Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 123-127)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قَالَ ٱهْبِطَا } قد مرّ تفسيره في البقرة ، أي انزلا من الجنة إلى الأرض ، خصهما الله سبحانه بالهبوط لأنهما أصل البشر ، ثم عمم الخطاب لهما ولذرّيتهما فقال { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } والجملة في محل نصب على الحال ، ويجوز أن يقال خاطبهما في هذا وما بعده خطاب الجمع لأنهما منشأ الأولاد . ومعنى { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } تعاديهم في أمر المعاش ونحوه ، فيحدث بسبب ذلك القتال والخصام { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى } بإرسال الرسل وإنزال الكتب { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } أي لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } أي عن ديني ، وتلاوة كتابي ، والعمل بما فيه ، ولم يتبع هداي { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي فإن له في هذه الدنيا معيشة ضنكاً ، أي عيشاً ضيقاً . يقال منزل ضنك وعيش ضنك ، مصدر يستوي فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث ، قال عنترة @ إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل @@ وقرىء { ضُنكى } بضم الضاد على فُعلى ، ومعنى الآية أن الله عزّ وجلّ جعل لمن اتبع هداه وتمسك بدينه أن يعيش في الدنيا عيشاً هنياً غير مهموم ولا مغموم ولا متعب نفسه ، كما قال سبحانه { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً } النحل 97 . وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشاً ضيقاً وفي تعب ونصب ، ومع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب ، فهو في الأخرى أشدّ تعباً وأعظم ضيقاً وأكثر نصباً ، وذلك معنى { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } أي مسلوب البصر . وقيل المراد العمى عن الحجة . وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدي إلى شيء منها . وقد قيل إن المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر ، وسيأتي ما يرجح هذا ويقوّيه . { قَالَ رَبّى لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } في الدنيا { قَالَ كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك فعلت أنت ، ثم فسره بقوله { أَتَتْكَ آيَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا } أي أعرضت عنها وتركتها ولم تنظر فيها { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا تنسى ، أي تترك في العمى والعذاب في النار . قال الفراء يقال إنه يخرج بصيراً من قبره فيعمى في حشره . { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } أي مثل ذلك الجزاء نجزيه . والإسراف الانهماك في الشهوات . وقيل الشرك . { وَلَمْ يُؤْمِن بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ } بل كذب بها { وَلَعَذَابُ ٱلاْخِرَةِ أَشَدُّ } أي أفظع من المعيشة الضنك { وَأَبْقَىٰ } أي أدوم وأثبت لأنه لا ينقطع . وقد أخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو نعيم في الحلية ، وابن مردويه عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة في الدنيا ، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة ، وذلك أن الله يقول { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } " وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس قال أجار الله تابع القرآن من أن يضلّ في الدنيا أو يشقى في الآخرة ، ثم قرأ { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال لا يضلّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ، ومسدد في مسنده ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً في قوله { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال عذاب القبر . ولفظ عبد الرزاق قال يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . ولفظ ابن أبي حاتم قال ضمة القبر . وفي إسناده ابن لهيعة ، وفيه مقال معروف . وقد روي موقوفاً . قال ابن كثير الموقوف أصح . وأخرج البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله " { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال " المعيشة الضنكى أن يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة " وأخرج ابن أبي الدنيا والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه بأطول منه . قال ابن كثير رفعه منكر جداً . وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله " { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال عذاب القبر " قال ابن كثير بعد إخراجه إسناد جيد . وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود في قوله { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال عذاب القبر ، ومجموع ما ذكرنا هنا يرجح تفسير المعيشة الضنك بعذاب القبر . وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني ، والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن ابن مسعود أنه فسر المعيشة الضنكى بالشقاء . وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } قال عمي عليه كل شيء إلا جهنم ، وفي لفظ لا يبصر إلا النار . وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } قال من أشرك بالله .