Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 78-82)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { مِنْهُمْ } أي من اليهود . والأمي منسوب إلى الأمة الأمية ، التي هي على أصل ، ولادتها من أمهاتها ، لم تتعلم الكتابة ، ولا تحسن القراءة للمكتوب ، ومنه حديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وقال أبو عبيدة إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم ، كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب ، فكأنه قال ومنهم أهل الكتاب . وقيل هم نصارى العرب . وقيل هم قوم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لذنوب ارتكبوها وقيل هم المجوس ، وقيل غير ذلك . والراجح الأوّل . ومعنى { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ أَمَانِىَّ } أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها ، ويعللون بها أنفسهم . والأمانيّ جمع أمنية ، وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه ، فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم لا يكتبون ، ولا يقرءون المكتوب . والاستثناء منقطع ، أي لكن الأمانيّ ثابتة لهم من كونهم مغفوراً لهم بما يدّعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة ، أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم . وقيل الأمانيّ الأكاذيب ، كما سيأتي عن ابن عباس . ومنه قول عثمان بن عفان ما تمنيت منذ أسلمت ، أي ما كذبت ، حكاه عنه القرطبي في تفسيره ، وقيل الأماني التلاوة ، ومنه قوله تعالى { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } الحج 52 أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ، أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر ، ومنه قول كعب بن مالك @ تمنى كتابَ اللهِ أوّلَ لَيْلةٍ وأخِرَه لاقى حِمامَ المقادر @@ وقال آخر @ تمنَّى كتابَ الله آخِرَ لَيْلةٍ تَمنِّي داودَ الزَّبُورَ على رِسْلَ @@ وقيل الأماني التقدير . قال الجوهري يقال مني له ، أي قدّر ، ومنه قول الشاعر @ لا تأمنَنَّ وإن أمسيتَ في حَرَم حتى تُلاقِي ما يَمْنِي لك المانِي @@ أي يقدر لك المقدر . قال في الكشاف " والاشتقاق من مَنّي إذا قدّر لأن المتمني يقدر في نفسه ، ويجوّز ما يتمناه ، وكذلك المختلق ، والقارىء يقدران كلمة كذا بعد كذا " . انتهى . و « إن » في قوله { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } نافية ، أي ما هم . والظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم . كذا في القاموس . أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ، ولا يقين ، وقيل الظن هنا بمعنى الكذب . وقيل هو مجرد الحدس ، لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرّفون كلام الله من بعد ما عقلوه ، وهم يعلمون ، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني ، ويعتمدون على الظن ، الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ، ولا يظفرون بسواه . والويل الهلاك . وقال الفراء الأصل في الويل وي ، أي حزن كما تقول وي لفلان أي حزن له ، فوصلته العرب باللام ، قال الخليل ولم نسمع على بنائه إلا ويح ، وويس ، وويه ، وويك ، وويب ، وكله متقارب في المعنى ، وقد فرّق بينها قوم ، وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها ، وجاز الابتداء به ، وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء . والكتابة معروفة ، والمراد أنهم يكتبون الكتاب المحرّف ، ولا يبينون ، ولا ينكرونه على فاعله . وقوله { بِأَيْدِيهِمْ } تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد ، فهو مثل قوله { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } الأنعام 38 وقوله { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم } آل عمران 167 وقال ابن السراج هو كناية عن أنه من تلقائهم . دون أن ينزل عليهم . وفيه أنه قد دلّ على أنه من تلقائهم قوله { يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك . والاشتراء الاستبدال ، وقد تقدّم الكلام عليه ، ووصفه بالقلة لكونه فانياً لا ثواب فيه ، أو لكونه حراماً لا تحلّ به البركة ، فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ، ولا بالكتابة لذلك المحرّف ، حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله ، لينالوا بهذه المعاصي المتكرّرة هذا الغرض النزير ، والعوض الحقير . وقوله { مِّمَّا يَكْسِبُونَ } قيل من الرشا ونحوها . وقيل من المعاصي . وكرر الويل تغليظاً عليهم ، وتعظيماً لفعلهم ، وهتكاً لأستارهم { وَقَالُواْ } أي اليهود { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ } الآية . وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه . والمراد بقوله { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْدًا } الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة أي لم يتقدّم لكم مع الله عهداً بهذا ، ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك ، وعدم إخلاف العهد ، أي إن اتخذتم عند الله عهداً ، فلن يخلف الله عهده { أم تقولون على الله مالا تعلمون } . قال في الكشاف ، " و « أم » إما أن تكون معادلة بمعنى ، أيّ الأمرين كائن على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون أحدهما ، ويجوز أن تكون منقطعة " . انتهى . وهذا توبيخ لهم شديد . قال الرازي في تفسيره العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد ، وإنما سمي خبره سبحانه عهداً لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة . وقوله { بَلَىٰ } إثبات بعد النفي أي بلى تمسكم ، لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياماً معدودة ، والسيئة المراد بها الجنس هنا ، ومنه قوله تعالى { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } الشورى 40 { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } النساء 123 ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار ، بل لا بد أن تكون سيئة محيطة به . قيل هي الشرك ، وقيل الكبيرة ، وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواتراً من خروج عصاة الموحدين من النار ، ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود ، وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وقد قرأ نافع { خطياته } بالجمع ، وقرأ الباقون بالإفراد ، وقد تقدم تفسير الخلود . