Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 63-66)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِذْ أَخَذْنَا } هو في محل نصب بعامل مقدر ، هو اذكروا ، كما تقدم غير مرة . وقد تقدّم تفسير الميثاق ، والمراد أنه أخذ سبحانه عليهم الميثاق بأن يعملوا بما شرعه لهم في التوراة ، وبما هو أعم من ذلك ، أو أخص . والطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ، وأنزل عليه التوراة فيه . وقيل هو اسم لكل جبل بالسريانية . وقد ذكر كثير من المفسرين أن موسى لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح قال لهم اسم خذوها ، والتزموها . فقالوا لا ، إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك . فُصعِقوا ، ثم أحيوا ، فقال لهم خذوها ، والتزموها ، فقالوا لا ، فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين ، طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأتُوا ببحر من خلفهم ، ونار من قبل وجوههم ، وقيل لهم خذوها ، وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل ، فسجدوا توبة لله ، وأخذوا التوراة بالميثاق . قال ابن جرير عن بعض العلماء لو أخذوها أوّل مرة لم يكن عليهم ميثاق . قال ابن عطية والذي لا يصح سواه أن الله سبحانه اخترع وقت سجودهم الإيمان ، لا أنهم آمنوا كرهاً ، وقلوبهم غير مطمئنة . انتهى . وهذا تكلُّف ساقط حمله عليه المحافظة على ما قد ارتسم لديه من قواعد مذهبية قد سكن قلبه إليها كغيره ، وكل عاقل يعلم أنه لا سبب من أسباب الإكراه أقوى من هذا ، أو أشد منه ، ونحن نقول أكرههم الله على الإيمان ، فآمنوا مكرهين ، ورفع عنهم العذاب بهذا الإيمان ، وهو نظير ما ثبت في شرعنا من رفع السيف عمن تكلم بكلمة الإسلام ، والسيف مصلت قد هزَّه حامله على رأسه ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذراً عن قتله بأنه قالها تقية ، ولم تكن عن قصد صحيح " أأنت فتشت عن قلبه " وقال " لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس " وقوله { خُذُواْ } أي وقلنا لهم { خذوا مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ } والقوّة الجدّ والاجتهاد . والمراد بذكر ما فيه أن يكون محفوظاً عندهم ليعملوا به . قوله { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أصل التولي الإدبار عن الشيء ، والإعراض بالجسم ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعاً ومجازاً ، والمراد هنا إعراضهم عن الميثاق المأخوذ عليهم ، وقوله { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد البرهان لهم ، والترهيب بأشد ما يكون ، وأعظم ما تجوزه العقول ، وتقدر الأفهام ، وهو رفع الجبل فوق رءوسهم كأنه ظلة عليهم . وقوله { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بأن تدارككم بلطفه ، ورحمته ، حتى أظهرتم التوبة لخسرتم . والفضل الزيادة . قال ابن فارس في المجمل الفضل الزيادة ، والخير ، والإفضال الإحسان . انتهى . والخسران النقصان ، وقد تقدم تفسيره . والسبت في أصل اللغة القطع لأن الأشياء تمت فيه وانقطع العمل . وقيل هو مأخوذ من السبوت ، وهو الراحة ، والدعة . وقال في الكشاف " السبت مصدر سبتت اليهود ، إذا عظمت يوم السبت " . انتهى . وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين ففرقة اعتدت في السبت أي جاوزت ما أمرها الله به من العمل فيه ، فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه ، والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين . ففرقة جاهرت بالنهي ، واعتزلت ، وفرقة لم توافق المعتدين ، ولا صادوا معهم ، لكنهم جالسوهم ، ولم يجاهروهم بالنهي ، ولا اعتزلوا عنهم ، فمسخهم الله جميعاً ، ولم تنج إلا الفرقة الأولى فقط ، وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة ، وعاندوا أنبياءهم ، وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم ، وسخف عقولهم ، وتعنتهم نوعاً من أنواع التعسف ، وشعبة من شعب التكلف ، فإن الحيتان كانت في يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذٰلِكَ نَبْلُوهُم } الأعراف 163 فاحتالوا لصيدها ، وحفروا الحفائر ، وشقوا الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت ، فيصيدونها يوم الأحد ، فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة . والخاسىء المبعد ، يقال خسأته ، فخسأ ، وخسيء ، وانخسأ أبعدته ، فبعد . ومنه قوله تعالى { يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا } الملك 4 أي مبعداً . وقوله { ٱخْسَئُواْ فِيهَا } المؤمنون 108 أي تباعدوا تباعد سخط ، ويكون الخاسىء بمعنى الصاغر . والمراد هنا كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين ، فقردة خبر الكون ، وخاسئين خبر آخر ، وقيل إنه صفة لقردة ، والأوّل أظهر . واختلف في مرجع الضمير في قوله { فَجَعَلْنَاهَا } وفي قوله { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } فقيل العقوبة . وقيل الأمة ، وقيل القرية . وقيل القردة . وقيل الحيتان . والأول أظهر . والنكال الزجر والعقاب ، والنكل القيد لأنه يمنع صاحبه ، ويقال للجام الدابة نكل لأنه يمنعها . والموعظة مأخوذة من الاتعاظ ، والانزجار ، والوعظ التخويف . وقال الخليل الوعظ التذكير بالخير . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الطور الجبل الذي أنزلت عليه التوراة ، وكان بنو إسرائيل أسفل منه . وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس قال الطور ما أنبت من الجبال ، وما لم ينبت ، فليس بطور . وأخرج ابن جرير عنه في قوله { خُذُواْ مَا ءَاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ } قال أي بجدّ . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } قال اقرءوا ما في التوراة ، واعملوا به . وأخرج ابن إسحاق وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قال لعلكم تنزعون عما أنتم عليه . وأخرج ابن جرير عنه قال { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } أي عرفتم { واعتدوا } يقول اجترءوا في السبت بصيد السمك ، فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ، ولم يعش مسيخ قط فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . وأخرج ابن المنذر عنه قال القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا . وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال انقطع ذلك النسل . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كقوله { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } الجمعة 5 وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في الآية ، قال أحلت لهم الحيتان ، وحرّمت عليهم يوم السبت ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، فكان فيهم ثلاثة أصناف ، وذكر نحو ما قدّمناه عن المفسرين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال صار شباب القوم قردة ، والمشيخة صاروا خنازير . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { خَـٰسِئِينَ } قال ذليلين . وأخرج ابن المنذر عنه في قوله { خَـٰسِئِينَ } قال صاغرين . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد مثله . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فَجَعَلْنَـٰهَا نَكَـٰلاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } من القرى { وَمَا خَلْفَهَا } من القرى { وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ } الذين من بعدهم إلى يوم القيامة . وأخرج ابن جرير عنه { فَجَعَلْنَاهَا } يعني الحيتان { نَكَـٰلاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } من الذنوب التي عملوا قبل وبعد . وأخرج ابن جرير عنه { فَجَعَلْنَاهَا } قال جعلنا تلك العقوبة ، وهي المسخة { نَكَـٰلاً } عقوبة { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } يقول ليحذر من بعدهم عقوبتي { وَمَا خَلْفَهَا } يقول للذين كانوا معهم { وَمَوْعِظَةً } قال تذكرة ، وعبرة للمتقين .