Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-71)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قيل إن قصة ذبح البقرة المذكورة هنا مقدّم في التلاوة ، ومؤخر في المعنى ، على قوله تعالى { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } البقرة 72 ويجوز أن يكون قوله { قتلتم } مقدّماً في النزول ، ويكون الأمر بالذبح مؤخراً ، ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها ، فكأن الله أمر بذبح البقرة حتى ذبحوها ، ثم وقع ما وقع من أمر القتل ، فأمروا أن يضربوه ببعضها هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب ، وقد تقرر في علم العربية أنها لمجرد الجمع ، من دون ترتيب ، ولامعية ، وسيأتي في قصة القتل تمام الكلام ، والبقرة اسم للأنثى ، ويقال للذكر ثور ، وقيل إنها تطلق عليهما ، وأصله من البقر ، وهو الشق لأنها تشق الأرض بالحرث ، قال الأزهري البقر اسم جنس ، وجمعه باقر ، وقد قرأ عكرمة ، ويحيى بن يعمر { إن * ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } وقوله { هُزُواً } الهزو هنا اللعب والسخرية . وقد تقدم تفسيره . وإنما يفعل ذلك أهل الجهل لأنه نوع من العبث الذي لا يفعله العقلاء ، ولهذا أجابهم موسى بالاستعاذة بالله سبحانه من الجهل . وقوله { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } هذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة ، فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمرهم الله به ، ولو تركوا التعنت والأسئلة المتكلفة ، لأجزأهم ذبح بقرة من عُرْض البقر ، ولكنهم شدّدوا فشدّد الله عليهم كما سيأتي بيانه . والفارض المسنة ، ومعناه في اللغة الواسع . قال في الكشاف وكأنها سميت فارضاً لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها . انتهى . ويقال للشيء القديم فارض ، ومنه قول الراجز @ يَا ربَّ ذِي ضغن عَليَّ فَارِضٍ لَهُ قُرُو كَقُرُو الحَائِض @@ أي قدي . وقيل الفارض التي قد ولدت بطوناً كثيرة فيتسع جوفها ، والبكر الصغيرة التي لم تحمل ، وتطلق في إناث البهائم وبني آدم على ما لم يفتحله الفحل ، وتطلق أيضاً على الأوّل من الأولاد ، ومنه قول الراجز @ يَا بَكْر بَكرين وَيَا صُلْبَ الكْبِد أصْبَحْت مِني كَذِراعٍ من عَضُدْ @@ والعوان المتوسطة بين سني الفارض والبكر ، وهي التي قد ولدت بطناً ، أو بطنين ويقال هي التي قد ولدت مرة بعد مرة ، والإشارة بقوله { بَيْنَ ذٰلِكَ } إلى الفارض ، والبكر ، وهما وإن كانتا مؤنثتين ، فقد أشير إليهما بما هو للمذكر على تأويل المذكور ، كأنه قال بين ذلك المذكور . وجاز دخول بين المقتضية لشيئين لأن المذكور متعدد . وقوله { فَٱفْعَلُواْ } تجديد للأمر وتأكيد له ، وزجر لهم عن التعنت ، فلم ينفعهم ذلك ، ولا نجع فيهم ، بل رجعوا إلى طبيعتهم ، وعادوا إلى مكرهم ، واستمرّوا على عادتهم المألوفة ، فقالوا { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } . واللون واحد الألوان ، وجمهور المفسرين على أنها كانت جميعها صفراء . قال بعضهم حتى قرنها ، وظلفها . وقال الحسن . وسعيد بن جبير إنها كانت صفراء القرن . والظلف فقط ، وهو خلاف الظاهر . والمراد بالصفرة هنا الصفرة المعروفة . وروى عن الحسن أن صفراء معناه سوداء ، وهذا من بدع التفاسير ومنكراتها ، وليت شعري كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه يسرّ الناظرين ، وكيف يصح وصفه بالفقوع الذي يعلم كل من يعرف لغة العرب أنه لا يجزي على الأسود بوجه من الوجوه ، فإنهم يقولون في وصف الأسود حالك ، وحلكوك ، ودجوجى وغربيب . قال الكسائي يقال فقع لونها يفقع فقوعاً إذا خلصت صفرته . وقال في الكشاف " الفقوع أشدّ ما يكون من الصفرة وأنصعه " . ومعنى { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها إعجاباً بها ، واستحساناً للونها . قال وهب كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها . ثم لم ينزعوا عن غوايتهم ، ولا ارعووا من سفههم وجهلهم ، بل عادوا إلى تعنتهم فقال { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } أي أن جنس البقر يتشابه عليهم لكثرة ما يتصف منها بالعوان الصفراء الفاقعة ، ووعدوا من أنفسهم بالاهتداء إلى ما دلهم عليه ، والامتثال لما أمروا به . والذلول التي لم يذللها العمل ، أي هي غير مذللة بالعمل ، ولا ريضة به . وقوله { تُثِيرُ } في موضع رفع على الصفة لبقرة ، أي هي بقرة لا ذلول مثيرة ، وكذلك قوله { وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } في محل رفع لأنه وصف لها ، أيّ ليست من النواضح التي يُسْنَى عليها لسقي الزروع ، وحرف النفي الآخر توكيد للأوّل ، أي هي بقرة غير مذللة بالحرث ، ولا بالنضح ، ولهذا قال الحسن كانت البقرة وحشية . وقال قوم إن قوله { تثير } فعل مستأنف ، والمعنى إيجاب الحرث لها ، والنضح بها . والأوّل أرجح لأنها لو كانت مثيرة ساقية ، لكانت مذللة ريضة ، وقد نفى الله ذلك عنها . وقوله { مُّسَلَّمَةٌ } مرتفع على أنه من أوصاف البقرة ، ويجوز أن يكون مرتفعاً على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي هي مسلمة . والجملة في محل رفع على أنها صفة ، والمسلَّمة هي التي لا عيب فيها . وقيل مسلمة من العمل ، وهو ضعيف لأن الله سبحانه قد نفى ذلك عنها ، والتأسيس خير من التأكيد ، والإفادة أولى من الإعادة . والشية أصلها وشِيَة حذفت الواو كما حذفت من يشي ، وأصله يوشى ، ونظيره الزنة ، والعدة ، والصلة ، وهي مأخوذة من وشي الثوب إذا نسج على لونين مختلفين ، وثور موشى في وجهه ، وقوائمه سواد . والمراد أن هذه البقرة خالصة الصفرة ليس في جسمها لمعة من لون آخر . فلما سمعوا هذه الأوصاف التي لا يبقى بعدها ريب ، ولا يخالج سامعها شك ، ولا تحتمل الشركة بوجه من الوجوه ، أقصروا من غوايتهم ، وانتبهوا من رقدتهم ، وعرفوا بمقدار ما أوقعهم فيه تعنتهم من التضييق عليهم { قَالُواْ ٱلئَـٰنَ جِئْتَ بِٱلْحَقّ } أي أوضحت لنا الوصف ، وبينت لنا الحقيقة التي يجب الوقوف عندها ، فحصلوا تلك البقرة الموصوفة بتلك الصفات { فَذَبَحُوهَا } وامتثلوا الأمر الذي كان يسراً ، فعسروه ، وكان واسعاً فضيقوه { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } ما أمروا به لما وقع منهم من التثبط ، والتعنت ، وعدم المبادرة . فكان ذلك مظنة للاستبعاد ، ومحلا للمجىء بعبارة مشعرة بالتثبط الكائن منهم . وقيل إنهم ما كادوا يفعلون لعدم وجدان البقرة المتصفة بهذه الأوصاف ، وقيل لارتفاع ثمنها . وقيل لخوف انكشاف أمر المقتول ، والأوّل أرجح . وقد استدل جماعة من المفسرين والأصوليين بهذه الآية على جواز النسخ قبل إمكان الفعل . وليس ذلك عندي بصحيح لوجهين الأوّل أن هذه الأوصاف المزيدة بسبب تكرر السؤال هي من باب التقييد للمأمور به ، لا من باب النسخ ، وبين البابين بَوْن بعيد كما هو مقرر في علم الأصول . الثاني أنا لو سلمنا أن هذا من باب النسخ لا من باب التقييد لم يكن فيه دليل على ما قالوه ، فإنه قد كان يمكنهم بعد الأمر الأوّل أن يعمدوا إلى بقرة من عُرْض البقر فيذبحونها ، ثم كذلك بعد الوصف بكونها جامعة بين الوصف بالعوان ، والصفراء ، ولا دليل يدل على أن هذه المحاورة بينهم ، وبين موسى عليه السلام واقعة في لحظة واحدة ، بل الظاهر أن هذه الأسئلة المتعنتة كانوا يتواطؤون عليها ، ويديرون الرأي بينهم في أمرها ، ثم يوردونها ، وأقلّ الأحوال الاحتمال القادح في الاستدلال . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن عبيدة السلماني قال كان رجل من بني إسرائيل عقيماً لا يولد له ، وكان له مال كثير ، وكان ابن أخيه وارثه ، فقتله ثم احتمله ليلاً ، فوضعه على باب رجل منهم ، ثم أصبح يدّعيه عليهم حتى تسلحوا ، وركب بعضهم إلى بعض ، فقال ذو الرأي منهم علام يقتل بعضكم بعضاً ، وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا موسى ، فذكروا ذلك له ، فقال { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } الآية ، قال فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ، ولكنهم شدّدوا ، فشدّد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها ، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها ، فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً ، فأخذوها بملء جلدها ذهباً ، فذبحوها فضربوه ببعضها ، فقام فقالوا من قتلك ؟ فقال هذا ، لابن أخيه ، ثم مال ميتاً ، فلم يعط من ماله شيئاً ، ولم يورّث قاتل بعده . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب « من عاش بعد الموت » عن ابن عباس أن القتيل وجد بين قريتين وأن البقرة كانت لرجل كان يبرّ أباه ، فاشتروها بوزنها ذهباً . وأخرج ابن جرير ، عنه ، نحواً من ذلك ، ولم يذكر ما تقدم في البقرة . وقد روى في هذا قصص مختلفة لا يتعلق بها كثير فائدة . وأخرج البزار ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأهم ، أو لأجزأت عنهم " وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن بني إسرائيل قالوا { وَإِنَّا إِن شَاء ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } ما أعطوا أبداً ، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر ، فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شدّدوا ، فشدّد الله عليهم " وأخرج نحوه الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرجه ابن جرير ، عن ابن جريج يرفعه . وأخرجه ابن جرير ، عن قتادة يرفعه أيضاً ، وهذه الثلاثة مرسلة . وأخرج نحوه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال الفارض الهرمة ، والبكر الصغيرة ، والعوان النصف . وأخرج نحوه عن مجاهد . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } قال بين الصغيرة ، والكبيرة ، وهي أقوى ما يكون ، وأحسنه . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضاً في قوله { صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال شديدة الصفرة ، تكاد من صفرتها تبيض . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر في قوله { صَفْرَاء } قال صفراء الظلف { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال صافي . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } أي صاف { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } أي تعجب . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال سوداء شديدة السواد . وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { لاَّ ذَلُولٌ } أي لم يذلها العمل { تُثِيرُ ٱلأرْضَ } يعني ليست بذلول ، فتثير الأرض { وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } يقول ولا تعمل في الحرث { مُّسَلَّمَةٌ } قال من العيوب . وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد . وقال { لأشية فِيهَا } لا بياض فيها ولا سواد . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس { مُّسَلَّمَةٌ } لا عوار فيها . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { قَالُواْ ٱلئَـٰنَ جِئْتَ بِٱلْحَقّ } قالوا الآن بينت لنا { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } لغلاء ثمنها .