Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 92-101)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { قَالَ يَـا هَـٰرُونَ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والمعنى أن موسى لما وصل إليهم أخذ بشعور رأس أخيه هارون وبلحيته وقال { مَا مَنَعَكَ } من اتباعي واللحوق بي عند أن وقعوا في هذه الضلالة ودخلوا في الفتنة . وقيل معنى { مَا مَنَعَكَ … ألا تتبعن } ما منعك من اتباعي في الإنكار عليهم . وقيل معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم . وقيل معناه هلا فارقتهم . و " لا " في { ألا تتبعن } زائدة ، وهو في محل نصب على أنه مفعول ثانٍ لمنع ، أي أيّ شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من اتباعي ، والاستفهام في { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } للإنكار والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره ، والمعنى كيف خالفت أمري لك بالقيام لله ومنابذة من خالف دينه وأقمت بين هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلٰهاً ؟ وقيل المراد بقوله { أمري } هو قوله الذي حكى الله عنه { وَقَالَ مُوسَىٰ لأخِيهِ هَـٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } الأعراف 142 فلما أقام معهم ولم يبالغ في الإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه . { قَالَ يَـا ٱبْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } قرىء بالفتح والكسر للميم ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة الأعراف . ونسبه إلى الأمّ مع كونه أخاه لأبيه وأمه ، عند الجمهور استعطافاً له وترقيقاً لقلبه ، ومعنى { وَلاَ بِرَأْسِي } ولا بشعر رأسي ، أي لا تفعل هذا بي عقوبة منك لي ، فإن لي عذراً هو { إِنّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرءيلَ } أي خشيت إن خرجت عنهم وتركتهم أن يتفرقوا فتقول إني فرقت جماعتهم وذلك لأن هارون لو خرج لتبعه جماعة منهم وتخلف مع السامريّ عند العجل آخرون ، وربما أفضى ذلك إلى القتال بينهم ، ومعنى { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ولم تعمل بوصيتي لك فيهم ، إني خشيت أن تقول فرّقت بينهم ، وتقول لم تعمل بوصيتي لك فيهم وتحفظها ، ومراده بوصية موسى له هو قوله { ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ } الأعراف 142 . قال أبو عبيد معنى { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ولم تنتظر عهدي وقدومي لأنك أمرتني أن أكون معهم ، فاعتذر هارون إلى موسى ها هنا بهذا ، واعتذر إليه في الأعراف بما حكاه الله عنه هنالك حيث قال { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى } الأعراف 150 . ثم ترك موسى الكلام مع أخيه وخاطب السامريّ فقَال { فَمَا خَطْبُكَ يٰسَـٰمِرِيُّ } أي ما شأنك وما الذي حملك على ما صنعت { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي قال السامريّ مجيباً على موسى رأيت ما لم يروا أو علمت بما لم يعلموا وفطنت لما لم يفطنوا له ، وأراد بذلك أنه رأى جبريل على فرس الحياة فألقى في ذهنه أن يقبض قبضة من أثر الرسول ، وأن ذلك الأثر لا يقع على جماد إلا صار حياً . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وخلف " ما لم تبصروا به " بالمثناة من فوق على الخطاب ، وقرأ الباقون بالتحتية ، وهي أولى لأنه يبعد كلّ البعد أن يخاطب موسى بذلك ويدّعي لنفسه أنه علم ما لم يعلم به موسى ، وقرىء بضم الصاد فيهما وبكسرها في الأوّل وفتحها في الثاني ، وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة " فقبضت قبصة " بالصاد المهملة فيهما ، وقرأ الباقون بالضاد المعجمة فيهما ، والفرق بينهما أن القبض بالمعجمة هو الأخذ بجميع الكف ، وبالمهملة بأطراف الأصابع . والقبضة بضم القاف القدر المقبوض . قال الجوهري هي ما قبضت عليه من شيء ، قال وربما جاء بالفتح ، وقد قرىء " قبضة " بضم القاف وفتحها ، ومعنى الفتح المرّة من القبض ، ثم أطلقت على المقبوض وهو معنى القبضة بضم القاف ، ومعنى { مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } من المحل الذي وقع عليه حافر فرس جبريل ، ومعنى { فَنَبَذْتُهَا } فطرحتها في الحليّ المذابة المسبوكة على صورة العجل { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } قال الأخفش أي زينت ، أي ومثل ذلك التسويل سوّلت لي نفسي . وقيل معنى { سوّلت لي نفسي } حدّثتني نفسي . فلما سمع موسى منه قال { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } أي فاذهب من بيننا واخرج عنا فإن لك في الحياة ، أي ما دمت حياً ، وطول حياتك أن تقول لا مساس . المساس مأخوذ من المماسة ، أي لا يمسك أحد ولا تمسّ أحداً ، لكن لا بحسب الاختيار منك ، بل بموجب الاضطرار الملجىء إلى ذلك لأن الله سبحانه أمر موسى أن ينفي السامريّ عن قومه ، وأمر بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له . قيل إنه لما قال له موسى ذلك هرب ، فجعل يهيم في البرية مع السباع والوحش لا يجد أحداً من الناس يمسه ، حتى صار كمن يقول لا مساس ، لبعده عن الناس وبعد الناس عنه ، كما قال الشاعر @ حمال رايات بها قناعسا حتى تقول الأزد لا مسايسا @@ قال سيبويه وهو مبني على الكسر . قال الزجاج كسرت السين لأن الكسرة من علامة التأنيث . قال الجوهري في الصحاح وأما قول العرب لا مساس ، مثل قطام ، فإنما بني على الكسر لأنه معدول عن المصدر ، وهو المس . قال النحاس وسمعت عليّ بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد المبرد يقول إذا اعتلّ الشيء من ثلاث جهات وجب أن يبنى ، وإذا اعتل من جهتين وجب ألا ينصرف ، لأنه ليس بعد الصرف إلا البناء ، فمساس ، دراك اعتل من ثلاث جهات منها أنه معدول ، ومنها أنه مؤنث ، ومنها أنه معرفة ، فلما وجب البناء فيه وكانت الألف قبل السين ساكنة كسرت السين لالتقاء الساكنين . وقد رأيت أبا إسحاق ، يعني الزجاج ، ذهب إلى أن هذا القول خطأ وألزم أبا العباس إذا سميت امرأة بفرعون أن يبنيه وهذا لا يقوله أحد . وقد قرأ بفتح الميم أبو حيوة والباقون بكسرها . وحاصل ما قيل في معنى { لا مساس } ثلاثة أوجه الأوّل أنه حرّم عليه مماسة الناس ، وكان إذا ماسه أحد حمّ الماس والممسوس ، فلذلك كان يصيح إذا رأى أحداً لا مساس . والثاني أن المراد منع الناس من مخالطته واعترض بأن الرجل إذا صار مهجوراً فلا يقول هو لا مساس ، وإنما يقال له . وأجيب بأن المراد الحكاية ، أي أجعلك يا سامريّ بحيث إذا أخبرت عن حالك قلت لا مساس . والقول الثالث أن المراد انقطاع نسله ، وأن يخبر بأنه لا يتمكن من مماسة المرأة ، قاله أبو مسلم وهو ضعيف جداً . ثم ذكر حاله في الآخرة فقال { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } أي لن يخلفك الله ذلك الموعد ، وهو يوم القيامة ، والموعد مصدر ، أي إن لك وعداً لعذابك ، وهو كائن لا محالة ، قال الزجاج أي يكافئك الله على ما فعلت في القيامة والله لا يخلف الميعاد . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي والحسن " لن تخلفه بكسر " اللام ، وله على هذه القراءة معنيان أحدهما ستأتيه ولن تجده مخلفاً كما تقول أحمدته ، أي وجدته محموداً . والثاني على التهديد ، أي لا بدّ لك من أن تصير إليه . وقرأ ابن مسعود " لن نخلفه " بالنون ، أي لن يخلفه الله . وقرأ الباقون بفتح اللام ، وبالفوقية مبنياً للمفعول ، معناه ما قدّمناه . { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } ظلت أصله ظللت فحذفت اللام الأولى تخفيفاً ، والعرب تفعل ذلك كثيراً . وقرأ الأعمش بلامين على الأصل . وفي قراءة ابن مسعود " ظلت " بكسر الظاء . والمعنى انظر إلى إلٰهك الذي دمت وأقمت على عبادته ، والعاكف الملازم . { لَّنُحَرّقَنَّهُ } قرأ الجمهور بضم النون وتشديد الراء من حرّقه يحرّقه . وقرأ الحسن بضم النون وسكون الحاء وتخفيف الراء من أحرقه يحرقه . وقرأ عليّ وابن عباس وأبو جعفر وابن محيصن وأشهب والعقيلي " لنحرقنه " بفتح النون وضم الراء مخففة ، من حرقت الشيء أحرقه حرقاً إذا بردته وحككت بعضه ببعض أي لنبردنه بالمبارد ، ويقال للمبرد المحرق . والقراءة الأولى أولى ، ومعناها الإحراق