت منه ، وضحكت به ، وهزأت منه ، وهزأت به ، والاسم السخرية ، والسّخْري . ولما وقع من الكفار ما وقع من السخرية بالمؤمنين ردّ الله عليهم بقوله { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } والمراد بالفوقية هنا العلوّ في الدرجة لأنهم في الجنة ، والكفار في النار ، ويحتمل أن يراد بالفوق المكان لأن الجنة في السماء ، والنار في أسفل سافلين ، أو أن المؤمنين هم الغالبون في الدنيا كما وقع ذلك من ظهور الإسلام ، وسقوط الكفر ، وقتل أهله ، وأسرهم ، وتشريدهم ، وضرب الجزية عليهم ، ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك لولا التقييد بكونه في يوم القيامة . قوله { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } يحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الله سبحانه سيرزق المستضعفين من المؤمنين ، ويوسع عليهم ، ويجعل ما يعطيهم من الرزق بغير حساب ، أي بغير تقدير ، ويحتمل أن المعنى أن الله يوسع على بعض عباده في الرزق ، كما وسع على أولئك الرؤساء من الكفار استدراجاً لهم ، وليس في التوسعة دليل على أن من وسع عليه ، فقد رضي عنه ، ويحتمل أن يراد بغير حساب من المرزوقين كما قال سبحانه { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } الطلاق 3 . قوله { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } أي كانوا على دين واحد فاختلفوا { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ } واختلف في الناس المذكورين في هذه الآية من هم ؟ فقيل هم بنو آدم . حين أخرجهم الله نسماً من ظهر آدم وقيل آدم وحده ، وسمي ناساً لأنه أصل النسل ، وقيل آدم وحواء . وقيل القرون الأولى التي كانت بين آدم ونوح . وقيل المراد نوح ومَنْ في سفينته ، وقيل معنى الآية كان الناس أمة واحدة كلهم كفار فبعث الله النبيين وقيل المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم كانوا أمة واحدة في خلوّهم عن الشرائع ، وجهلهم بالحقائق ، لولا أن الله مَنَّ عليهم بإرسال الرسل ، والأمة مأخوذة من قولهم أممت الشيء أي قصدته ، أي مقصدهم واحد غير مختلف . قوله { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ } قيل جملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر . وقوله { مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ } بالنصب على الحال . قوله { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي الجنس . وقال ابن جرير الطبري إن الألف واللام للعهد والمراد التوراة . وقوله { لِيَحْكُمَ } مسند إلى الكتاب في قول الجمهور ، وهو مجاز مثل قوله تعالى { هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقّ } الجاثية 29 وقيل إن المعنى ليحكم كل نبيّ بكتابه ، وقيل ليحكم الله ، والضمير في قوله { فِيهِ } الأولى راجع إلى " ما " في قوله { فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } والضمير في قوله { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ } يحتمل أن يعود إلى الكتاب ، ويحتمل أن يعود إلى المُنَزَّل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الزجاج ويحتمل أن يعود إلى الحق ، وقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } أي أوتوا الكتاب ، أو أوتوا الحق ، أو أوتوا النبيّ أي أعطوا علمه . وقوله { بَغْياً بَيْنَهُمْ } منتصب على أنه مفعول به ، أي لم يختلفوا إلا للبغي أي الحسد والحرص على الدنيا ، وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم ، والقبح الذي وقعوا فيه لأنهم جعلوا نزول الكتاب سبباً في شدّة الخلاف . وقوله { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقّ بإذنه } أي فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحق ، وذلك بما بينه لهم في القرآن من اختلاف من كان قبلهم . وقيل معناه فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للتصديق ، بجميع الكتب بخلاف مَنْ قبلهم ، فإن بعضهم كذَّب كتاب بعض وقيل إن الله هداهم إلى الحق من القبلة . وقيل هداهم ليوم الجمعة . وقيل هداهم لاعتقاد الحق في عيسى بعد أن كذّبته اليهود ، وجعلته النصارى رباً ، وقيل المراد بالحق الإسلام . وقال الفراء إن في الآية قلباً ، وتقديره فهدى الله الذين آمنوا بالحق لما اختلفوا فيه ، واختاره ابن جرير ، وضعَّفه ابن عطية . وقوله { بِإِذْنِهِ } . قال الزجاج معناه بعلمه . قال النحاس وهذا غلط ، والمعنى بأمره . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { سَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } قال هم اليهود { كَمْ آتَيْنَـٰهُم مّنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ } ما ذكر الله في القرآن ، وما لم يذكر { وَمَن يُبَدّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } قال يكفرها . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال آتاهم الله آيات بينات عصى موسى ، ويده ، وأقطعهم البحر ، وأغرق عدوّهم ، وهم ينظرون ، وظلل من الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى . { وَمَن يُبَدّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } يقول من يكفر بنعمة الله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله { زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } قال الكفار يبتغون الدنيا ، ويطلبونها { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } في طلبهم الآخرة . قال ابن جريج لا أحسبه إلا عن عكرمة . قال قالوا لو كان محمد نبياً لاتبعه ساداتنا ، وأشرافنا ، والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود ، وأصحابه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يقولون ما هؤلاء على شيء ، استهزاءً ، وسخرياً { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } هنا كم التفاضل . وأخرج عبد الرزاق ، عن قتادة قال فوقهم في الجنة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء قال سألت ابن عباس ، عن هذه الآية { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال تفسيرها ليس على الله رقيب ، ولا من يحاسبه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال لا يحاسب الربّ . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو يعلى ، والطبراني بسند صحيح ، عن ابن عباس قال { كان الناس أمة واحدة } قال على الإسلام كلهم . وأخرج البزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عنه قال كان بين آدم ، ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين . قال وكذلك في قراءة عبد الله " كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً * فَٱخْتَلَفُواْ " . وأخرج ابن جرير ، وابن أبَي حاتم ، عن أبيّ بن كعب قال كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ، ففطرهم الله على الإسلام ، وأقرّوا له بالعبودية ، وكانوا أمة واحدة مسلمين ، ثم اختلفوا من بعد آدم . وأخرج وكيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد كان الناس أمة واحدة قال آدم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبيّ أنه كان يقرؤها " كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ " وإن الله إنما بعث الرسل ، وأنزل الكتب بعد الاختلاف ، { وما اختلف الذين أوتوه } يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب ، والعلم { بغياً بينهم } يقول بغياً على الدنيا ، وطلب ملكها ، وزخرفها أيهم يكون له الملك ، والمهابة في الناس . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } قال كفاراً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة في قوله { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة ، وأوّل الناس دخولاً يبدأ بهم ، أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، فغداً لليهود ، وبعد غد للنصارى " وهو في الصحيح بدون ذكر الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم في قوله { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقّ بإذنه } قال اختلفوا في يوم الجمعة ، فأخذ اليهود يوم السبت ، والنصارى يوم الأحد ، فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة ، واختلفوا في القبلة ، فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، وهدى أمة محمد للقبلة ، واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يركع ، ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك ، واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم النهار ، ومنهم من يصوم من بعد الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك ، واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود كان يهودياً ، وقالت النصارى كان نصرانياً ، وجعله الله حنيفاً مسلماً ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك ، واختلفوا في عيسى ، فكذبت به اليهود ، وقالوا لأمه بهتاناً عظيماً ، وجعلته النصارى إلهاً وولداً ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك .