Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-245)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الاستفهام هنا للتقرير ، والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر . والمعنى ، عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين خرجوا ، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل . وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه ، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء . أي ألم ينته علمك إليهم أم معنى الوصول . أي ألم يصل علمك إليهم ، ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية . أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا . جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع ، والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد ، أو المبصرة لكل مبصر لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودوَّنوها ، وأشهروا أمرها ، والخطاب هنا لكل من يصلح له . والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادّعاءً لظهوره ، وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد ، والغائب . وقوله { وَهُمْ أُلُوفٌ } في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا ، وألوف من جموع الكثرة ، فدل على أنها ألوف كثيرة . وقوله { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } مفعول له . وقوله { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } هو أمر تكوين عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة ، أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا ، فأطاعوا . قوله { ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ } هو معطوف على مقدّر يقتضيه المقام ، أي قال الله لهم موتوا ، فماتوا ثم أحياهم ، أو على قال لما كان عبارة ، عن الإماتة ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } التنكير في قوله فضل للتعظيم . أي لذو فضل عظيم على الناس جميعاً ، أما هؤلاء الذين خرجوا ، فلكونه أحياهم ، ليعتبروا ، وأما المخاطبون ، فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار ، والاستبصار بقصة هؤلاء ، قوله { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } هو معطوف على مقدّر ، كأنه قيل اشكروا فضله بالاعتبار بما قصّ عليكم ، وقاتلوا ، هذا إذا كان الخطاب بقوله { وَقَاتِلُواْ } راجعاً إلى المخاطبين بقوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } كما قاله جمهور المفسرين ، وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد ، وقيل إن الخطاب للذين أحيوا من بني إسرائيل ، فيكون عطفاً على قوله { مُوتُواْ } وفي الكلام محذوف تقديره ، وقال لهم قاتلوا . وقال ابن جرير لا وجه لقول من قال إن الأمر بالقتال للذين أحيوا . وقوله { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ } لما أمر سبحانه بالقتال ، والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك ، و { من } استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء ، و « ذا » خبره ، و « الذي » وصلته وصف له ، أو بدل منه ، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب ، وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال أقرض فلان فلاناً . أي أعطاه ما يتجازاه . قال الشاعر @ وَإذا جوزِيت قَرضاً فاجزْه @@ وقال الزجاج القرض في اللغة البلاء الحسن ، والبلاء السيء . قال أمية @ كلُّ امرىء سَوفَ يُجْزَي قْرضَه حَسَناً أو سَيِئاً وَمديناً مِثْل مَا دَانَا @@ وقال آخر @ فجازَى القُرُوض بِأمثَالها فبالخْيَر خَيْراً وبِالشر شرّاً @@ وقال الكسائي القرض ما أسلفت من عمل صالح ، أو سيء ، وأصل الكلمة القطع ، ومنه المقراض ، واستدعاء القرض في الآية إنما هو تأنيس ، وتقريب للناس بما يفهمونه . والله هو الغني الحميد . شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس ، والأموال في أخذ الجنة بالبيع ، والشراء . وقوله { حَسَنًا } أي طيبة به نفسه من دون مَنِّ ، ولا أذى . وقوله { فَيُضَاعِفَهُ } قرأ عاصم ، وغيره بالألف ، ونصب الفاء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإثبات الألف ، ورفع الفاء ، وقرأ ابن عامر ، ويعقوب « فيضعفه » بإسقاط الألف مع تشديد العين ، ونصب الفاء . وقرأ ابن كثير ، وأبو جعفر بالتشديد ، ورفع الفاء . فمن نصب ، فعلى أن جواب الاستفهام ، ومن رفع ، فعلى تقدير مبتدأ ، أي هو يضاعفه . وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال . وقيل لا يعلمه إلا الله وحده . وقوله { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } هذا عام في كل شيء ، فهو القابض الباسط ، والقبض التقتير ، والبسط التوسيع ، وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ، ولهذا قال { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه ، وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم ، وإن بخلتم عاقبكم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم عن ابن عباس في قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } قال كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون ، وقالوا نأتي أرضاً ليس بها موت ، حتى إذا كانوا بموضع كذا ، وكذا قال لهم الله موتوا ، فماتوا ، فمر عليهم نبيّ من الأنبياء ، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه ، فأحياهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عنه أن القرية التي خرجوا منها داوردان . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم هذه القصة مطوّلة ، عن أبي مالك ، وفيها أنهم بضعة وثلاثون ألفاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن عبد العزيز أن ديارهم هي أذَرُعات . وأخرج أيضاً ، عن أبي صالح قال كانوا تسعة آلاف . وأخرج جماعة من محدثي المفسرين هذه القصة على أنحاء ، ولا يأتي الاستكثار من طرقها بفائدة . وقد ورد في الصحيحين ، وغيرهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي ، عن الفرار من الطاعون ، وعن دخول الأرض التي هو بها من حديث عبد الرحمن بن عوف . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود ، قال « لما نزلت { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } قال أبو الدحداح الأنصاري يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض ؟ قال نعم يا أبا الدحداح ، قال أرني يدك يا رسول الله ، فناوله يده ، قال فإني قد أقرضت ربي حائطي ، وله فيه ستمائة نخلة » . وقد أخرج هذه القصة عبد الرزاق ، وابن جرير من طريق زيد بن أسلم ، زاد الطبراني ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، وابن إسحاق ، وابن المنذر ، عن ابن عباس . وأخرج ابن جرير ، عن السدي في قوله { أَضْعَافًا كَثِيرَةً } قال هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو . وأخرج أحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي عثمان النَّهْدي قال بلغني عن أبي هريرة ، حديث أنه قال « إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة » فحججت ذلك العام ، ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث ، فلقيت أبا هريرة ، فقلت له ، فقال ليس هذا ، قلت ولم يحفظ هذا الحديث الذي حدثك ، إنما ، قلت « إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة » ثم قال أبو هريرة أوليس تجدون هذا في كتاب الله ؟ { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } فالكثيرة عند الله أكثر من ألفي ألف ، وألفي ألف ، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان في صحيحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عمر قال « لما نزلت { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } البقرة 261 إلى آخره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رب زِدْ أمتي ، " فنزلت { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } قال رب زد أمتي فنزلت { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } الزمر 10 . وأخرج ابن المنذر ، عن سفيان ، قال لما نزلت { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } الأنعام 160 قال ربّ زد أمتي ، فنزلت { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ } قال ربّ زد أمتي ، فنزلت { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ في سبيل الله } البقرة 261 قال رب زد أمتي ، فنزلت { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ } وفي الباب أحاديث هذه أحسنها وستأتي عند تفسير قوله تعالى { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } فابحثها . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } قال يقبض الصدقة ، ويبسط قال يخلف { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قال من التراب ، وإلى التراب تعودون . وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في الآية قال علم الله أن فيمن يقاتل في سبيل الله من لا يجد قوّة ، وفيمن لا يقاتل في سبيل الله من يجد غنى ، فندب هؤلاء إلى القرض ، فقال { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قرضاً حسناً } قال يبسط عليك ، وأنت ثقيل ، عن الخروج لا تريده ، ويقبض عن هذا ، وهو يطيب نفساً بالخروج ، ويخفّ له ، فقوّه مما بيدك يكن لك الحظ .