بالنار ، وكذا معنى القراءة الثانية ، وقد جمع بين هذه الثلاث القراءات بأنه أحرق ، ثم برد بالمبرد ، وفي قراءة ابن مسعود " لنذبحنه ثم لنحرقنه " واللام هي الموطئة للقسم . { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى ٱلْيَمّ نَسْفاً } النسف نفض الشيء ليذهب به الريح . قرأ أبو رجاء " لننسفنه " بضم السين ، وقرأ الباقون بكسرها ، وهما لغتان . والمنسف ما ينسف به الطعام ، وهو شيء منصوب الصدر أعلاه مرتفع ، والنسافة ما يسقط منه . { إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } لا هذا العجل الذي فتنتم به السامريّ { وَسِعَ كُلَّ شَيْء عِلْماً } قرأ الجمهور { وسع } بكسر السين مخففة . وهو متعدّ إلى مفعول واحد ، وهو { كل شيء } . وانتصاب { علماً } على التمييز المحوّل عن الفاعل ، أي وسع علمه كل شيء . وقرأ مجاهد وقتادة " وسع " بتشديد السين وفتحها فيتعدى إلى مفعولين ، ويكون انتصاب { علماً } على أنه المفعول الأوّل وإن كان متأخراً لأنه في الأصل فاعل ، والتقدير وسع علمه كل شيء ، وقد مرّ نحو هذا في الأعراف . { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } الكاف في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف ، أي كما قصصنا عليك خبر موسى كذلك نقصّ عليك { مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ } أي من أخبار الحوادث الماضية في الأمم الخالية لتكون تسلية لك ودلالة على صدقك ، و " من " للتبعيض ، أي بعض أخبار ذلك { وَقَدْ آتَيْنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } المراد بالذكر القرآن ، وسمي ذكراً لما فيه من الموجبات للتذكر والاعتبار . وقيل المراد بالذكر الشرف كقوله { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الزخرف 44 . ثم توعد سبحانه المعرضين على هذا الذكر فقال { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً } أي أعرض عنه فلم يؤمن به ولا عمل بما فيه وقيل أعرض عن الله سبحانه ، فإن المعرض عنه يحمل يوم القيامة وزراً ، أي إثماً عظيماً وعقوبة ثقيلة بسبب إعراضه { خَـٰلِدِينَ فِيهِ } في الوزر ، والمعنى أنهم يقيمون في جزائه . وانتصاب { خالدين } على الحال { وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً } أي بئس الحمل يوم القيامة ، والمخصوص بالذمّ محذوف ، أي ساء لهم حملاً وزرهم ، واللام للبيان ، كما في { هيت لك } يوسف 23 . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { يٰهَـٰرُونُ مَا مَنَعَكَ } إلى قوله { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } قال أمره موسى أن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين ، فكان من إصلاحه أن ينكر العجل . وأخرج عنه أيضاً في قوله { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى } قال لم تنتظر قولي ما أنا صانع ، وقال ابن عباس { لم ترقب } لم تحفظ قولي . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَوٰةِ أن تقول مساس } قال عقوبة له { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } قال لن تغيب عنه . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } قال أقمت { لَّنُحَرّقَنَّهُ } قال بالنار { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمّ } قال لنذرينه في البحر . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقرأ " لَّنُحَرّقَنَّهُ " خفيفة ، ويقول إن الذهب والفضة لا تحرق بالنار ، بل تسحل بالمبرد ثم تلقى على النار فتصير رماداً . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال { اليم } البحر . وأخرج أيضاً عن عليّ قال { اليم } النهر . وأخرج أيضاً عن قتادة في قوله { وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً } قال ملأ . وأخرج أيضاً عن ابن زيد في قوله { مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } قال القرآن . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وِزْراً } قال إثماً . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً } يقول بئس ما حملوا .