Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 58-59)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال جمهور المفسرين القرية هي بيت المقدس . وقيل إنها أريحاء قرية من قرى بيت المقدس ، وقيل من قرى الشام . وقوله { كُلُواْ } أمر إباحة ، و { رَغَدًا } كثيراً واسعاً ، وهو نعت لمصدر محذوف ، أي أكلاً رغداً ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ، وقد تقدم تفسيره . والباب الذي أمروا بدخوله هو باب في بيت المقدس يعرف اليوم بباب حطة . وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل . والسجود قد تقدم تفسيره وقيل هو هنا الانحناء ، وقيل التواضع والخضوع ، واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد السجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي . وقال في الكشاف إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكراً لله ، وتواضعاً . واعترضه أبو حيان في النهر المادّ ، فقال لم يؤمروا بالسجود ، بل هو قيد في وقوع المأمور به ، وهو الدخول ، والأحوال نسب تقييدية ، والأوامر نسب إسنادية . انتهى . ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد ، فمن قال اخرج مسرعاً ، فهو أمر بالخروج على هذه الهيئة ، فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفاً للأمر ، ولا ينافي هذا كون الأحوال نسباً تقييدية ، فإن اتصافها بكونها قيوداً مأموراً بها هو شيء زائد على مجرد التقييد . وقوله { حِطَّةٌ } بالرفع في قراءة الجمهور على إضمار مبتدأ ، قال الأخفش وقرئت « حطة » نصباً على معنى احطط عنا ذنوبنا حطة ، وقيل معناها الاستغفار ومنه قول الشاعر @ فَازَ بِالحطةِ التي أمرَ الله بها ذَنْبَ عبده مَغْفُوراً @@ وقال ابن فارس في المجمل { حطة } كلمة أمروا بها ، ولو قالوها لحطت أوزارهم . قال الرازي في تفسيره أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة وذلك لأن التوبة صفة القلب ، فلا يطلع الغير عليها ، وإذا اشتهر ، وأخذ بالذنب ، ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب لأن التوبة لا تتمّ إلا به . انتهى . وكون التوبة لا تتم إلا بذلك لا دليل عليه ، بل مجرد عقد القلب عليها يكفي ، سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا . وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله - عزّ وجل - أحبّ إلى الله ، وأقرب إلى مغفرته ، وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية ، فذلك باب آخر . وقوله { نَغْفِرْ لَكُمْ } قرأ نافع بالياء التحتية المضمومة ، وقرأه ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة ، وقرأه الباقون بالنون ، وهي أولى . والخطايا جمع خطيئة بالهمز ، وقد تكلم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف ، وقوله { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي نزيدهم إحساناً على إحسانهم المتقدم ، وهو اسم فاعل من أحسن ، وقد ثبت في الصحيح « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الإحسان فقال " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وقوله { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } قيل إنهم قالوا حنطة . وقيل غير ذلك ، والصواب أنهم قالوا حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة ، كما تقرر في علم البيان ، وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم ، ومنه قول عدي بن زيد @ لا أرَى المْوت يسبق الموتَ شيءٌ نغَّص الموت ذا الغنَى والفَقِيرا @@ فكرر الموت في البيت ثلاثاً تهويلاً لأمره ، وتعظيماً لشأنه . وقوله { رِجْزًا } بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن مُحَيْصن ، فإنه قرأ بضم الراء . والرجز العذاب ، والفسق قد تقدم تفسيره . وقد أخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } قال بيت المقدس . وأخرج بن جرير عن ابن زيد قال هي أريحاء قرية من بيت المقدس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ } قال باب ضيق { سُجَّدًا } قال ركعاً . وقوله { حِطَّةٌ } قال مغفرة ، فدخلوا من قبل أستاهم ، وقالوا حنطة استهزاء . قال فذلك قوله تعالى { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الباب هو أحد أبواب بيت المقدس ، وهو يدعى باب حطة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الكبير ، وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال قيل لهم { ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } فدخلوا مقنعي رءوسهم ، وقالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا } قال طأطئوا رءوسكم . { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } قال قولوا لا إلٰه إلا الله . وأخرج البيهقي في الأسماء ، والصفات عن ابن عباس في قوله { قُولُواْ حِطَّةٌ } قال لا إلٰه إلا الله . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كان الباب قبل القبلة . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً ، وقولوا حطة ، فبدلوا ، فدخلوا يزحفون على أستأهم ، وقالوا حبة في شعرة " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة ، قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون حنطة في شعيرة " ، والأول أرجح لكونه في الصحيحين . وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر أعني ابن جرير ، وابن المنذر . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عليّ قال إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح ، وكباب حطة في بني إسرائيل . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني العذاب . وأخرج مسلم ، وغيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت ، قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإن الطاعون رجز ، وبقية عذاب عُذِّب به أناس من قبلكم ، فإذا كان بأرض ، وأنتم بها فلا تخرجوا منها ، وإذا بلغكم أنه بأرض ، فلا تدخلوها " .