Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 228-228)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ } يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول ، ثم خصص بقوله تعالى { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } الأحزاب 49 فوجب بناء العام على الخاص ، وخرجت من هذا العموم المطلَّقة قبل الدخول ، وكذلك خرجت الحامل بقوله تعالى { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } الطلاق 4 وكذلك خرجت الآيسة بقوله تعالى { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } الطلاق 4 والتربص الانتظار ، قيل هو خبر في معنى الأمر أي ليتربصن قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه ، وزاده تأكيداً وقوعه خبراً للمبتدأ . قال ابن العربي وهذا باطل ، وإنما هو خبر عن حكم الشرع ، فإن وجدت مطلقة لا تتربص ، فليس ذلك من الشرع ، ولا يلزم من ذلك ، وقوع خبر الله سبحانه على خلاف مخبره . والقروء جمع قرء . وروي عن نافع أنه قرأ « قرو » بتشديد الواو . وقرأه الجمهور بالهمز . وقرأ الحسن بفتح القاف ، وسكون الراء ، والتنوين . قال الأصمعي الواحد قرء بضم القاف . وقال أبو زيد بالفتح وكلاهما قال أقرأت المرأة حاضت ، وأقرأت ظهرت . وقال الأخفش أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت قرأت بلا ألف . وقال أبو عمرو بن العلاء من العرب من يسمي الحيض قرءاً ، ومنهم من يسمي الطهر قرءاً ، ومنهم من يجمعهما جميعاً ، فيسمي الحيض مع الطهر قرءاً ، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها ، ولقارئها أي لوقتها ، ومنه قول الشاعر @ كَرهتُ العَقْر عقربني شَليل إذَا هَبَّتْ لقارئها الرَّياحُ @@ فيقال للحيض قرء ، وللطهر قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم . وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار ، وتارة على الحيض ، فمن إطلاقه على الأطهار قول الأعشى @ أفِي كلٍ عَامٍ أنتَ جَاشِمُ غَزْوةٍ تَشُدّ لأقصَاهَا عزيم عَزَائكا موِّرثة مَالاً وفي الحي رفعة لِما ضَاعَ فِيها من قُرُوءِ نِسائكا @@ أي أطهارهن ، ومن إطلاقه على الحيض قول الشاعر @ يَا ربَّ ذي حِنْق عليّ قَارضٍ له قُرُوّ كقُروُّ الحائِض @@ يعني أنه طعنه ، فكان له دم كدم الحائض . وقال قوم هو مأخوذ من قري الماء في الحوض ، وهو جمعه ، ومنه القرآن لاجتماع المعاني فيه . قال عمرو بن كلثوم @ ذِراعَي عَيْطَلٍ أدْمَاء بِكرٍ هِجَانِ اللونِ لِم تَقْرَأ جنينا @@ أي لم تجمعه في بطنها . والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض ، والطهر ، ولأجل هذا الاشتراك ، اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية ، فقال أهل الكوفة هي الحيض ، وهو قول عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي موسى ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وعكرمة ، والسدي ، وأحمد بن حنبل . وقال أهل الحجاز هي الأطهار ، وهو قول عائشة ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، والزهري ، وأبان بن عثمان ، والشافعي . واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت ، فصار معنى الآية عند الجميع والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة أوقات ، فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود ، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها ، فأهل القول الأول استدلوا على أن المراد في هذه الآية الحيض بقوله صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة أيام أقرائك " وبقوله صلى الله عليه وسلم " طلاق الأمة تطليقتان ، وعدّتها حيضتان " وبأن المقصود من العدّة استبراء الرحم ، وهو يحصل بالحيض لا بالطهر . واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى { فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الطلاق 1 ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق ، وقت الطهر ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمر " مُرْه فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وذلك لأن زمن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء . قال أبو بكر بن عبد الرحمن ما أدركنا أحداً من فقهائنا إلا يقول بأن الأقراء هي الأطهار ، فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ، ولو ساعة ، ولو لحظة ، ثم استقبلت طهراً ثانياً بعد حيضة ، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدّة . انتهى . وعندي أن لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعاً . أما قول الأولين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دعي الصلاة أيام أقرائك " فغاية ما في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأقراء على الحيض ، ولا نزاع في جواز ذلك كما هو شأن اللفظ المشترك ، فإنه يطلق تارة على هذا ، وتارة على هذا ، وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الأمة " وعدّتها حيضتان " فهو حديث أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والدارقطني ، والحاكم وصححه ، من حديث عائشة مرفوعاً . وأخرجه ابن ماجه ، والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً أيضاً ، ودلالته على ما قاله الأولون قوية . وأما قولهم إن المقصود من العدّة استبراء الرحم ، وهو يحصل بالحيض لا بالطهر ، فيجاب عنه بأنه إنما يتم لو لم يكن في هذه العدّة شيء من الحيض على فرض تفسير الأقراء بالأطهار ، وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض ، كما هي مشتملة على الأطهار ، وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى { فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الطلاق 1 فيجاب عنه بأن التنازع في اللام في قوله { لِعِدَّتِهِنَّ } يصير ذلك محتملاً ، ولا تقوم الحجة بمحتمل . وأما استدلالهم بقوله لعمر " مُرْه فليراجعها " الحديث ، فهو في الصحيح ، ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه ، ويمكن أن يقال إنها تنقضي العدّة بثلاثة أطهار ، أو بثلاث حِيَض ، ولا مانع من ذلك ، فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه ، وبذلك يجمع بين الأدلة ، ويرتفع الخلاف ، ويندفع النزاع . وقد استشكل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله قروء ، وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة . وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك ، فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية . قوله { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ } قيل المراد به الحيض ، وقيل الحمل . وقيل كلاهما ، ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الإضرار بالزوج ، وإذهاب حقه فإذا قالت المرأة حضت ، وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع وإذا قالت لم تحض ، وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه ، فاضرّت به ، وكذلك الحمل ربما تكتمه التقطع حقه من الارتجاع ، وربما تدّعيه لتوجب عليه النفقة ، ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للإضرار بالزوج . وقد اختلفت الأقوال في المدّة التي تصدَّق فيها المرأة إذا ادّعت انقضاء عدّتها . وقوله { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } فيه ، وعيد شديد للكاتمات ، وبيان أن من كتمت ذلك منهنّ لم تستحق اسم الإيمان . والبعولة جمع بعل ، وهو الزوج ، سمي بعلاً لعلوّه على الزوجة لأنهم يطلقونه على الرب ، ومنه قوله تعالى { أَتَدْعُونَ بَعْلاً } الصافات 125 أي رباً . ويقال بعول ، وبعولة ، كما يقال في جمع الذكر ذكور ، وذكورة ، وهذه التاء لتأنيث الجمع ، وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع ، والبعولة أيضاً تكون مصدراً من بعل الرجل يبعل ، مثل منع يمنع . أي صار بعلاً . وقوله { أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ } أي برجعتهنّ ، وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها ، فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } لأنه يعم المثلثات ، وغيرهنّ . وقوله { فِي ذٰلِكَ } يعني في مدة التربص ، فإن انقضت مدّة التربص ، فهي أحق بنفسها ، ولا تحلّ له إلا بنكاح مستأنف بوليّ ، وشهود ، ومهر جديد ، ولا خلاف في ذلك ، والرجعة تكون باللفظ ، وتكون بالوطء ، ولا يلزم المراجع شيء من أحكام النكاح بلا خلاف . وقوله { إِنْ أَرَادُواْ إِصْلَـٰحاً } أي بالمراجعة ، أي إصلاح حاله معها ، وحالها معه ، فإن قصد الإضرار بها ، فهي محرّمة لقوله تعالى { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ } قيل وإذا قصد بالرجعة الضرار ، فهي صحيحة ، وإن ارتكب بذلك محرّماً ، وظلم نفسه ، وعلى هذا ، فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح ، والزجر لهم عن قصد الضرار ، وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطاً لصحة الرجعة . قوله { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي لهنّ من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهنّ . فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم . وهي كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهنّ يفعلنه لأوزاجهنّ من طاعة ، وتزين ، وتحبب ، ونحو ذلك . قوله { وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } أي منزلة ليست لهنّ ، وهو قيامه عليها في الإنفاق ، وكونه من أهل الجهاد ، والعقل ، والقوّة ، وله من الميراث أكثر مما لها ، وكونه يجب عليها امتثال أمره ، والوقوف عند رضاه ، ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهنّ خلقن من الرجال لما ثبت أن حوّاء خلقت من ضلع آدم . وقد أخرج أبو داود ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت طلِّقْتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن للمطلقة عدّة ، فأنزل الله حين طلقت العدّة للطلاق ، فقال { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ } الآية . وأخرج أبو داود ، والنسائي ، وابن المنذر عن ابن عباس { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } ثم قال { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } الطلاق 4 فنسخ ، وقال { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } الأحزاب 49 . وأخرج مالك ، والشافعي ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني ، والبيهقي من طرق ، عن عائشة أنها قالت الأقراء الأطهار . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عمر ، وزيد بن ثابت مثله . وأخرج المذكورون ، عن عمرو بن دينار ، قال الأقراء الحيض عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج البيهقي ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } قال ثلاث حيض . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله تعالى { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ } قال كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر ، فنهاهنّ الله عن ذلك . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر في الآية قال الحمل ، والحيض ، وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ } يقول إذا طلق الرجل امرأته تطليقة ، أو تطليقتين ، وهي حامل ، فهو أحقّ برجعتها ما لم تضع حملها ، وهو قوله { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن مجاهد في قوله { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ فِي ذٰلِكَ } قال في العدّة . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة مثله ، وزاد ما لم يطلقها ثلاثاً . وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ } قال إذا أطعن الله ، وأطعن أزواجهنّ ، فعليه أن يحسن صحبتها ، ويكف عنها أذاه ، وينفق عليها من سعته . وقد أخرج أهل السنن عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، أما حقكم على نسائكم أن لا يوطئن ، فُرُشكم من تكرهون ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهنّ ، وطعامهنّ " وصححه الترمذي . وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، والحاكم وصححه ، والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري « أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج ؟ قال " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تهجر إلا في البيت " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } قال فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد ، وفضل ميراثه على ميراثها ، وكل ما فضل به عليها . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في الآية قال يطلقها ، وليس لها من الأمر شيء . وأخرجا عن زيد بن أسلم قال الإمارة .