Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 229-230)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المراد بالطلاق المذكور هو الرجعي بدليل ما تقدّم في الآية الأولى أي الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج هو مرتان ، أي الطلقة الأولى ، والثانية ، إذ لا رجعة بعد الثالثة ، وإنما قال سبحانه { مَرَّتَانِ } ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة ، لا طلقتان دفعة واحدة ، كذا قال جماعة من المفسرين ، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين ، إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة ، أو الإمساك لها ، واستدامة نكاحها ، وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } أي فإمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف أي بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها . وقيل المراد { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } أي برجعة بعد الطلقة الثانية { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } أي بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدّتها . والأول أظهر . وقوله { ٱلطَّلَـٰقَ } مبتدأ بتقدير مضاف أي عدد الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة مرتان . وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثاً ، أو واحدة فقط ؟ فذهب إلى الأوّل الجمهور ، وذهب إلى الثاني مَنْ عداهم ، وهو الحق . وقد قررته في مؤلفاتي تقريراً بالغاً ، وأفردته برسالة مستقلة . قوله { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } الخطاب للأزواج ، أي لا يحلّ للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئاً على وجه المضارة لهنّ ، وتنكير { شيئاً } للتحقير أي شيئاً نزراً فضلاً عن الكثير ، وخص ما دفعوه إليهنّ بعدم حلّ الأخذ منه مع كونه لا يحلّ للأزواج أن يأخذوا شيئاً من أموالهنّ التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك ، هو الذي تتعلق به نفس الزوج ، وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها ، على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحلّ له كان ما عداه ممنوعاً منه بالأولى . وقيل الخطاب في قوله { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ } للأئمة ، والحكام ليطابق قوله { فَإِنْ خِفْتُمْ } فإن الخطاب فيه للأئمة ، والحكام ، وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك . والأول أولى لقوله { مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ } فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جداً لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم . وقيل إن الثاني أولى لئلا يتشوّش النظم . قوله { إِلاَّ أَن يَخَافَا } أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئاً إلا أن يخافا { يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } أي عدم إقامة حدود الله التي حدّها للزوجينّ ، وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة ، فإن خافا ذلك { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } أي لا جناح على الرجل في الأخذ ، وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج ، فيطلقها لأجله ، وهذا هو الخلع ، وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج ، وأنه يحلّ له الأخذ مع ذلك الخوف ، وهو الذي صرّح به القرآن . وحكى ابن المنذر ، عن بعض أهل العلم أنه لا يحلّ له ما أخذ ، ولا يجبر على ردّه ، وهذا في غاية السقوط . وقرأ حمزة « إلا أن يخافا » على البناء للمجهول ، والفاعل محذوف ، وهو الأئمة ، والحكام واختاره أبو عبيد قال لقوله { فَإِنْ خِفْتُمْ } فجعل الخوف لغير الزوجين . وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان ، وهو سعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين . وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور . وقوله { فَإِنْ خِفْتُمْ ألاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } أي إذا خاف الأئمة ، والحكام ، أو المتوسطون بين الزوجين ، وإن لم يكونوا أئمة ، وحكاماً عدم إقامة حدود الله من الزوجين ، وهي ما أوجبه عليهما كما سلف . وقد حكى عن بكر بن عبد الله المزني أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة النساء { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً } النساء 20 وهو قول خارج عن الإجماع ، ولا تنافي بين الاثنين . وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر ، وما يتبعه ، ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا ؟ وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين ، وبذا قال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة ، والتابعين ، وقال طاوس ، وعطاء ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق إنه لا يجوز ، وسيأتي ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي أحكام النكاح ، والفراق المذكورة هي حدود الله التي أمرتم بامتثالها ، فلا تعتدوها بالمخالفة لها ، فتستحقوا ما ذكره الله من التسجيل على فاعل ذلك بأنه ظالم . قوله تعالى { فَإِن طَلَّقَهَا } أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } أي فإن وقع منه ذلك ، فقد حرمت عليه بالتثليث { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } أي حتى تتزوج بزوج آخر . وقد أخذ بظاهر الآية سعيد بن المسيب ، ومن وافقه قالوا يكفي مجرد العقد لأنه المراد بقوله { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وذهب الجمهور من السلف ، والخلف إلى أنه لا بدّ مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من اعتبار ذلك ، وهو زيادة يتعين قبولها ، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ، ومن تابعه . وفي الآية دليل على أنه لا بد من أن يكون ذلك نكاحاً شرعياً مقصوداً لذاته لا نكاحاً غير مقصود لذاته ، بل حيلة للتحليل ، وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأوّل ، فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذمّ فاعله ، وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ، ولعن من اتخذه لذلك . قوله { فَإِن طَلَّقَهَا } أي الزوج الثاني { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } أي الزوج الأول والمرأة { أَن يَتَرَاجَعَا } أي يرجع كل واحد منهما لصاحبه . قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الحرّ إذا طلق زوجته ثلاثاً ، ثم انقضت عدّتها ، ونكحت زوجاً ، ودخل بها ، ثم فارقها ، وانقضت عدّتها ، ثم نكحها الزوج الأوّل ، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات . قوله { إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } أي حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر ، وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما ، أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله ، أو تردداً ، أو أحدهما ، ولم يحصل لهما الظنّ ، فلا يجوز الدخول في هذا النكاح لأنه مظنة للمعصية لله ، والوقوع فيما حرّمه على الزوجين . وقوله { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } إشارة إلى الأحكام المذكورة ، كما سلف ، وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم ، وغيره ، ووجوب التبليغ لكل فرد لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور . وقد أخرج مالك ، والشافعي ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدّتها كان ذلك له ، وإن طلقها ألف مرة ، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا ما دنا وقت انقضاء عدتها ارتجعها ، ثم طلقها ، ثم قال والله لا آويك إليّ ولا تحلين لي أبداً ، فأنزل الله { ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذ من كان منهم طلق ، ومن لم يطلق . وأخرج نحوه الترمذي ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة . وأخرج البخاري عنها أنها أتتها امرأة ، فسألتها عن شيء من الطلاق ، قالت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِ } . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن أبي رزين الأسدي قال قال رجل « يا رسول الله أرأيت قول الله الطلاق مرتان ؟ فأين الثالثة ؟ قال " التسريح بإحسان الثالثة " وأخرج نحوه ابن مردويه ، والبيهقي عن ابن ابن عباس مرفوعاً . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد أنه قال قال الله للثالثة { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } وأخرج ابن أبي حاتم ، عن يزيد بن أبي حبيب قال التسريح في كتاب الله الطلاق . وأخرج البيهقي ، من طريق السدي ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِ } قالوا وهو الميقات الذي تكون فيه الرجعة ، فإذا طلق واحدة ، أو اثنتين ، فإما أن يمسك ، ويراجع بمعروف ، وإما أن يسكت عنها حتى تنقضي عدتها ، فتكون أحق بنفسها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية نحوه . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال كان الرجل يأكل من مال امرأته الذي نَحَلها ، وغيره لا يرى أن عليه جناحاً ، فأنزل الله { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهنّ إلا بحقها ، ثم قال { إِلاَّ أَن يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } وقال { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } النساء 4 . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } قال إلا أن يكون النشوز ، وسوء الخلق من قبلها ، فتدعوك إلى أن تفتدي منك ، فلا جناح عليك فيما افتدت به . وأخرج مالك ، والشافعي وأحمد ، وأبو داود والنسائي ، والبيهقي من طريق عَمْرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن حبيبة بنت سهل الأنصارى « أنها كانت تحبّ ثابت بن قيس ، وأن رسول الله خرج إلى الصبح ، فوجدها عند بابه في الغلس ، فقال " من هذه ؟ " قالت أنا حبيبة بنت سهل ، فقال " ما شأنك ؟ " قالت لا أنا ، ولا ثابت ، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل ، فذكرت ما شاء الله أن تذكر ، فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها ، " فأخذ منها ، وجلست في أهلها » . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج قال نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس ، وفي حبيبة ، وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تردين عليه حديقته ؟ " قالت نعم ، فدعاه ، فذكر ذلك له ، فقال ويطيب لي ذلك ، قال " نعم ، " قال ثابت قد فعلت ، فنزلت { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ } الآية » وأخرج عبد الرزاق ، وٰأبو داود ، وابن جرير ، والبيهقي من طريق عمرة ، عن عائشة نحوه . وأخرج البخاري ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن ابن عباس أن جميلة بنت عبد الله بن سلول ، امرأة ثابت بن قيس بن شَمَّاس « أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ، ولا دين ، ولكن لا أطيقه بغضاً ، وأكره الكفر في الإسلام ، قال " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت نعم ، قال " أقبل الحديقة ، وطلقها تطليقة " ولفظ ابن ماجه « فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ، ولا يزداد » . وأخرج البيهقي من طريق عطاء قال « أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت إني أبغض زوجي ، وأحب فراقه ، قال " أتردين عليه حديقته التي أصدقك ؟ " قالت نعم ، وزيادة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما الزيادة من مالك فلا " وأخرج البيهقي ، عن أبي الزبير أن ثابت بن قيس ، فذكر القصة ، وفيه " أما الزيادة فلا " وأخرج ابن مردويه بإسناد جيد عن ابن عباس ، وفيه « أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً أن يأخذ ما ساق ، ولا يزداد » . وأخرج البيهقي عن أبي سعيد ، وذكر القصة ، وفيها " فردت عليه حديقته وزادت " وأخرج ابن جرير ، عن عمر أنه قال في بعض المختلعات « اخلعها ، ولو من قرطها » . وفي لفظ أخرجه عبد الرزاق ، عنه أنه قال للزوج « خذ ولو عقاصها » . قال البخاري أجاز عثمان الخلع دون عقاصها . وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي ، عن عطاء كره أن النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها . وقد ورد في ذم المختلعات أحاديث منها عن ثوبان عند أحمد ، وأبي داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وابن جرير ، والحاكم وصححه ، والبيهقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة ، وقال المختلعات هنّ المنافقات " ، ومنها عن ابن عباس ، عند ابن ماجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه ، فتجد ريح الجنة ، وإن ريحها لتُوجد مسيرة أربعين عاماً " ومنها عن أبي هريرة عند أحمد ، والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المختلعات ، والمنتزعات هنّ المنافقات " ومنها عن عقبة عند ابن جرير مرفوعاً مثل حديث أبي هريرة . وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة ، والراجح أنها تعتدّ بحيضة لما أخرجه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس ، أن تعتدّ بحيضة » ولما أخرجه الترمذي ، عن الرُّبَيِّع بنت معوذ بن عفراء « أنها اختلعت على عهد رسول الله ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتدّ بحيضة ، أو أمرت أن تعتد بحيضة » . قال الترمذي الصحيح أنها أمرت أن تعتدّ بحيضة . وأخرج النسائي ، وابن ماجه ، عنها أنها قالت اختلعت من زوجي ، فجئت عثمان ، فسألته ماذا عليّ من العدّة ؟ فقال لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك ، فتمكثين حتى تحيضي حيضة ، قالت إنما أتبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية ، وكانت تحب ثابت بن قيس ، فاختلعت منه . وأخرج النسائي ، عن الربيع بنت معوذ « أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس ، أن تتربص حيضة واحدة ، فتلحق بأهلها » ولم يرد ما يعارض هذا من المرفوع ، بل ورد عن جماعة من الصحابة ، والتابعين أن عدّة المختلعة كعدّة الطلاق ، وبه قال الجمهور . قال الترمذي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة ، وغيرهم ، واستدلوا على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات ، فهي داخلة تحت عموم القرآن . والحق ما ذكرناه لأن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يخصص عموم القرآن . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ } يقول فإن طلقها ثلاثاً ، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره . وأخرج ابن المنذر ، عن عليّ نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة نحوه . وأخرج الشافعي ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والبيهقي ، عن عائشة قالت « جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت عند رفاعة ، فطلقني فبتَّ طلاقي ، فتزوجني عبد الرحمن بن الزَّبير ، وما معه إلا مثل هُدْبَة الثوب ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عُسَيْلته ، ويذوق عُسَيْلتك " وقد روى نحو هذا عنها من طرق . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن عمر مرفوعاً نحوه . وأخرج أحمد ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه ، ولم يسمّ هؤلاء الثلاثة الصحابة صاحبة القصة . وأخرج أحمد ، والنسائي ، عن ابن عباس « أن العُمْيصاء ، أو الرُّمَيْصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم » وفي آخره « فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره " وقد ثبت لعن المحلل في أحاديث منها عن ابن مسعود عند أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، والبيهقي في سننه قال « لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له » ومنها عن علي عند أحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبيهقي مرفوعاً مثل حديث ابن مسعود ، ومنها عن جابر مرفوعاً عند الترمذي مثله ، ومنها عن ابن عباس مرفوعاً عند ابن ماجه مثله ، ومنها عن عقبة بن عامر ، عند ابن ماجه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي مرفوعاً مثله ، ومنها عن أبي هريرة مرفوعاً عند أحمد ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي مثله . وفي الباب أحاديث في ذم التحليل ، وفاعله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا } يقول إذا تزوجت بعد الأوّل ، فدخل بها الآخر ، فلا حرج على الأوّل أن يتزوجها إذا طلقها الآخر ، أو مات عنها ، فقد حلت له . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل في قوله { أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } قال أمر الله وطاعته .