Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-253)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } قيل هو إشارة إلى جميع الرسل ، فتكون الألف واللام للاستغراق ، وقيل هو إشارة إلى الأنبياء المذكورين في هذه السورة ، وقيل إلى الأنبياء الذين بلغ علمهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . والمراد بتفضيل بعضهم على بعض أن الله سبحانه جعل لبعضهم من مزايا الكمال فوق ما جعله للآخر ، فكان الأكثر مزايا فاضلاً ، والآخر مفضولاً . وكما دلت هذه الآية على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض كذلك دلت الآية الأخرى ، وهي قوله تعالى { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً } الإسراء 55 . وقد استشكل جماعة من أهل العلم الجمع بين هذه الآية ، وبين ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ " لا تفضلوني على الأنبياء " وفي لفظ آخر " لا تفضلوا بين الأنبياء " وفي لفظ " لا تخيروا بين الأنبياء " فقال قوم إن هذا القول منه صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل ، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل ، وقيل إنه قال صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل التواضع كما قال " لا يقل أحدكم أنا خير من يونس بن متى " تواضعاً مع علمه أنه أفضل الأنبياء كما يدل عليه قوله " أنا سيد ولد آدم " وقيل إنما نهى عن ذلك قطعاً للجدال ، والخصام في الأنبياء ، فيكون مخصوصاً بمثل ذلك لا إذا كان صدور ذلك مأموناً ، وقيل إن النهي إنما هو من جهة النبوة فقط لأنها خصلة واحدة لا تفاضل فيها ، ولا نهي عن التفاضل بزيادة الخصوصيات ، والكرامات . وقيل إن المراد النهي عن التفضيل لمجرد الأهواء ، والعصبية . وفي جميع هذه الأقوال ضعف . وعندي أنه لا تعارض بين القرآن ، والسنة ، فإن القرآن دلّ على أن الله فضل بعض أنبيائه على بعض ، وذلك لا يستلزم أنه يجوز لنا أن نفضل بعضهم على بعض ، فإن المزايا التي هي مناط التفضيل معلومة عند الله لا تخفى عليه منها خافية فيه ، وليست بمعلومة عند البشر ، فقد يجهل اتباع نبيّ من الأنبياء بعض مزاياه ، وخصوصياته فضلاً عن مزايا غيره ، والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بجميع الأسباب التي يكون بها هذا فاضلاً ، وهذا مفضولاً ، لا قبل العلم ببعضها ، أو بأكثرها ، أو بأقلها ، فإن ذلك تفضيل بالجهل ، وإقدام على أمر لا يعلمه الفاعل له ، وهو ممنوع منه ، فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضل بعض أنبيائه على بعض لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يفضلوا بين الأنبياء ، فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك ؟ وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن ، والسنة بوجه من الوجوه ، فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضل بعض أنبيائه على بعض ، والسنة فيها النهي لعباده أن يفضلوا بين أنبيائه ، فمن تعرّض للجمع بينهما زاعماً أنهما متعارضان ، فقد غلط غلطاً بيناً . قوله { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } وهو موسى ، ونبينا سلام الله عليهما . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آدم " إنه نبيّ مكلم " وقد ثبت ما يفيد ذلك في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر . قوله { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ } هذا البعض يحتمل أن يراد به من عظمت منزلته عند الله سبحانه من الأنبياء ، ويحتمل أن يراد به نبينا صلى الله عليه وسلم لكثرة مزاياه المقتضية لتفضيله ، ويحتمل أن يراد به إدريس لأن الله سبحانه أخبرنا بأنه رفعه مكاناً علياً ، وقيل إنهم أولوا العزم ، وقيل إبراهيم ، ولا يخفاك أن الله سبحانه أبهم هذا البعض المرفوع ، فلا يجوز لنا التعرّض للبيان له إلا ببرهان من الله سبحانه ، أو من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، ولم يرد ما يرشد إلى ذلك ، فالتعرّض لبيانه هو من تفسير القرآن الكريم بمحض الرأي ، وقد عرفت ما فيه من الوعيد الشديد مع كون ذلك ذريعة إلى التفضيل بين الأنبياء ، وقد نهينا عنه ، وقد جزم كثير من أئمة التفسير أنه نبينا ، وأطالوا في ذلك ، واستدلوا بما خصه الله به من المعجزات ، ومزايا الكمال ، وخصال الفضل ، وهم بهذا الجزم بدليل لا يدل على المطلوب ، قد وقعوا في خطرين ، وارتكبوا نهيين ، وهما تفسير القرآن بالرأي ، والدخول في ذرائع التفضيل بين الأنبياء ، وإن لم يكن ذلك تفضيلاً صريحاً ، فهو ذريعة إليه بلا شك ، ولا شبهة لأن من جزم بأن هذا البعض المرفوع درجات هو النبيّ الفلاني ، انتقل من ذلك إلى التفضيل المنهيّ عنه ، وقد أغني الله نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ذلك بما لا يحتاج معه إلى غيره من الفضائل ، والفواضل ، فإياك أن تتقرّب إليه صلى الله عليه وسلم بالدخول في أبواب نهاك عن دخولها ، فتعصيه ، وتسيء ، وأنت تظن أنك مطيع محسن . قوله { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } أي الآيات الباهرة ، والمعجزات الظاهرة من إحياء الأموات ، وإبراء المرضى ، وغير ذلك . قوله { وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } هو جبريل ، وقد تقدّم الكلام على هذا . قوله { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } أي من بعد الرسل ، وقيل من بعد موسى ، وعيسى ، ومحمد لأن الثاني مذكور صريحاً ، والأول ، والثالث وقعت الإشارة إليهما بقوله { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } أي لو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا ، فمفعول المشيئة محذوف على القاعدة { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ } استثناء من الجملة الشرطية ، أي ولكن الاقتتال ناشيء عن اختلافهم اختلافاً عظيماً حتى صاروا مللاً مختلفة { مِنْهُمْ مّنْ آمن وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ } عدم اقتتالهم بعد هذا الاختلاف { مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } لا رادّ لحكمه ، ولا مبدّل لقضائه ، فهو يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } قال اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليماً ، وجعل عيسى كمثل آدم { خلقه من تراب ، ثم قال له كن ، فيكون } آل عمران 59 وهو عبد الله ، وكلمته وروحه ، وآتى داود زبوراً ، وآتى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن مجاهد في قوله { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } قال كلم الله موسى ، وأرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عامر الشعبي في قوله { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ } قال محمداً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } يقول من بعد موسى ، وعيسى . وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاوية إذ أقبل عليّ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية " أتحب علياً ؟ " قال نعم قال " إنها ستكون بينكم فتنة هنيهة ، " قال معاوية فما بعد ذلك يا رسول الله ؟ قال " عفو الله ورضوانه ، " قال رضينا بقضاء الله ، فعند ذلك نزلت هذه الآية { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } » قال السيوطي وسنده واهٍ .