Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 29-29)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن كيسان { خَلَقَ لَكُمْ } أي من أجلكم ، وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة ، حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل ، ولا فرق بين الحيوانات ، وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر ، وفي التأكيد بقوله { جَمِيعاً } أقوى دلالة على هذا . وقد استدلَّ بهذه الآية على تحريم أكل الطين ، لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض . وقال الرازي في تفسيره إن لقائل أن يقول إن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض ، فيكون جامعاً للوصفين ، ولا شك أن المعادن داخلة في ذلك ، وكذلك عروق الأرض ، وما يجري مجرى البعض لها ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه . انتهى . وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال فإن قلت هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض ، وما فيها وجه صحة ؟ قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء ، ويراد الجهات العلوية جاز ذلك ، فإن الغبراء ، وما فيها واقعة في الجهات السفلية . انتهى . وأما التراب ، فقد ورد في السنة تحريمه ، وهو أيضاً ضارّ ، فليس مما ينتفع به أكلاً ، ولكنه ينتفع به في منافع أخرى ، وليس المراد منفعة خاصة كنفعة الأكل ، بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه ، و { جميعاً } منصوب على الحال . والاستواء في اللغة الاعتدال ، والاستقامة ، قاله في الكشاف ، ويطلق على الارتفاع ، والعلوّ على الشيء ، قال تعالى { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ } المؤمنون 28 وقال { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } الزخرف 13 وهذا المعنى هو المناسب لهذه الآية . وقد قيل إن هذه الآية من المشكلات . وقد ذهب كثير من الأئمة إلى الإيمان بها ، وترك التعرّض لتفسيرها ، وخالفهم آخرون . والضمير في قوله { فَسَوَّاهُنَّ } مبهم يفسره ما بعده كقولهم زيد رجلاً ، وقيل إنه راجع إلى السماء لأنها في معنى الجنس ، والمعنى أنه عدل خلقهنّ ، فلا اعوجاج فيه . وقد استدل بقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَى } على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء . وكذلك الآية التي في " حمۤ السجدة " . وقال في النازعات { أأنتم أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَاء بَنَـٰهَا } النازعات 28 فوصف خلقها ، ثم قال { وَٱلأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } النازعات 30 فكأنّ السماء على هذا خلقت قبل الأرض ، وكذلك قوله تعالى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } الأنعام 1 وقد قيل إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ، ودحوها متأخر . وقد ذكر نحو هذا جماعة من أهل العلم ، وهذا جمع جيد لا بدّ من المصير إليه ، ولكن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد الدحو ، والآية المذكورة هنا دلت على أنه خلق ما في الأرض قبل خلق السماء ، وهذا يقتضي بقاء الإشكال ، وعدم التخلص عنه بمثل هذا الجمع . وقوله { سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } فيه التصريح بأن السموات سبع ، وأما الأرض ، فلم يأت في ذكر عددها إلا قوله تعالى { وَمِنَ ٱلاْرْضِ مِثْلَهُنَّ } الطلاق 12 فقيل أي في العدد ، وقيل أي في غلظهنّ ، وما بينهنّ . وقال الداودي إن الأرض سبع ، ولكن لم يفتق بعضها من بعض . والصحيح أنها سبع كالسموات . وقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم " من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوّقه الله من سبع أرضين " وهو ثابت من حديث عائشة ، وسعيد بن زيد . ومعنى قوله تعالى { سوَّاهنّ } سوّى سُطوحَهُن بالإملاس ، وقيل جعلهنّ سواء . قال الرازي في تفسيره فإن قيل فهل يدل التنصيص على سبع سموات أي فقط ؟ قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد ، والله أعلم . انتهى . وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الحكماء من الزيادة على السبع . ونحن نقول إنه لم يأتنا عن الله ، ولا عن رسوله إلا السبع ، فنقتصر على ذلك ، ولا نعمل بالزيادة إلا إذا جاءت من طريق الشرع ، ولم يأت شيء من ذلك ، وإنما أثبت لنفسه سبحانه أنه بكل شيء عليم ، لأنه يجب أن يكون عالماً بجميع ما ثبت أنه خالفه . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً } قال سخر لكم ما في الأرض جميعاً كرامة من الله ، ونعمة لابن آدم ، وبلغة ، ومنفعة إلى أجل . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً } قال سخر لكم ما في الأرض جميعاً { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } قال خلق الأرض قبل السماء ، فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } يقول خلق سبع سموات بعضهنّ فوق بعض ، وسبع أرضين بعضهنّ فوق بعض . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء ، والصفات عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأرْضِ } الآية ، قالوا إن الله كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئاً قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخاناً ، فارتفع فوق الماء ، فسما عليه فسماه سماء ، ثم انبسَّ الماء ، فجعله أرضاً واحدة ، ثم فتقها سبع أرضين في يومين الأحد ، والاثنين ، فخلق الأرض على حوت ، وهو الذي ذكره في قوله { ن وَٱلْقَلَمِ } القلم 1 والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ، ولا في الأرض ، فتحرّك الحوت ، فاضطرب ، فتزلزلت الأرض ، فأرسى عليها الجبال فقرّت ، فذلك قوله تعالى { وَأَلْقَىٰ فِى ٱلأرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } لقمان 10 وخلق الجبال فيها ، وأقوات أهلها ، وسخرها ، وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء ، والأربعاء ، وذلك قوله { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلاْرْضَ } فصلت 9 إلى قوله { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } فصلت 10 يقول أنبت شجرها { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } فصلت 10 يقول أقوات أهلها { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لّلسَّائِلِينَ } فصلت 10 يقول من سأل ، فهكذا الأمر ، { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَاء وَهِىَ دُخَانٌ } فصلت 11 وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات ، والأرض { وَأَوْحَىٰ فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا } فصلت 12 قال خلق في كل أسماء خلقها ، من الملائكة ، والخلق الذي فيها ، من البحار وجبال البرد ، وما لا يعلم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة ، وحفظاً من الشياطين ، فلما فرغ من خلق ما أحبّ استوى على العرش . وأخرج البيهقي في الأسماء ، والصفات ، عن عباس في قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } يعني صعد أمره إلى السماء ، فسواهنّ يعني خلق سبع سموات ، قال أجرى النار على الماء ، فبخر البحر ، فصعد في الهواء ، فجعل السموات منه . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيح قال « أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال " خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الأثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبثّ فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة بعد العصر " وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عند أهل السنن ، وغيرهم ، عن جماعة من الصحابة أحاديث في وصف السموات ، وأن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام ، وأنها سبع سموات ، وأن الأرض سبع أرضين ، وكذلك ثبت في وصف السماء آثار عن جماعة من الصحابة ، وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور بعض ذلك في تفسير هذه الآية ، وإنما تركنا ذكره ها هنا لكونه غير متعلق بهذه الآية على الخصوص ، بل هو متعلق بما هو أعمّ منها .