Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 215-216)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

السائلون هنا هم المؤمنون سألوا عن الشيء الذي ينفقونه ما هو ؟ فأجيبوا ببيان المَصْرِف الذي يصرفون فيه ، تنبيهاً على أنه الأولى بالقصد لأن الشيء لا يعتدّ به إلا إذا وضع في موضعه ، وصادف مصرفه . وقيل إنه قد تضمن قوله { مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ } بيان ما ينفقونه ، وهو كل خير . وقيل إنهم إنما سألوا عن وجوه البرّ التي ينفقون فيها ، وهو خلاف الظاهر . وقد تقدم الكلام في الأقربين ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وقوله { كُتِبَ } أي فرض ، وقد تقدّم بيان معناه . بين سبحانه أن هذا أي فرض القتال عليهم من جملة ما امتحنوا به . والمراد بالقتال قتال الكفار . والكُرْه بالضم المشقة ، وبالفتح ما أكرهت عليه ، ويجوز الضم في معنى الفتح ، فيكونان لغتين ، يقال كرهت الشيء كَرْهاً وكُرْهاً ، وكَراهة وكراهية ، وأكرهته عليه إكراهاً ، وإنما كان الجهاد كرهاً لأن فيه إخراج المال ، ومفارقة الأهل ، والوطن ، والتعرّض لذهاب النفس ، وفي التعبير بالمصدر ، وهو قوله { كُرْهٌ } مبالغة ، ويحتمل أن يكون بمعنى المكروه كما في قولهم الدرهم ضرب الأمير . وقوله { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا } قيل عسى هنا بمعنى قد ، وروي ذلك عن الأصم . وقال أبو عبيدة عسى من الله إيجاب ، والمعنى عسى أن تكرهوا الجهاد لما فيه من المشقة ، وهو خير لكم ، فربما تغلبون ، وتَظْفَرون ، وتَغْنَمون ، وتُؤْجَرون ، ومن مات مات شهيداً ، وعسى أن تحبوا الدَّعَة ، وترك القتال ، وهو شرُّ لكم ، فربما يتقوّى عليكم العدوّ ، فيغلبكم ، ويقصدكم إلى عقر دياركم ، فيحلّ بكم أشدّ مما تخافونه من الجهاد الذي كرهتم مع ما يفوتكم في ذلك من الفوائد العاجلة ، والآجلة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } ما فيه صلاحكم ، وفلاحكم { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } قال يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة ، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله ، والصدقة يتصدق بها ، فنسختها الزكاة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن جريح قال سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم ؟ فنزلت { يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } الآية ، فذلك النفقة في التطوّع ، والزكاة سواء ذلك كله . وأخرج ابن المنذر ، أن عمرو بن الجَمُوح سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ننفق من أموالنا ، وأين نضعها ؟ فنزلت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } قال إن الله أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين بمكة بالتوحيد ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن يكفوا أيديهم ، عن القتال ، فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض ، وأذن لهم في القتال ، فنزلت { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } يعني فرض عليكم ، وأذن لهم بعد ما نهاهم عنه { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } يعني القتال ، وهو مشقة عليكم { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا } يعني الجهاد قتال المشركين ، وهو خير لكم ، ويجعل الله عاقبته ، فتحاً ، وغنيمة ، وشهادة { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا } يعني القعود عن الجهاد { وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } فيجعل الله عاقبته شرّاً ، فلا تصيبوا ظفراً ، ولا غنيمة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج قال قلت لعطاء ما تقول في قوله { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } أوجب الغزو على الناس من أجلها ؟ قال لا ، كتب على أولئك حينئذ . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن شهاب في الآية قال الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد ، فالقاعد إن استُعين به أعان ، وإن استغيث به أغاث ، وإن استُنفر نَفَر ، وإن استُغِنى عنه قعد ، وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } قال نسختها هذه الآية { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وأخرجه ابن جرير موصولاً ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . وأخرج ابن المنذر ، والبيهقي في سننه ، من طريق عليّ قال عسى من الله واجب . وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي نحوه أيضاً ، وقد ورد في فضل الجهاد ، ووجوبه أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لبسطها .