Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 75-77)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { أَفَتَطْمَعُونَ } هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود . والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو له ولهم . و { يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } أي لأجلكم ، أو على تضمين آمن معنى استجاب ، أي أتطمعون أن يستجيبوا لكم . والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه . و { كَلاَمَ ٱللَّهِ } أي التوراة . وقيل إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه ، وعلى هذا فيكون الفريق هم السبعون الذين اختارهم موسى ، وقرأ الأعمش { كلم الله } . والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة ، فجعلوا حلاله حراماً ، أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإسقاط الحدود عن أشرافهم ، أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه ، ونقصوا ، وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر ، وإنكار على من طمع في إيمانهم ، وحالهم هذه الحال أي ولهم سلف حرفوا كلام الله ، وغيروا شرائعه ، وهم مقتدون بهم ، متبعون سبيلهم . ومعنى قوله { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي ، فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من بليغ شرائعه كما هي ، فهم وقعوا في المعصية عالمين بها ، وذلك أشد لعقوبتهم ، وأبين لضلالهم . { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا { قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم { أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي حكم عليكم من العذاب ، وذلك أن ناساً من اليهود أسلموا ، ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذّب به آباؤهم ، وقيل إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم معنى خلا . والفتح عند العرب القضاء ، والحكم ، والفتاح القاضي بلغة اليمن . والفتح النصر ، ومن ذلك قوله تعالى { يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } البقرة 89 وقوله { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } الأنفال 19 ومن الأوّل { ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ } سبأ 26 { وأنت خير الفاتحين } الأعراف 89 أي الحاكمين ، ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين ، والمحاجة إبراز الحجة ، أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب ، فيكون ذلك حجة لهم عليكم ، فيقولون نحن أكرم على الله منكم ، وأحق بالخير منه . والحجة ، الكلام المستقيم ، وحاججت فلاناً ، فحججته أي غلبته بالحجة . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم . ثم وبخهم الله سبحانه { أَولا * يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } من جميع أنواع الإسرار وأنواع الإعلان ، ومن ذلك إسرارهم الكفر ، وإعلانهم الإيمان . وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال ثم قال الله لنبيه ، ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } وليس قوله يسمعون التوراة كلهم قد سمعها ، ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم ، فأخذتهم الصاعقة فيها . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } الآية ، قال هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ، ثم يحرّفونه من بعد ما سمعوه ، ووعوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } الآية ، قال الذين يحرفونه ، والذين يكتبونه هم العلماء منهم ، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود . وأخرج ابن جرير ، عن السدى في قوله { يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } قال هي التوراة حرفوها . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا } أي بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه إليكم خاصة { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } قالوا لا تحدثوا العرب بهذا ، فقد كنتم تستفتحون به عليهم ، وكان منهم { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبّكُمْ } أي تقرّون بأنه نبيّ ، وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبيّ الذي كان ينتظر ، ونجد في كتابنا اجحدوه ولا تقرّوا به . وأخرج ابن جرير ، عنه أن هذه الآية في المنافقين من اليهود وقوله { بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } يعني بما أكرمكم به . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي قال نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ، ثم نافقوا ، وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به ، فقال بعضهم لبعض أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب لتقولوا نحن أحبّ إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم . وقد أخرج ابن جرير ، عن ابن زيد أن سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يدخلنّ علينا قصبة المدينة إلا مؤمن " فكان اليهود يظهرون الإيمان ، فيدخلون ويرجعون إلى قومهم بالأخبار ، وكان المؤمنون يقولون لهم أليس قد قال الله في التوراة كذا وكذا ؟ فيقولون نعم ، فإذا رجعوا إلى قومهم { قَالُواْ أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } الآية » . وروى عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، أن سبب نزول هذه الآية « أن النبي صلى الله عليه وسلم قام لقوم قريظة تحت حصونهم فقال " يا إخوان القردة ، والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت " فقالوا من أخبر هذا الأمر محمداً ؟ ما خرج هذا الأمر إلا منكم { أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } » أي بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم . وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة أن السبب في نزول الآية « أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم ، وهو ابن صوريا فقال له " احكم " قال فجبوه والتجبية يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار ، فقال رسول اصلى الله عليه وسلم " أبحكم الله حكمت ؟ " قال لا ، ولكن نساءنا كنّ حساناً ، فأسرع فيهنّ رجالنا ، فغيرنا الحكم ، وفيه نزل { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } الآية » وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا } قال هم اليهود ، وكانوا إذا لقوا الذين إمنوا قالوا آمنا ، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } نهى بعضهم بعضاً أن يحدثوا بما فتح الله عليهم ، وبين لهم في كتابه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ونعته ، ونبوّته ، وقالوا إنكم إذا ، فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أو لا يعلمون أن الله يعلم وما يسرّون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبهم به ، وهم يجدونه مكتوباً عندهم . واخرج ابن جرير ، عن أبي العالية في قوله { أَولا * يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } يعني من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولكذبهم ، وما يعلنون حين قالوا للمؤمنين آمناً ، وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف .