Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 102-112)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظرف وهو { يَوْمَ يُنفَخُ } متعلق بمقدّر هو اذكر . وقيل هو بدل من يوم القيامة ، والأوّل أولى . قرأ الجمهور { ينفخ } بضم الياء التحتية مبنياً للمفعول ، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق بالنون مبنياً للفاعل ، واستدلّ أبو عمرو على قراءته هذه بقوله { ونحشر } فإنه بالنون ، وقرأ ابن هرمز " ينفخ " بالتحتية مبنياً للفاعل على أن الفاعل هو الله سبحانه أو إسرافيل ، وقرأ أبو عياض " في الصور " بفتح الواو جمع صورة ، وقرأ الباقون بسكون الواو . وقرأ طلحة بن مصرف والحسن " يُحْشَرُ " بالياء التحتية مبنياً للمفعول ورفع { المجرمين } وهو خلاف رسم المصحف ، وقرأ الباقون بالنون . وقد سبق تفسير هذا في الأنعام . والمراد بالمجرمين المشركون والعصاة المأخوذون بذنوبهم التي لم يغفرها الله لهم ، والمراد بـ { يَوْمَئِذٍ } يوم النفخ في الصور . وانتصاب { زرقاً } على الحال من المجرمين ، أي زرق العيون ، والزرقة الخضرة في العين كعين السنور والعرب تتشاءم بزرقة العين ، وقال الفراء { زرقاً } أي عميا . وقال الأزهري عطاشاً ، وهو قول الزجاج ، لأن سواد العين يتغير بالعطش إلى الزرقة . وقيل إنه كني بقوله { زرقاً } عن الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة . وقيل هو كناية عن شخوص البصر من شدّة الخوف ، ومنه قول الشاعر @ لقد زرقت عيناك يا بن معكبر كما كل ضبي من اللؤم أزرق @@ والقول الأوّل أولى ، والجمع بين هذه الآية وبين قوله { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } الإسراء 97 . ما قيل من أن ليوم القيامة حالات ومواطن تختلف فيها صفاتهم ويتنوع عندها عذابهم ، وجملة { يَتَخَـٰفَتُونَ بَيْنَهُمْ } في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة لبيان ما هم فيه في ذلك اليوم ، والخفت في اللغة السكون ، ثم قيل لمن خفض صوته خفته . والمعنى يتساررون ، أي يقول بعضهم لبعض سرّاً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } أي ما لبثتم في الدنيا إلا عشر ليالِ . وقيل في القبور . وقيل بين النفختين ، والمعنى أنهم يستقصرون مدة مقامهم في الدنيا ، أو في القبور ، أو بين النفختين لشدّة ما يرون من أهوال القيامة . وقيل المراد بالعشر عشر ساعات . ثم لما قالوا هذا القول قال الله سبحانه { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي أعدلهم قولاً وأكملهم رأياً وأعلمهم عند نفسه { إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } أي ما لبثتم إلا يوماً واحداً ، ونسبة هذا القول إلى أمثلهم لكونه أدلّ على شدّة الهول ، لا لكونه أقرب إلى الصدق . { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } أي عن حال الجبال يوم القيامة ، وقد كانوا سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً } قال ابن الأعرابي وغيره يقلعها قلعاً من أصولها ، ثم يصيرها رملاً يسيل سيلاً ، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا ، ثم كالهباء المنثور . والفاء في قوله { فَقُلْ } جواب شرط مقدّر ، والتقدير إن سألوك فقل ، أو للمسارعة إلى إلزام السائلين . والضمير في قوله { فَيَذَرُهَا } راجع إلى الجبال باعتبار مواضعها ، أي فيذر مواضعها بعد نسف ما كان عليها من الجبال { قَاعاً صَفْصَفاً } قال ابن الأعرابي القاع الصفصف الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء ، وقال الفراء القاع مستنقع الماء ، والصفصف القرعاء الملساء التي لا نبات فيها . وقال الجوهري القاع المستوي من الأرض ، والجمع أقوع وأقواع وقيعان . والظاهر من لغة العرب أن القاع الموضع المنكشف ، والصفصف المستويّ الأملس ، وأنشد سيبويه @ وكم دون بيتك من صفصف ودكداك رمل وأعقادها @@ وانتصاب { قاعاً } على أنه مفعول ثانٍ ليذر على تضمينه معنى التصيير ، أو على الحال والصفصف صفة له . ومحل { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } النصب على أنه صفة ثانية لـ { قاعاً } ، والضمير راجع إلى الجبال بذلك الاعتبار . والعوج بكسر العين التعوّج ، قاله ابن الأعرابي . والأمت التلال الصغار . والأمت في اللغة المكان المرتفع . وقيل العوج الميل ، والأمت الأثر مثل الشراك . وقيل العوج الوادي ، والأمت الرابية . وقيل هما الارتفاع . وقيل العوج الصدوع ، والأمت الأكمة . وقيل الأمت الشقوق في الأرض . وقيل الأمت أن يغلظ في مكان ويدق في مكان . ووصف مواضع الجبال بالعوج بكسر العين ها هنا يدفع ما يقال إن العوج بكسر العين في المعاني وبفتحها في الأعيان ، وقد تكلف لذلك صاحب الكشاف في هذا الموضع بما عنه غني ، وفي غيره سعة . { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ لاَ عِوَجَ لَهُ } أي يوم نسف الجبال يتبع الناس داعي الله إلى المحشر . وقال الفراء يعني صوت الحشر ، وقيل الداعي هو إسرافيل إذا نفخ في الصور لا عوج له ، أي لا معدل لهم عن دعائه فلا يقدرون على أن يزيغوا عنه ، أو ينحرفوا منه بل يسرعون إليه كذا قال أكثر المفسرين . وقيل لا عوج لدعائه { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } أي خضعت لهيبته ، وقيل ذلت . وقيل سكتت ، ومنه قول الشاعر @ لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع @@ { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } الهمس الصوت الخفي . قال أكثر المفسرين هو صوت نقل الأقدام إلى المحشر ، ومنه قول الشاعر @ وهنّ يمشين بنا هميسا @@ يعني صوت أخفاف الإبل . وقال رؤبة يصف نفسه @ ليث يدق الأسد الهموسا ولا يهاب الفيل والجاموسا @@ يقال للأسد الهموس لأنه يهمس في الظلمة ، أي يطأ وطئاً خفياً . والظاهر أن المراد هنا كل صوت خفيّ سواء كان بالقدم ، أو من الفم ، أو غير ذلك ، ويؤيده قراءة أبيّ بن كعب " فلا ينطقون إلا همساً " . { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ } أي يوم يقع ما ذكر لا تنفع الشفاعة من شافع كائناً من كان { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } أي إلا شفاعة من أذن له الرحمٰن أن يشفع له { وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً } أي رضي قوله في الشفاعة أو رضي لأجله قول الشافع . والمعنى إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمٰن في أن يشفع له ، وكان له قول يرضى ، ومثل هذه الآية قوله { لا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } الأنبياء 28 ، وقوله { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } مريم 87 ، وقوله { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ } المدثر 48 . { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي ما بين أيديهم من أمر الساعة ، وما خلفهم من أمر الدنيا ، والمراد هنا جميع الخلق . وقيل المراد بهم الذين يتبعون الداعي ، وقال ابن جرير الضمير يرجع إلى الملائكة ، أعلم الله من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } أي بالله سبحانه ، لا تحيط علومهم بذاته ، ولا بصفاته ، ولا بمعلوماته . وقيل الضمير راجع إلى ما في الموضعين فإنهم لا يعلمون جميع ذلك { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيّ ٱلْقَيُّومِ } أي ذلت وخضعت ، قاله ابن الأعرابي . قال الزجاج معنى عنت في اللغة خضعت ، يقال عنى يعنو عنواً إذا خضع ، ومنه قيل للأسير عان ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت @ مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد @@ وقيل هو من العناء ، بمعنى التعب { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } أي خسر من حمل شيئاً من الظلم . وقيل هو الشرك . { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } أي الأعمال الصالحة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله لأن العمل لا يقبل من غير إيمان ، بل هو شرط في القبول { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } يصاب به من نقص ثواب في الآخرة { وَلاَ هَضْماً } الهضم النقص والكسر ، يقال هضمت لك من حقي ، أي حططته وتركته . وهذا يهضم الطعام ، أي ينقص ثقله . وامرأة هضيم الكشح ، أي ضامرة البطن . وقرأ ابن كثير ومجاهد " لا يخف " بالجزم جواباً لقوله { ومن يعمل من الصالحات } وقرأ الباقون { يخاف } على الخبر . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجلاً أتاه ، فقال رأيت قوله { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } وأخرى عمياً قال إن يوم القيامة فيه حالات يكونون في حال زرقاً ، وفي حال عمياً . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله { يَتَخَـٰفَتُونَ بَيْنَهُمْ } قال يتساررون . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } قال أوفاهم عقلاً ، وفي لفظ قال أعلمهم في نفسه . وأخرج ابن المنذر وابن جريج قال قالت قريش كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة ؟ فنزلت { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } الآية . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } قال لا نبات فيه { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } قال وادياً { وَلا أَمْتاً } قال رابية . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه سئل عن قوله { قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً } قال كان ابن عباس يقول هي الأرض الملساء التي ليس فيها رابية مرتفعة ولا انخفاض . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { عِوَجَا } قال ميلاً { وَلا أَمْتاً } قال الأمت الأثر مثل الشراك . وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال يحشر الناس يوم القيامة في ظلمة تطوي السماء وتتناثر النجوم ، وتذهب الشمس والقمر ، وينادي منادٍ فيتبع الناس الصوت يؤمونه . فذلك قول الله { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ } . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في الآية قال لا عوج عنه . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } قال سكتت { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } قال الصوت الخفيّ . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله { إِلاَّ هَمْساً } قال صوت وطء الأقدام . وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن مثله . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال الصوت الخفيّ . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال سر الحديث وصوت الأقدام . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } قال ذلت . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة مثله . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال خشعت . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال خضعت . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } الركوع والسجود . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } قال شركاً . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } قال شركاً { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } قال ظلماً أن يزاد في سيئاته { وَلاَ هَضْماً } قال ينقص من حسناته . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال لا يخاف أن يظلم في سيئاته ، ولا يهضم في حسناته . وأخرج الفريابي وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم عنه { وَلاَ هَضْماً } قال غصباً .