Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 217-218)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قِتَالٍ فِيهِ } هو بدل اشتمال ، قاله سيبويه . ووجهه أن السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال . قال الزجاج المعنى يسئلونك عن القتال في الشهر الحرام ، وأنشد سيبويه قول الشاعر @ فَمَا كَانَ قيسُ هُلْكُه هُلْكَ وَاحدٍ وَلكنَّه بُنْيَانُ قَومٍ تَهدَّمَاً @@ فقوله هلكه بدل اشتمال من قيس ، وقال الفراء هو مخفوض يعني قوله { قِتَالٍ فِيهِ } على نية عن ، وقال أبو عبيدة هو مخفوض على الجوار . قال النحاس لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ، ولا في شيء من الكلام ، وإنما وقع في شيء شاذّ ، وهو قولهم هذا جحر ضب خرب . وتابع النحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة . قال النحاس ولا يجوز إضمار عن ، والقول فيه أنه بدل . وقرأ ابن مسعود ، وعكرمة « يسألونك عن الشهر الحرام ، وعن قتال فيه » . وقرأ الأعرج « قتال فيه » بالرفع . قال النحاس وهو غامض في العربية ، والمعنى يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتال فيه . وقوله { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } مبتدأ وخبر ، أي القتال فيه أمر كبير مستنكر ، والشهر الحرام المراد به الجنس ، وقد كانت العرب لا تسفك فيه دماً ، ولا تُغِير على عدوّ ، والأشهر الحرم هي ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ، ثلاثة سرد وواحد فرد . وقوله { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } مبتدأ . وقوله { وَكُفْرٌ بِهِ } معطوف على صدّ . وقوله { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } خبر صدّ ، وما عطف عليه أي الصدّ عن سبيل الله ، والكفر به ، والصدّ عن المسجد الحرام ، وإخراج أهل الحرم منه { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } أي أعظم إثماً ، وأشدّ ذنباً من القتال في الشهر الحرام ، كذا قال المبرد ، وغيره ، والضمير في قوله { وَكُفْرٌ بِهِ } يعود إلى الله . وقيل يعود إلى الحج . وقال الفراء إن قوله { وَصُدَّ } عطف على كبير ، والمسجد عطف على الضمير في قوله { وَكُفْرٌ بِهِ } فيكون الكلام منتسقاً متصلاً غير منفصل . قال ابن عطية وذلك خطأ لأن المعنى يسوق إلى أن قوله { وَكُفْرٌ بِهِ } أي بالله عطف أيضاً على كبير ، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر بالله ، وهذا بيّن فساده ، ومعنى الآية على القول الأوّل الذي ذهب إليه الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام ، وما تفعلون أنتم من الصدّ عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ، ومن الكفر بالله ، ومن الصدّ عن المسجد الحرام ، ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرماً عند الله . والسبب يشهد لهذا المعنى ، ويفيد أنه المراد كما سيأتي بيانه ، فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية هو سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالفتنة هنا الكفر ، أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل المراد بالفتنة الإخراج لأهل الحرم منه ، وقيل المراد بالفتنة هنا فتنتهم عن دينهم حتى يهلكوا . أي فتنة المستضعفين من المؤمنين ، أو نفس الفتنة التي الكفار عليها . وهذا أرجح من الوجهين الأوّلين ، لأن الكفر ، والإخراج قد سبق ذكرهما ، وأنهما مع الصدّ أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام . وقوله { وَلاَ يَزَالُونَ } ابتداء كلام يتضمن الإخبار من الله عزّ وجل للمؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا يزالون مستمرين على قتالكم ، وعداوتكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك ، وتهيأ لهم منكم ، والتقيد بهذا الشرط مشعر باستبعاد تمكنهم من ذلك ، وقدرتهم عليه ، ثم حذّر الله سبحانه المؤمنين من الاغترار بالكفار ، والدخول فيما يريدونه من ردّهم عن دينهم الذي هو الغاية لما يريدونه من المقاتلة للمؤمنين ، فقال { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } إلى آخر الآية والردة الرجوع عن الإسلام إلى الكفر ، والتقييد بقوله { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } يفيد أن عمل من ارتد إنما يبطل إذا مات على الكفر . وحبط معناه بطل ، وفسد ، ومنه الحبط ، وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها للكلأ ، فتنتفخ أجوافها ، وربما تموت من ذلك . وفي هذه الآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام . ومعنى قوله { فِى ٱلدُّنُيَا وَٱلاْخِرَةِ } أنه لا يبقى له حكم المسلمين في الدنيا ، فلا يأخذ شيئاً مما يستحقه المسلمون ، ولا يظفر بحظ من حظوظ الإسلام ، ولا ينال شيئاً من ثواب الآخرة الذي يوجبه الإسلام ، ويستحقه أهله . وقد اختلف أهل العلم في الردّة هل تحبط العمل بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر ؟ والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد . وقد تقدم الكلام في معنى الخلود . قوله { وَهَاجَرُواْ } الهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع ، وترك الأوّل لإيثار الثاني ، والهجر ضدّ الوصل ، والتهاجر التقاطع ، والمراد بها هنا الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام . والمجاهدة استخراج الجهد ، جهد ، مجاهدة ، وجهاداً ، والجهاد والتجاهد بذل الوسع . وقوله { يَرْجُونَ } معناه يطمعون ، وإنما قال يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها ، لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ، ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ . والرجاء الأمل ، يقال رجوت فلاناً أرجو رجاء ، ورجاوة . وقد يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قوله تعالى { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } نوح 13 أي لا تخافون عظمة الله . وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والبيهقي في سننه بسند صحيح ، عن جُنْدُب بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطاً ، وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، أو عبيدة بن الحارث ، فلما ذهب ينطلق بكى شوقاً ، وصبابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجلس ، فبعث مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتاباً ، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا ، وكذا ، وقال لا تكرهنّ أحداً من أصحابك على المسير معك ، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال سمعاً ، وطاعة لله ، ولرسوله ، فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ، ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب ، أو جمادى ، فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } الآية ، فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزراً ، فليس لهم أجر ، فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } إلى آخر الآية . وأخرج البزار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية هو ذلك . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه قال إن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردّوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل ، فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام . فقال الله { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } من القتال فيه ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي ، وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأوّل ليلة من رجب ، وإن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى ، وكانت أوّل رجب ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم ، وأخذوا ما كان معه ، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك ، فنزلت الآية . وأخرج ابن إسحاق عنه أن سبب نزول الآية مصاب عمرو بن الحضرمي . وقد ورد من طرق كثيرة في تعيين السبب مثل ما تقدّم . وأخرج ابن أبي داود عن عطاء بن ميسرة قال أحلّ القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } التوبة 36 . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان الثوري أنه سئل عن هذه الآية فقال هذا شيء منسوخ ، ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام . وأخرج النحاس في ناسخه ، عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عمر { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } قال الشرك . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } قال كفار قريش . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس في قوله { أُوْلـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ } قال هؤلاء خيار هذه الأمة جعلهم الله أهل رجاء ، إنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه .