Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-61)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر . ومعناه في اللغة طلب السقيا . وفي الشرع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفته من الصلاة والدعاء . والحجر يحتمل أن يكون حجراً معيناً ، فتكون اللام للعهد ، ويحتمل أن لا يكون معيناً ، فتكون للجنس ، وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة . وقوله { فَٱنفَجَرَتْ } الفاء مترتبة على محذوف ، تقديره فضرب ، فانفجرت ، والانفجار الانشقاق وانفجر الماء انفجاراً تفتح ، والفجرة موضع تفتح الماء . قال ابن عطية ولا خلاف أنه كان حجراً مربعاً يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون ، وإذا استغنوا عن الماء جفت . والمشرب موضع الشرب ، وقيل هو المشروب نفسه ، وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم . قيل كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها ، والأسباط ذرية الاثني عشر من أولاد يعقوب . وقوله { كُلُواْ } أي قلنا لهم كلوا المنّ والسلوى ، واشربوا الماء المتفجر من الحجر ، وعثا يعثي عثيا ، وعثا يعثو عثواً ، وعاث يعيث عيثاً ، لغات بمعنى أفسد . وقوله { مُفْسِدِينَ } حال مؤكدة . قال في القاموس عثي كرمي ، وسعى ورضي ، عيْثا ، وعُيُوثاً ، وعَيثاناً ، وعثَا يَعْثُو عُثُواً أفسد وقال في الكشاف " العثي أشدّ الفساد . فقيل لهم لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه " . انتهى . قوله { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } تضجُّر منهم بما صاروا فيه من النعمة ، والرزق الطيب ، والعيش المستلذ ، ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش @ إنَّ الشَقيَّ بالشَقَاءِ مُولعٌ لا يَمْلِكُ الردَّ لَهُ إذا أتى @@ ويحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقاً إلى ما كانوا فيه ، ونظراً لما صاروا إليه من العيشة الرافهة ، بل هو باب من تعنتهم ، وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم ، وهِجّيِراهم في غالب ما قصّ علينا من أخبارهم . وقال الحسن البصري إنهم كانوا أهل كراث ، وأبصال ، وأعداس ، فنزعوا إلى عكرهم ، أي أصلهم عكر السوء ، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم ، فقالوا { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } والمراد بالطعام الواحد هو المنّ والسلوى ، وهما ، وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاماً واحد . وقيل لتكررهما في كل يوم ، وعدم وجود غيرهما معهما ، ولا تبدلة بهما . و " من " في قوله { مِمَّا تُنبِتُ } تخرج . قال الأخفش زائدة ، وخالفه سيبويه ، لكونها لا تزاد في الكلام الموجب . قال النحاس وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولاً ليخرج فأراد أن يجعل " ما " مفعولاً . والأولى أن يكون المفعول محذوفاً دل عليه سياق الكلام ، أي تخرج لنا مأكولاً . وقوله { مِن بَقْلِهَا } بدل من " ما " بإعادة الحرف . والبقل كل نبات ليس له ساق ، والشجر ما له ساق . قال في الكشاف " البقل ما أنبتته الأرض من الخضر ، والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع ، والكرفس ، والكراث ، وأشباهها " . انتهى . والقثاء بكسر القاف ، وفتحها . والأولى قراءة الجمهور ، والثانية قراءة يحيى بن وثاب ، وطلحة بن مُصَرَّف ، وهو معروف . والفوم قيل هو الثوم ، وقد قرأه ابن مسعود بالثاء . وروي نحو ذلك عن ابن عباس ، وقيل الفوم الحنطة ، وإليه ذهب أكثر المفسرين ، كما قال القرطبـي . وقد رجح هذا ابن النحاس . وقال الجوهري الثوم الحنطة ، وممن قال بهذا الزجاج ، والأخفش ، وأنشد @ قَدْ كُنْتُ أحْسبني كَأغْنَى وَاحِد تَركَ المدينةَ عَنْ زِراعةِ فُومِ @@ وقال بالقول الأوّل الكسائي ، والنضر بن شميل ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت @ كَانَت مَنَازِلُهم إذ ذَاكَ ظَاهِرة فِيهَا الفَرَادِيسُ والفُومَاتُ والبْصَلُ @@ أي الثوم ، وقال حسان @ وأنتم أُناسٌ لِئَامُ الأصُولِ طَعَامكم الفْوُمُ وَالْحوَقلُ @@ يعني الثوم والبصل ، وقيل الفوم السنبلة . وقيل الحمص . وقيل الفوم كل حبّ يخبز . والعدس والبصل معروفان . والاستبدال وضع الشيء موضع الآخر و { َأَدْنَى } قال الزجاج إنه مأخوذ من الدنوّ . أي القرب ، والمراد أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المنّ والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ ، والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه ، والحلّ الذي لا تطرقه الشبهة ، وعدم الكلفة بالسعي له ، والتعب في تحصيله . وقوله { ٱهْبِطُواْ مِصْرًا } أي انزلوا ، وقد تقدّم معنى الهبوط . وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر . وقيل إن الأمر للتعجيز لأنهم كانوا في التيه ، فهو مثل قوله تعالى { كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } الإسراء 50 ، وصرف مصر هنا مع اجتماع العلمية ، والتأنيث لأنه ثلاثي ساكن الوسط ، وهو يجوز صرفه مع حصول السببين ، وبه قال الأخفش والكسائي . وقال الخليل ، وسيبويه إن ذلك لا يجوز ، وقالا إنه لا علمية هنا لأنه أراد مصراً من الأمصار ، ولم يرد المدينة المعروفة ، وهو خلاف الظاهر . وقرأ الحسن ، وأبان بن تغلب ، وطلحة بن مصرف بترك التنوين ، وهو كذلك في مصحف أبيّ ، وابن مسعود . ومعنى ضرب الذلة ، والمسكنة إلزامهم بذلك ، والقضاء به عليهم قضاء مستمراً لا يفارقهم ، ولا ينفصل عنهم ، مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها ، ومنه قول الفرزدق يهجو جريراً @ ضرَبَت عَلَيْكَ العَنكَبوتُ بِوزَنها وَقَضى عَلَيْكَ بِه الكِتابُ المُنزلُ @@ وهو ضرب من الهجاء بليغ ، كما أنه إذا استعمل في المديح كان في منزلة رفيعة ، ومنه قول الشاعر @ إنَّ المُروءةَ والشَجَاعَة والنَدَى في قُبةٍ ضُرِبتْ على ابن الحَشرجِ @@ وهذا الخبر الذي أخبرنا الله به هو معلوم في جميع الأزمنة ، فإن اليهود أقمأهم الله أذلّ الفرق ، وأشدّهم مسكنة ، وأكثرهم تصاغراً ، لم ينتظم لهم جمع ، ولا خفقت على رءوسهم راية ، ولا ثبتت لهم ولاية ، بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن ، وطروقة كل فحل في كل عصر ، ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغ في الكثرة أيّ مبلغ فهو متظاهر بالفقر مُتَرَدٍّ بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله ، إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية ، أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من التجرؤ على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه . ومعنى { باءوا } رجعوا ، يقال باء بكذا ، أي رجع به ، وباء إلى المباءة ، أي رجع إلى المنزل ، والبواء الرجوع ، ويقال هم في هذا الأمر بواء ، أي سواء يرجعون فيه إلى معنى واحد ، وباء فلان بفلان إذا كان حقيقاً بأن يقبل به لمساواته له ، ومنه قول الشاعر @ ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي محاربنا لا يبوأ الدم بالدم @@ والمراد في الآية أنهم رجعوا بغضب من الله ، أو صاروا أحقاء بغضبه . وقد تقدم تفسير الغضب ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدم من حديث الذلة وما بعده بسبب كفرهم بالله ، وقتلهم لأنبيائه بغير حق يحق عليهم اتباعه والعمل به ، ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة ، بل المراد نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه ، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر . ويمكن أن يقال أنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل ، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه ، بل أرشدوهم إلى مصالح الدين . والدنيا ، كما كان من شعيا وزكريا ويحيى ، فإنهم قتلوهم ، وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون ، وتكرير الإشارة لقصد التأكيد ، وتعظيم الأمر عليهم ، وتهويله ، ومجموع ما بعد الإشارة الأولى والإشارة الثانية هو السبب لضرب الذلة وما بعده . وقيل يجوز أن تكون الإشارة الثانية إلى الكفر والقتل ، فيكون ما بعدها سبباً للسبب وهو بعيد جداً . والاعتداء تجاوز الحدّ في كل شيء . وقد أخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } قال ذلك في التيه ، ضرب لهم موسى الحجر ، فصار فيها اثنتا عشرة عيناً من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة ومجاهد وابن أبي حاتم عن جويبر نحو ذلك . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ } قال لا تسعوا في الأرض فساداً . وأخرج ابن جرير عن أبي العالية مثله . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال يعني لا تمشوا بالمعاصي . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال لا تسيروا في الأرض مفسدين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } قال المنّ والسلوى ، واستبدلوا به البقل ، وما حكى معه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَفُومِهَا } قال الخبز ، وفي لفظ البر ، وفي لفظ الحنطة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الفوم الثوم . وأخرج ابن جرير ، عن الربيع بن أنس مثله . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ « وثومها » وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال قراءتي قراءة زيد ، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفاً من قراءة ابن مسعود هذا أحدها « من بقلها وقثائها وثومها » . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد في قوله { ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ } قال أردأ . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله { ٱهْبِطُواْ مِصْرًا } قال مصراً من الأمصار . وأخرج ابن جرير ، عن أبي العالية أنه مصر فرعون . وأخرج نحوه ابن أبي داود ، وابن الأنباري عن الأعمش . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ } قال هم أصحاب الجزية . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن قال ضربت عليهم الذلة ، والمسكنة أي يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون . وأخرج ابن جرير ، عن أبي العالية قال المسكنة الفاقة . وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ } قال استحقوا الغضب من الله . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وَبَاءوا } قال انقلبوا . وأخرج أبو داود الطيالسي ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبيّ ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار .