Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-30)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ } من الظروف الموضوعة للتوقيت ، وهي للمستقبل ، وإذا للماضي ، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى . وقال المبرّد هي مع المستقبل للمضيّ ، ومع الماضي للاستقبال . وقال أبو عبيدة إنها هنا زائدة . وحكاه الزَّجَّاج وابن النحاس وقالا هي ظرف زمان ليست مما يزاد ، وهي هنا في موضع نصب بتقدير اذكر ، أو بقالوا . وقيل هو متعلق بـ { خلق لكم } البقرة 29 ، وليس بظاهر ، والملائكة جمع ملَكَ بوزن فَعَل ، قاله ابن كيسان . وقيل جمع مَلأك بوزن مَفْعَل ، قاله أبو عبيدة ، من لأك إذا أرسل ، والألوكة الرسالة . قال لبيد @ وغُلامٍ أرسَلتْهُ أمهُ بَألوكَ فَبَذلنَا مَا سَأل @@ وقال عدي بن زيد @ أبلغِ النُّعمانَ عَنِي مألكاً أنَّه قَدْ طَال حَبْسِي وَانتِظَاري @@ ويقال ألكني أي أرسلني . وقال النضر بن شميل لا اشتقاق لملك عند العرب ، والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع ، ومثله الصلادمة ، والصلادم الخيل الشداد واحدها صلدم . وقيل هي للمبالغة ، كعلامة ونسَّابة و { جَاعِلٌ } هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين . وذكر المطرزي أنه بمعنى خالق ، وذلك يقتضي أنه متعدّ إلى مفعول واحد ، والأرض هنا هي هذه الغبراء ، ولا يختص ذلك بمكان دون مكان ، وقيل إنها مكة . والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة ، ويجوز أن يكون بمعنى المخلوف ، أي يخلفه غيره قيل هو آدم . وقيل كل من له خلافة في الأرض ، ويقوى الأوّل قوله { خليفة } دون خلائف ، واستغنى بآدم عن ذكر من بعده . قيل خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب لا للمشورة ، ولكن لاستخراج ما عندهم . وقيل خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال ، فيجابون بذلك الجواب ، وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم . وأما قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } فظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض ، لكونهم مظنة للإفساد في الأرض ، وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن يتقدم لهم معرفة ببني آدم ، بل قبل وجود آدم ، فضلاً عن ذريته ، لعلم قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه ، لأنهم لا يعلمون الغيب قال بهذا جماعة من المفسرين . وقال بعض المفسرين إن في الكلام حذفاً ، والتقدير إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا ، فقالوا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ويسفك الدماء } وقوله { يُفْسِدُ } قائم مقام المفعول الثاني . والفساد ضدّ الصلاح . وسفك الدم صبه ، قاله ابن فارس ، والجوهري ، ولا يستعمل السفك إلا في الدم . وواحد الدماء دم ، وأصله دمى حذف لامه ، وجملة { ونحن نسبح بحمدك } حالية . والتسبيح في كلام العرب التنزيه ، والتبعيد من السوء على وجه التعظيم . قال الأعشى @ أقُولُ َلمَّا جَاءني فَخْرُه سُبْحَان مَن عَلْقَمة الفَاخِرِ @@ و { بِحَمْدِكَ } في موضع الحال ، أي حامدين لك ، وقد تقدم معنى الحمد . والتقديس التطهير ، أي ونطهرك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون ، وافتراه الجاحدون . وذكر في الكشاف " أن معنى التسبيح ، والتقديس واحد ، وهو تبعيد الله من السوء ، وأنهما من سبح في الأرض والماء ، وقدّس في الأرض إذا ذهب فيها ، وأبعد . وفي القاموس ، وغيره من كتب اللغة ما يرشد إلى ما ذكرناه ، والتأسيس خير من التأكيد خصوصاً في كلام الله سبحانه . ولما كان سؤالهم واقعاً على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم ، أجاب الله سبحانه عليهم بقوله { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل لأن من علم ما لا يعلم المخاطب له كان حقيقاً بأن يسلم له ما يصدر عنه ، وعلى من لا يعلم أن يعترف لمن يعلم ، بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم ، وتقتضيه المصلحة الراجحة ، والحكمة البالغة . ولم يذكر متعلق قوله { تَعْلَمُونَ } ليفيد التعميم ، ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ، ويعترف بالعجز ويقر بالقصور . وقد أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن ابن عباس ، قال إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ، ثم قرأ { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً } وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضاً نحوه وزاد . وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان ، فأفسدوا في الأرض ، وسفكوا الدماء ، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنوداً من الملائكة ، فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور ، فلما قال الله { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاء } كما فعل أولئك الجان ، فقال الله { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر مثله . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس أطول منه . وأخرج ابن جرير ، وابن عساكر ، عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة قال لما فرغ الله من خلق ما أحبّ استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجنّ لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازناً ، فوقع في صدره كبر ، وقال ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي . فاطلع الله على ذلك منه ، فقال للملائكة { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً } قالوا ربنا ، وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ، ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضاً ، قالوا ربنا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاء } قَالَ { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في الآية قال قد علمت الملائكة ، وعلم الله ، أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء ، والفساد في الأرض . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس قال إياكم والرأي ، فإنَّ الله ردَّ الرأي على الملائكة ، وذلك أن الله قال { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً } قالت الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } قال { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، عن أبي سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت فهي أول من طاف به ، وهي الأرض التي قال الله { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً } " قال ابن كثير وهذا مرسل في سنده ضعف ، وفيه مدرج ، وهو أن المراد بالأرض مكة ، والظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك . انتهى . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال التسبيح ، والتقديس المذكور في الآية هو الصلاة . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة ، عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أوّل من لبى الملائكة " قال الله تعالى { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاء } قال فرادُّوه ، فأعرض عنهم ، فطافوا بالعرش ست سنين يقولون لبيك لبيك اعتذاراً إليك ، لبيك لبيك نستغفرك ، ونتوب إليك " . وثبت في الصحيح من حديث أبي ذرّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أحبّ الكلام إلى الله ما اصطفاه لملائكته سبحان ربي ، وبحمده " وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله { وَنُقَدّسُ لَكَ } قال نصلي لك . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال التقديس التطهير . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { وَنُقَدّسُ لَكَ } قال نعظمك ونكبرك . وأخرجا عن أبي صالح قال نعظمك ونمجدك . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال علم من إبليس المعصية ، وخلقه لها . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في تفسيرها قال كان في علم الله أنه سيكون من الخليقة أنبياء ، ورسل ، وقوم صالحون ، وساكنوا الجنة . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي ربّ { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاء } الآية ، قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله لملائكته هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا إلى الأرض فننظر كيف يعملان ؟ فقالوا ربنا هاروت وماروت ، قال فاهبطا إلى الأرض ، فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر " وذكر القصة . وقد ثبت في كتب الحديث المعتبرة أحاديث من طريق جماعة من الصحابة في صفة خلقه سبحانه لآدم وهي موجودة فلا نطوّل بذكرها .