Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 235-235)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الجناح الإثم ، أي لا إثم عليكم ، والتعريض ضد التصريح ، وهو من عرض الشيء . أي جانبه ، كأنه يحوم به حول الشيء ، ولا يظهره . وقيل هو من قولك عرضت الرجل . أي أهديت له . ومنه أن ركباً من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ثياباً بيضاً ، أي أهدوا لهما ، فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاماً يفهم معناه . وقال في الكشاف الفرق بين الكناية ، والتعريض ، أن الكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له ، والتعريض أن يذكر شيئاً يدل به على شيء لم يذكره ، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ، ولأنظر إلى وجهك الكريم ، ولذلك قالوا @ وحسبك بالتسليم مني تقاضياً @@ وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ، ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده . انتهى . والخطبة بالكسر ما يفعله الطالب من الطلب ، والاستلطاف بالقول ، والفعل ، يقال خطبها يخطبها خطبة ، وخطباً . وأما الخطبة بضم الخاء ، فهي الكلام الذي يقوم به الرجل خاطباً . وقوله { أَكْنَنتُمْ } معناه سترتم ، وأضمرتم من التزويج بعد انقضاء العدة . والإكنان التستر والإخفاء يقال أكننته ، وكننته بمعنى واحد . ومنه { بيض مكنون } الصافات 9 ، ودر مكنون . ومنه أيضاً أكنّ البيت صاحبه . أي ستره . وقوله { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي علم الله أنكم لا تصبرون عن النطق لهنّ برغبتكم فيهن ، فرخص لكم في التعريض دون التصريح . وقال في الكشاف إن فيه طرفاً من التوبيخ كقوله { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } . وقوله { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا } معناه على سرّ ، فحذف الحرف لأن الفعل لا يتعدى إلى المفعولين . وقد اختلف العلماء في معنى السر ، فقيل معناه نكاحاً . أي لا يقل الرجل لهذه المعتدّة تزوّجيني بل يعرض تعريضاً . وقد ذهب إلى أن معنى الآية هذا جمهور العلماء ، وقيل السرّ الزنا ، أي لا يكن منكم مواعدة على الزنا في العدّة ، ثم التزويج بعدها . قاله جابر بن زيد ، وأبو مجلز ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والنخعي ، واختاره ابن جرير الطبري ، ومنه قول حطيئة @ وَيَحْرُمُ سِرُّ جَارَتِهِم عَلَيهم وَيَأْكُلُ جَارُهُم أنفَ القِصَاعِ @@ وقيل السرّ الجماع ، أي لا تصفوا أنفسكم لهنّ بكثرة الجماع ترغيباً لهنّ في النكاحّ ، وإلى هذا ذهب الشافعي في معنى الآية ، ومنه قول امرىء القيس @ ألاَ زَعَمْت بَسْبَاسة اليوم أنَّني كِبرْتُ وَأنْ لا يُحْسِن السِرّ أمثَاليِ @@ ومثله قول الأعشى @ فَلَنْ تَطْلُبُوا سِرَّها لْلغِنَى وَلنْ تَسْلِموها لأَزْهَادِهَا @@ أراد تطلبون نكاحها لكثرة مالها ، ولن تسلموها لقلة مالها ، والاستدراك بقوله { لَكِنِ } من مقدّر محذوف دلّ عليه { سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي فاذكروهنّ { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا } . قال ابن عطية أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع ، أو تحريض عليه لا يجوز . وقال أيضاً أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدّة للمرأة في نفسها ، وللأب في ابنته البكر ، وللسيد في أمته . قوله { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } قيل هو استثناء منقطع بمعنى لكن ، والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض . ومنع صاحب الكشاف أن يكون منقطعاً ، وقال هو مستثنى من قوله { لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ } أي لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة فجعله على هذا استثناء مفرغاً ، ووجه منع كونه منقطعاً أنه يؤدي إلى جعل التعريض موعوداً ، وليس كذلك لأن التعريض طريق المواعدة ، لا أنه الموعود في نفسه . قوله { وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ ٱلنّكَاحِ } قد تقدّم الكلام في معنى العزم ، يقال عزم الشيء ، وعزم عليه ، والمعنى هنا لا تعزموا على عقدة النكاح ، ثم حذف " على " . قال سيبويه والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه . وقال النحاس يجوز أن يكون المعنى ، ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعزموا ، وتعقدوا واحد ، وقيل إن العزم على الفعل يتقدّمه ، فيكون في هذا النهي مبالغة لأنه إذا نهى عن المتقدم على الشيء ، كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى . قوله { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَـٰبُ أَجَلَهُ } يريد حتى تنقضي العدّة ، والكتاب هنا هو الحدّ ، والقدر الذي رسم من المدّة ، سماه كتاباً لكونه محدوداً ، ومفروضاً كقوله تعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } النساء 103 وهذا الحكم أعني تحريم عقد النكاح في العدّة مجمع عليه . وقد أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِسَاء } قال التعريض أن تقول إني أريد التزويج ، وإني لأحب المرأة من أمرها ، وأمرها ، وإن من شأني النساء ، ولوددت أن الله يسر لي امرأة صالحة . وأخرج ابن جرير عنه أنه يقول لها إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ، ونحو هذا من الكلام . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه قال يقول إني فيك لراغب ، ولوددت أني تزوجتك . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن الحسن في قوله { أَوْ أَكْنَنتُمْ } قال أسررتم . وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك مثله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عن الحسن في قوله { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } قال بالخطيئة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير عن مجاهد قال ذكره إياها في نفسه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا } قال يقول لها إني عاشق ، وعاهديني أن لا تتزوّجي غيري ونحو هذا { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } وهو قوله إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك . وأخرج ابن جرير عنه في السرّ أنه الزنا ، كان الرجل يدخل من أجل الزنا ، وهو يعرض بالنكاح ، وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر عنه في قوله { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } قال يقول إنك لجميلة ، وإنك إليّ خير ، وإن النساء من حاجتي . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله { وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ ٱلنّكَاحِ } قال لا تنكحوا { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَـٰبُ أَجَلَهُ } قال حتى تنقضي العدّة .