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { وَمِنْهُمْ أُمّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } قال لا يدرون ما فيه { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } قال وهم يجحدون ، نبوّتك بالظن . وأخرج ابن جرير عنه قال الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله ولا كتاباً أنزله الله ، فكتبوا كتاباً بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله . وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله . وأخرج ابن جرير ، عن النخعي قال منهم من لا يحسن أن يكتب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ أَمَانِىَّ } قال الأحاديث . وأخرج ابن جرير عنه أنها الكذب . وكذا روى مثله عبد بن حميد ، عن مجاهد ، وزاد { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } قال إلا يكذبون . وأخرج النسائي ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } قال نزلت في أهل الكتاب . وأخرج أحمد ، والترمذي ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وصححه عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره " وأخرج ابن جرير من حديث عثمان مرفوعاً قال " الويل جبل في النار " وأخرج البزار ، وابن مردويه ، من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً أنه حجرٌ في النار . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ بأيديهم } قال هم أحبار اليهود ، وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة أكحل ، أعين ، ربعة ، جعد الشعر ، حسن الوجه ، فلما وجدوه في التوراة مَحَوهُ حسداً ، وبغياً ، فأتاهم نفر من قريش ، فقالوا تجدون في التوراة نبياً أمياً ؟ فقالوا نعم ، نجده طويلاً ، أزرق ، سبط الشعر . فأنكرت قريش ، وقالوا ليس هذا منا . وأخرج ابن جرير عنه في قوله { ثَمَناً قَلِيلاً } قال عرضاً من عرض الدنيا { فَوَيْلٌ لَّهُمْ } قال فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب { وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } يقول مما يأكلون به الناس السفلة ، وغيرهم . وقد ذكر صاحب الدرّ المنثور آثاراً عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية ، ولادلالة فيها على ذلك ، ثم ذكر ٱثاراً عن جماعة منهم أنهم جوّزوا ذلك ولم يكرهوه . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والواحدي ، عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة ، ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله في ذلك { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه قال وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين ، فقالوا لن تعذب أهل النار إلا قدر أربعين ، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار ، فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر ، وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة ، فقال لهم خزنة النار يا أعداء الله ، زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياماً معدودة ، فقد انقضى العدد وبقي الأمد ، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم . وأخرج ابن جرير عنه أن اليهود قالوا لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة مدة عبادة العجل . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال اجتمعت يهود يوماً ، فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات ، أربعين يوماً ، ثم يخلفنا فيها ناس ، وأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردّ يديه على رأسه « كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها ، إن شاء الله أبداً ، ففيهم نزلت هذه الآية { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ } » وأخرج ابن جرير ، عن زيد بن أسلم مرفوعاً نحوه . وأخرج أحمد ، والبخاري ، والدارمي ، والنسائي ، من حديث أبي هريرة « أن النبي سأل اليهود في خيبر " من أهل النار ؟ " فقالوا نكون فيها يسيراً ، ثم تخلفونا فيها ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " اخسئوا ، والله لا نخلفكم فيها أبداً " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْدًا } أي موثقاً من الله بذلك أنه كما تقولون . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس أنه فسر العهد هنا بأنهم قالوا لا إله إلا الله ، لم يشركوا به ولم يكفروا . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال قال القوم الكذب والباطل . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيّئَةً } قال الشرك . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة وقتادة مثله . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله { وَأَحَـٰطَتْ بِهِ خطيئته } قال أحاط به شركه ، وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في قوله { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيّئَةً } أي من عمل مثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم حتى يحيط كفره بماله من حسنة { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما تركتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله { وَأَحَـٰطَتْ بِهِ خطيئته } قال هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار . وأخرج وكيع ، وابن جرير ، عن الحسن أنه قال كل ما وعد الله عليه النار ، فهو الخطيئة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الربيع بن خيثم قال هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب . وأخرج مثله ابن جرير عن الأعمش .